قال صاحبي: انتظرت، وأنا أحتفل برأس السنة الجديدة، أن يحل بيننا هذه السنة ربيع زاهر يبعث الأمل والتفاؤل في النفوس، ولكن مأساة الاربعاء الأسود، وما فجرته من أحداث، وأزمة سياسية خانقة أيقظت الوساوس، وأحيت الأرق، وأصبحت أخشى أن نستقبل خريفا عاصفا عوض الربيع، وأن يعقبه صيف قائظ لا نسائم فيه، ولا إرواء غليل. قلت: إلى هذه الدرجة بلغ بك التشاؤم، وفقدت الأمل في الماسكين بزمام السلطة العليا في البلاد ؟ قال صاحبي: أعرف أنك متفائل، وكتبت نصا بعنوان «كتب علينا أن نتفاءل»، آخذا دائما بيدي لانتشالي من مستنقع السوداء السياسية (المنخوليا)، ولكن جميع المؤشرات تذهب اليوم في الاتجاه المعاكس، كيف تريدني أن أتفاءل، وأنام هانئ البال، ولعبة كراسي السلطة هي العنوان الأبرز على حساب المصلحة الوطنية. أنت تعلم جيدا أن التنازلات هي من أبجديات العمل السياسي حين تتأزم الأوضاع، وبخاصة في المراحل الانتقالية مثل مرحلتنا.
كيف أتفاءل والأهداف النبيلة التي ثار من أجلها الشعب، وتحدى في سبيلها بصدور عارية رصاص جلاوزة الاستبداد قد طواها النسيان، ولم يبق منها إلا التشدق بها، وتوظيفها من أجل أهداف سياسوية.
قلت: ليس أخطر على الأوطان من عجز المسؤولين عن اتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب. إنني بطبعي متفائل، كما ألمعت، وكلما تلبدت السحب في سمائك حاولت إقناعك بأنها سحب صيفية، ولكن الأمر قد تغير اليوم، فهنالك مؤشرات جدية جعلت الأفق يسود أمام عيون الناس.
وقفت طويلا منذ أن قذف «الربيع العربي» بالإسلام السياسي إلى سدة الحكم عند مسألة جوهرية، وأعني ضرورة فصل الدين عن السياسة، موضحا أن الخطر الأفدح المهدد للتجارب الديمقراطية هو توظيف الدين لأغراض سياسية سلطوية، إنها الظاهرة المعروفة في تاريخ المجتمع الإسلامي، والتي تسببت في المجازر والمآسي منذ حرب صفين «سنة 36 للهجرة» حتى اليوم.
تؤكد الأحداث أنه كلما وظف الإسلام لأهداف سياسية فإن روايات الحديث توضع كذبا على لسان الرسول (ص)، والآيات القرآنية تنتزع من سياقها التاريخي للاستشهاد بها، ويختفي مفهومان أساسيان في كل نشاط سياسي، وخصوصا في الظروف الانتقالية الصعبة، وهما التنازل، والتوافق للخروج من حالات التأزم.
قال صاحبي: مما أرعبني في هذا السياق، ولا شك أنه أرعب العقلاء في هذا البلد أنه سمع من قال أخيرا في مظاهرة شعبية «جئنا لنصرة الإسلام»، وكأن الإسلام مهدد في بلادنا، وقيل كلام غريب آخر في نفس المناسبة، قيل «إرادتكم من إرادة الله» ! هذا افتراء على الله قبل الافتراء على الناس، فإذا كانت إرادتهم تسعى إلى فعل الشر فهل يكون ذلك من إرادة الله، وهو المنزه عن فعل الشر، فأنت ترى حتى الله لم يسلم من بهتانهم.
قلت: هذا الكلام الزائف ذكرني بشعار رفع في حملة انتخابية برلمانية في بلد عربي يقول: «انتخبوا النائب الرباني»، وهذا يعني انتخبوا من لا يستطيع أحد مناقشته غدا، فكيف يناقش «نائب رباني».
إن توظيف الدين في مجال العمل السياسي يؤدي حتما في نهاية المطاف إلى السقوط، فهل يعود الوعي قبل السقوط ؟