مع الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات، يرتفع فارق الثمن للبنزين بين تونس وليبيا إلى أكثر من 1300 مليم في اللتر، وبين تونسوالجزائر إلى 1145 مليما، وهو فارق ضخم سوف يغري الكثير من الباحثين عن الإثراء السريع من المهربين. يبلغ ثمن لتر البنزين في ليبيا 200 درهم، (الدينار الليبي يعد 1000 درهم)، وفي الجزائر يتندرون بأن ثمن البنزين أقل من ثمن الماء المعدني، حيث يبلغ ثمن اللتر 21 دينارا جزائريا، أي حوالي 425 مليما فيما لا يقل ثمن قارورة الماء المعدني عن 30 دينارا جزائريا، (10 دنانير جزائرية تساوي 200 مليم).
إن الفارق الضخم في الأسعار، وهو فارق قياسي سوف يخلق طلبا كبيرا على الوقود المهرب من الجزائر وليبيا، نظرا لهامش الربح الفاحش. وقبل حوالي عشرين عاما، لم يكن الوقود المهرب يهم إلا عددا قليلا من الأشخاص في المناطق الحدودية، وبصفة عامة، كان سواق الشاحنات الثقيلة بين البلدان المغاربية هم الذين يقومون بذلك اعتمادا على خزانات الوقود الضخمة في الشاحنات لبيع الفائض سرا في تونس وتوفير مبلغ صغير لإنفاقه في الرحلة.
ومع الارتفاع المتسارع لأسعار الوقود في تونس، بدأ الفارق في السعر يغري المهربين بتهريب الوقود الجزائري والليبي، وهكذا نشأت ظاهرة كبيرة على امتداد المناطق الحدودية حتى أصبحت أكداس أواني الوقود على حافات الطرقات ومداخل المدن من المشاهد العادية رغم خطرها الشديد. وفي عدة مدن حدودية أغلقت محطات الوقود الرسمية أبوابها وتحولت إلى تجارة أخرى، بعد أن بلغ معدل ثمن آنية الوقود ذات 20 لترا 14 دينارا أي 700 مليم للتر. وفي أوقات عديدة عندما ينجح المهربون في طرح كميات كبيرة في السوق، ينخفض هذا السعر إلى عشرة دنانير لآنية 20 لترا.
والغريب أن هذه الظاهرة التي وجد فيها سكان المناطق الحدودية حلا لأزمة ارتفاع ثمن الوقود لقيت تسامحا واضحا من الحكومة، مما جعلها تتطور وتتضاعف خصوصا بعد الثورة فزحفت محطات الوقود في الهواء الطلق حتى بلغت ضواحي العاصمة تماما مثل «نصبة برتقال»، حتى أنه من المستحيل اليوم منعها أو إيقافها بالنظر إلى هامش الربح المالي الواضح الذي يجعل آلاف المهربين يغامرون بتحدي إجراءات الحدود والمراقبة والملاحقات الأمنية وغيرها، هذا بالإضافة إلى ما توفره من آلاف مصادر العيش في بلد يعاني شبابه من البطالة المزمنة. وهكذا تحول تهريب الوقود إلى أحد أكثر النشاطات سرعة في الربح، حتى أنه من المعروف في المناطق الحدودية أن شراء شاحنة تهريب يقارب ثمنها خمسين ألف دينار يمكن المهرب من سداد هذا المبلغ خلال عامين فقط.
ومع الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات، سيزداد هامش الربح عند التهريب، كما أن الارتفاع الأخير في السعر قد يغري غير المهربين التقليديين الذين يعيشون في المناطق الحدودية، أي قد يغري الإجرام المنظم بالعمل في هذا المجال، لما فيه من ربح مضمون لا يقل إغراء عن هامش ربح تهريب المخدرات. إن رحلة واحدة لتهريب ألف لتر مثلا تدوم حوالي ساعتين على الطريق، تجلب أكثر من خمس مائة دينار للمهرب، وهو معدل ربح لا يحتاج إلى تعليق للتأكيد على الإغراء الذي يتضمنه والذي يهدد بظهور منظمات إجرامية متخصصة في تهريب الوقود.
ومن المعروف أن الإجرام المنظم يعمل على إفساد منظومات المراقبة مثل حرس الحدود والشرطة والديوانة بالارتشاء، طالما أن هامش الربح الفاحش يبيح ذلك، ويضاف إلى ذلك أن الإجرام المنظم لن يتردد في استعمال العنف والسلاح عندما يتعلق الأمر بشحنات تبلغ أسعارها مئات الملايين من المليمات. وقد رأينا في تونس في الأشهر الأخيرة حالات اعتداء إجرامية على أعوان الحرس والديوانة لإجبارهم على إخلاء سبيل شاحنات التهريب، وفي حالات كثيرة لم يتردد سواق شاحنات الوقود في دوس أعوان الأمن على الطريق للإفلات من المراقبة.
كما يرتبط تهريب الوقود بخطر التخزين السري في محلات غير مهيأة لذلك، بما ينتهي في أحيان كثيرة إلى كوارث بشرية بسبب سرعة وسهولة اشتعال النار في المخزون وهو ما يحدث بين الحين والآخر في أحياء سكنية شعبية.
إننا هنا لا نناقش وجاهة تخفيف الضغط على صندوق الدعم أو ضرورة ترشيد الدعم المالي نحو الفئات المحتاجة فقط، لكننا نتحدث عن النتائج غير المتوقعة للزيادة في ثمن الوقود بما يجعل تهريبه من جيراننا من أكثر الأعمال ربحا وبما يغري عصابات الإجرام المنظم بالتخصص فيه.