يبدو أن المشكلة الأساسية في حركة نداء تونس تتمثل في سعي وجوهه الى قطف ثمار لم تنضج بعد،وفي تحلّقهم حول طاولة طعام قبل أن يحضر الأكل، وقبل أن ينتهي طبخه. فحزب نداء تونس حزب ظاهرة تمكّن خلال أسابيع من أن يشعّ بدرجة غريبة وأن ينتشر بطريقة لافتة. ويبدو أن هذا الأمر خلق أطماعا ستقود بدورها الى أخطاء جمة فيما لو لم ينتبه قادة النداء أن الولادة الكبيرة لابد ان تدعو الى الحذر أولا، لا الى النرجسية وأن يقع التعامل معها بحكمة لا بتسرّع.
وحتى في علوم الطب يقع التعامل مع الرضيع الذي يتجاوز حجمه ووزنه المعقول، على أنه ظاهرة قد تنتكس صحيا وعلى أن المخاطر التي تلف بالمولود قد تتجاوز امكانية أن يظل على قيد الحياة. لذلك هو يحتاج الى عناية مركّزة والى مراقبة طبية متواصلة والى تأجيل الفرحة بقدومه الى حين يتأكد الأولياء أنه تجاوز منطقة الخطر.
والحقيقة أن نداء تونس تعرّض منذ ولادته الى محاولات كثيرة للخنق حتى يوأد قبل أن يحبو، وللقتل السريع لظاهرة تخيف فانتفاخها غير عادي وخلطتها الجينية خارجة عن المقاييس المعروفة، وتركيبتها الجسمية محيرة إن في شدّة عظامها أو في تنوّع تركيبتها.
لذلك رافقت الزغاريد المعلنة لولادة «الديناصور» الصغير صيحات فزع ونواح وعويل، وهرعت الى بيته جحافل من المرهوبين يناوشونه ويحاصرونه إن بالأسلحة او بنبرات الصوت العالية التي يعتمدها خصوصا سكان الغابات عند محاولات صيد طريدة كبيرة وقوية.
وعندما لم يفلح الصيادون عادوا الى أهل الحل والعقد لعلهم يحاصرونه بقانون أو يحذّرونه بعزيمة او يقضون عليه بالتمائم والقراءات والتعويذات. ولكن هذا الجسم بقي على حاله بل إنه بدأ ينمو نموا غريبا، قاد الى محاولات «لطيفة» وخجولة الى استدراجه من الصيادين والمتمتمين، ولكنه في خضم بداية عملية الاستدراج أصبح يشتكي ألما من بعض أعضاء جسمه ووجيعة في بعض مفاصله فتحولت مشاكله من الخارج الى الداخل ومن المرهوبين الى النرجسيين، ومن الخائفين الى المسرورين. وبذلك بدأت تصح بشارات الكهنة من أن «الطفل» سوف يأكل بعضه وتخمينات المنجمين من أن أولياء أمره سوف يقودهم التباهي به والطمع فيه الى فقدانه قبل أن تدق ساعة الحاجة اليه.
فهل تراهم يعيدون حساباتهم ويراجعون أنفسهم في انتظار ان تنضج الثمرة وتستوي وأن يقف الطفل فيصنع العجائب؟ إن ذلك ممكن بطرد اللهفة وما يصحبها من لعنة وبالتواضع عوض الزهو وبنكران الذات عوض النرجسية وباحتضان الطفل حضن الخدم لا التعامل معه بمنطق الكبار والزعامات.