مستقبل القصرين ينتدب المدافع المحوري شوقي الزيتوني    أحمد الجوادي يعفى من سباق 400 م سباحة حرة لضمان الجاهزية لسباقي 800 و1500 م في مونديال السباحة بسنغافورة    نجم المتلوي يتعاقد مع اللاعب زياد بن سالم    بعد وفاة نجلها...فريق طبي يتابع الحالة الصحية لفيروز    وائل جسّار في تونس: سهرة اليوم في الحمّامات    رقدت درج على يدك...رد بالك من شنوا ينجم يصيرلك    أستاذة فقه تثير الجدل: تعاطي "الحشيش" ليس حراما!!    مدنين: مساعي حثيثة للحيلولة دون تنفيذ اضراب بطاحات جربة    زغوان: السيطرة بنسبة 95 بالمائة على حريق المنطقة الغابية تليل الصالحي الدبيديبة بالفحص    الترتيب تبدّل... والباسبور التونسي في المرتبة هذه    البنك المركزي: تحويلات التونسيين بالخارج ومداخيل السياحة تُوفران ما يزيد عن 8.5 مليار دينار    الدخل من تحويلات التوانسة في الخارج يرتفع بنسبة 2.8%    صادم.. دراسة تكشف كيف سرّعت جائحة كورونا الشيخوخة في أدمغة البشر    كميات الامطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    فوزي البنزرتي مدربًا جديدًا للنادي الإفريقي    عاجل/ زعيمها موظف بوزارة: هذا ما تقرّر ضد عصابة لترويج المخدرات    انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة..وهذه المناطق معنية أكثر من غيرها    كان يسبح ليلا في الشفار.. طفل تُغرقه الأمواج    باب سويقة: 10 سنوات سجناً لمتهم نفّذ "براكاج" دموي وتسبب في إعاقة دائمة لشاب    مصر تعلن دخول 117 شاحنة مساعدات إلى غزة    تونس تسعى إلى بناء علاقات مع الصين خارج الأسواق التقليدية قائمة على مساري التبادل التجاري والاستثمار    "24 عطرا - نجوم سمفونية" على ركح مهرجان الحمامات الدولي: موسيقى تحتفل بالهوية التونسية    الموت يفجع الممثلة عائشة خياري    عاجل/ أول تصريح من التونسي المشارك في سفينة "حنظلة"    فاكهة الموز: قصص حقيقية ومفاجآت لا تُصدّق!    النادي الصفاقسي يتربّص في سوسة استعدادا لانطلاق البطولة الوطنية    عاجل/ قتلى في هجوم على محكمة بإيران    عاجل/ ميلوني تعلن موقف إيطاليا من الاعتراف بدولة فلسطين    استطلاع: الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة في أدنى تأييد شعبي منذ 35 عاما    نظيم الدورة الأولى من المعرض الوطني المتنقل للصناعات التقليدية بالمنستير من 07 الى 24 اوت القادم    النيابة العمومية تأذن بالاحتفاظ بمغني الراب ALA    مستعدون للسنة الدراسية الجديدة؟ تسجيل أطفال التحضيري يبدأ قريبًا    نصيحة للتوانسة: نظّم تنقّلاتك قبل 30 جويلية...النقل العمومي باش يكون في إضراب!    59% من التونسيين بالخارج لا ينوون العودة    تركيز وحدة متطورة للفحص في مجال امراض الحلق والانف والاذنين بالمستشفى الجهوي بقبلي    تطاوين: وردة الغضبان تحيي حفلا فنيا ساهرا بمناسبة إحياء الذكرى 68 لعيد الجمهورية    لطيفة العرفاوي تغني لجمهور قرطاج في عيد الجمهورية وسط تألق الفرقة الوطنية للموسيقى    مصر: فرض غرامة مليون جنيه على "البلوغرز" غير المرخصين وملاحقة مروّجي صور مفبركة لفنانات    أبرز الأحداث السياسية في تونس في أسبوع : (من 19جويلية إلى 25 جويلية 2025 )    بطولة العالم لكرة اليد لأقل من 19 سنة: برنامج مباريات المنتخب الوطني في المونديال    باراج السوبر: الكشف عن طاقم تحكيم مواجهة الإتحاد المنستيري والملعب التونسي    كيفاش نستعملو الفيتامينات؟ الدكتور رضا مكني يوضّح للتونسيين الطريقة الصحيحة    عاجل/ وفاة زياد الرحباني    حالة الطقس اليوم السبت    المقاومة تستغرب تصريح ترامب: لا علم لنا بأي إشكال بشأن المفاوضات    طقس السبت: الحرارة في تراجع    حين تصير الحجارة مرآة الخيبة... وأشباه النُخَب يتمسّكون بالكراسي    تاريخ الخيانات السياسية (26) المأمون يقتل قائده هرثمة    خلال السداسي الأول من سنة 2025: ترويج 42367 سيارة جديدة    الكاف : حصيلة جيدة في موسم الحصاد    الشركة التونسية للكهرباء والغاز يؤكد جاهزية فرقها لضمان استمرارية التزويد بالكهرباء والحاجة الى ترشيد الاستهلاك    هيئة مهرجان تطاوين تقاضي الفنان A.L.A    سوسة: وزير التجارة يؤكد أهمية التكوين لفائدة المراقبين الاقتصاديين ولأجهزة المساندة والمرافقة لعمليات المراقبة الاقتصادية    عاجل/ تنبيه للمواطنين: تغيير في حركة جولان (قطار ت.ج.م)..وهذه التفاصيل    شهر صفر يبدأ السبت.. شنو هو؟ وهل لازم نصومو فيه؟    يوم غد السبت مفتتح شهر صفر 1447 هجري (مفتي الجمهورية)    خطبة الجمعة...الحياء شعبة من الإيمان    موجة حر شديدة وانقطاعات متكررة للتيار الكهربائي: احمي نفسك وأحبائك من الحرارة القاتلة دون مكيف بهذه الخطوات..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع الأحداث - بعد كشف دورها في اغتيال بلعيد : السلفية: مدارس مختلفة ونتيجة واحدة
نشر في الشروق يوم 01 - 03 - 2013

إذا تركت الأمور في تونس تسير على هذه الشاكلة، فإن الأيام سوف تثبت لكن بعد فوات الأوان ان لا فرق بين سلفي وآخر، وان ما يسمى بالسلفية العلمية ما هي إلا الخطوة الأولى التي تسبق التنظير لكل أنواع التطرف الديني الآخر.
فهي المدرسة الأساسية للغلوّ الفكري والثقافي والسلوكي، التي يرتقي بعدها «المؤمن» إلى فريضة الجهاد الغائبة وإلى طريق العنف المقدس، ففي هذه المدرسة يلقن الفرد الدروس الأولى للتطرف، وأولها أن ينقم على المختلفين معه، وان يهجر محيطه، وان ينفر من الناس، وحتى ان كانت هذه المدرسة تسعى (حقا أو باطلا) أن يظل التلميذ محاصرا في أدبياتها، فإن المنطق يقول بأن الشباب على وجه الخصوص، سوف يهجرها إلى أفق آخر، وإلى مدارس أرحب بعد أن يكون قد لقّن أبجديات التطرف الثقافي لينغرس وقتها في أبجديات العنف.
وليس معنى هذا ان الكل سوف ينساق إلى طريق التكفير والهجرة، لكن معناه أنه لا بد من مدرسة أولى توفر الأرضية، وتغير السلوك، وتفتح الطريق صوب مدارس جديدة، وليس أدل على ذلك من أن مدارس دول الخليج هي التي دفع شيوخها «العلميون» بأفواج من الشباب «المجاهدين» صوب كل المحارق، وكل ساحات الوغى بعد أن ربّوهم على السمع والطاعة لولي الأمر وعلى الانسياق التام لفتاوى الشيوخ والكهنة.
في تونس لم يعلن هؤلاء عن وجودهم بكل قوة إلا بعد 23 أكتوبر 2011، كانوا من قبل يعلنون عن وجودهم بين الفينة والأخرى لكن بطريقة خجولة، ثم بدأ الظهور يتمكن جالبا معه كل أنواع التوتر، إن بالمشاكل الكبيرة التي حصلت في مركب كلية الآداب بسبب النقاب، أو باجتياح سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، أو بالهجوم على فضاء العبدلية. وغير هذه الأحداث كثيرة ومتنوعة، وهي تتراوح بين فرض أمن خاص، إلى نشر السلاح والمتاجرة فيه إلى الاعتداء على النخب المتنوعة.
وبسبب الفوضى السياسية والحسابات الخاصة بأطراف إسلامية أخرى من التي تسعى إلى خلق جبهة إسلامية موحدة، إزداد هؤلاء بأسا وتوفرت لهم الحماية، وتدثروا بأغطية سياسية واقية، وعمدوا إلى أساليب تريد أن تشتت الانتباه إليهم، فقيل (إمعانا في تشتيت الأذهان) أنهم مدارس متعددة، ثم أصبح التنظير لعنفهم بأنه ليس جماعيا، بل هي حوادث فردية لا يجب أن يتحمّل مسؤوليتها إلا الفرد المعني بها لا الجماعة التي ينتمي إليها، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى وكل نفس بما كسبت رهينة. وهات من هذه التبريرات التي تسعى بدرجة أولى إلى حماية جماعات، وتسعى كهدف أول إلى الانتفاع من أعمالها، وتخشى أيضا ان تتواجه معها فتخسر وتحقق أهداف أطراف أخرى.
٭ ٭ ٭
وكانت التهمة جاهزة لكل من يدعو إلى وضع حدّ للخطر المحدق لهؤلاء، فهو إما استئصالي يسعى إلى تكرار سيناريو قديم لكن مع أطراف جديدة، أو هو منبت لا يفقه شيئا عن الاصلاح والمدارس الاسلامية المتعددة، التي شاهد التونسيون عبر الدعاة المتدفقين على تونس عينة من تلك المدارس المتنوعة وذلك الخطاب الذي حملته معها مروّجة إياه على أرض أستبيحت من طرف هؤلاء، فسبوا ولعنوا تونسيين كثّر، وسط أهازيج التكبير والتهليل، ووسط حماية وفرتها لهم الدولة وروابط ثوراتها وتبريرات مؤسسة الرئاسة ذاتها التي لم تعد تعرف على أي ساق ترقص، وعلى أي حجارة تستند، يسوقها في ذلك تردّد غريب وتذاك مفضوح، وأيضا حسابات سياسوية صغيرة.
ولو قدّر لقضية الشهيد شكري بلعيد أن تكشف في كل تفاصيلها لا تصح أن المجرمين الذين قاموا بها تردّدوا على أكثر من مدرسة، وارتحلوا من خطاب الى آخر، وهاموا بين فتاوى كثيرة، وارتقوا من حال الى حال يبدأ أوّلا بالالتزام الديني المرتكز على صالح أعمال السلف وينتهي ببطولاتهم الجهادية ومآثرهم القتالية وشمائلهم في ساحات الحروب والوغى. وهذه السلفية التي تدعي أنها لا تكفّر الناس، وأنها تدعو الى الشريعة بالحكمة والموعظة الحسنة، وأنها تنبذ العنف، أصبح مشكوكا في كلامها، فهي تجاهر بشيء وتربّي على غيره، وتعلن ما يواتي الأوضاع الحالية وتضمر خطّة مغايرة لسلوكها الذي تدّعيه. وكثيرا ما يفضحها حتى خطابها العلني عندما يجبر على التشنج، وعندما تغلّي الدماء في رؤوس شيوخها، وعندما يسكن الغضب أعصابهم، وهو ما يكشفهم خصوصا عندما تركبهم الحمية على الخطر المحدق بالاسلام، وعندما يستشعرون خطرا من القوى الكافرة.
٭ ٭ ٭
إن خطر هؤلاء يتأتى أيضا من سعيهم الحثيث لفرض ثقافة جديدة، يتوهّمون أنها من السنة النبوية، ويتخيلون أنها سوف تعيد أيام المجد الخوالي، ويعتقدون أنها سوف تطوّع العلم، وتأتي بالبركات، بل وتحصل من خلالها المعجزات، معتمدين في كل ذلك على القشور، ومتوكّلين على «ركاكة» لا حدّ لها. ولقد عاينت شخصيا في الجوامع ما يأتونه من منكر، وما يمارسونه من قلّة احترام حتى لتلك البيوت، وما يبثونه فيها من ترهات.
وآخرها يوم السبت الفارط حيث ولجت جامع منطقة حي النصر بعد صلاة المغرب بقليل ناويا قضاء مافاتني. وقد لمحني «شيخ» أو شويّخ بالأحرى، ولم ينتبه الا الى قبعة «افرنجية» كنت أضعها على رأسي اتقاء للبرد. وانتظر حتى أتمّ الصلاة ليبدأ درسه الديني بالقول: إن الرسول نهانا أن نتشبه باليهود والنصارى وانه علينا أن نطيعه، وعندما أدرك أن 99٪ من الحضور كانوا يلبسون ما يلبسه اليهود والنصارى تدارك أمره بالقول: خصوصا في ما يخصّ ما نضع على رؤوسنا! ولم يكن هناك من داع أن أردّ عليه لسببين على الأقل الأول الاحترام الواجب لبيوت ا& والثاني عملا بمقولة على ابن أبي طالب، ما ناقشت جاهلا الا وغلبني، إلا أن هذا السلوك أعادني بالمقابل الى حادثة أخرى مرّت عليها 4 سنوات، وكنت وقتها في نزل باحدى المناطق الجنوبية كما كنت أضع على رأسي قبّعة «أفغانية» (اشتريتها من مدينة «واشنطن دي سي» الأمريكية) الشيء الذي أقلق مدير النزل، وجاءني وهو على استحياء سائلا عن أصلي وفصلي طالبا منّي المعذرة لأن هناك من نبّهه الى وجودي وأنه عليه الاعلام عن شخص غريب، فقط بسبب قبّعة.
وما كنت لأذكر هذه الحادثة التافهة، لولا أنها تسعى أن تؤسس لسلوك أتفه، وتتدخّل في ما لا يعنيها، وتستنبط أحاديث وآيات بطريقة عرجاء سمجة، وتؤذي الذي يختلف عنها، وتلغو في أماكن العبادة، ولا تحترم لها حرمة أو قدسية، وتتأتى على الناس، ولا تبشرهم الا بالاكفهرار وتتصنّع في كل شيء من اللباس الى نبرة الصوت، الى طريقة الصلاة.
وهذا بالطبع أبسط ما يفعلونه، وأدنى ما يقومون به، وأصغر ما يروّجون له.
وفي مثل هذه المناخات، يفرّخ الارهاب، ويرتع العنف، وتتكرّر الاعتداءات، ويتنامى الجهل، وتفتقد المدنيّة، ويغيب القانون.
وهذا المناخ هو الذي أفتى بقتل شكري بلعيد، وهو الذي قاد الى اغتياله، وإذا لم يعالج بطريقة جذرية فإن خطره سوف يلحق البلاد كلّها، وسوف يؤذي أناسها، وسوف يسبّب لهم كل المآسي... لذلك نكرّر الدعوة الى حوار وطني شامل بين الاطياف السياسية يتوّج بعقد ينبذ العنف، ويرفض الاقصاء، ويقنّن علاقات الاحزاب والجمعيات بعضها ببعض، ويجعل الدين الحنيف فوق الصراعات مع فرض اجلاله واحترامه كدين للتونسيين ارتضوه وجعلوه بندا أول في دساتيرهم المختلفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.