عاد الجدل حول تنفيذ عقوبة الاعدام بتونس بعد حادثة اغتصاب الطفلة البشعة وانتشار جرائم السلاح وبروز الاغتيال السياسي... اضافة الى أحداث التعذيب وما حصل مع «القناصة». «الشروق» حاولت معرفة تاريخ الاعدام في تونس... وموقف الحقوقيين والدين وعلم الاجتماع من قدرة هذا الحكم على تحقيق العدالة وإصلاح المجتمع. بالعودة الى تاريخ الاعدام في تونس نجد الى حدود 7 جويلية 2010، حوالي 97 حكما منها ثلاثة أحكام ضد سيّدات... وهي جرائم دارت من 1990 الى 2010 أي خلال عشرين عاما.
ومن أبرز أحكام الاعدام الصادرة نجد عقوبة تم تنفيذها ضد سفاح نابل سنة 1991 بعد أن قتل 14 طفلا اثر اغتصابهم. وحسب القانون التونسي فإن هناك 21 جريمة يتم بموجبها تنفيذ عقوبة الاعلام وتتعلق بالاعتداء بالعنف المرافق باستعمال السلاح أو التهديد به على قاض أثناء الجلسة، والخيانة المرتكبة من طرف العسكريين... وجريمة القتل العمد وجرائم تتعلق بأمن الدولة الداخلي والخارجي والاعتداء على موظّف عمومي والاغتصاب المصاحب باستعمال العنف.
الإعدام بعد الثورة
صدر أوّل حكم بالاعدام شنقا بعد الثورة ضد شاب في العقد الثالث من العمر وهو شاب تورّط مع شاب آخر حكم عليه بالسجن مدى الحياة، في قضية قتل تلميذ يدرس بالمعهد الثانوي بمنوبة... وذلك على اثر القيام «ببراكاج» مصحوب يطعن بالسكين.
وكان ممثل النيابة العمومية قد قام بمرافعة مشهودة تعرض فيها الى قسوة الجناة وختمها بآيات قرآنية. وكانت أصوات كثيرة قد نادت بالاعدام على قاتل المناضل والسياسي شكري بلعيد على اثر اغتياله في جريمة بشعة انتفض فيها الشارع التونسي والمجتمع الدولي. وعادت أصوات المطالبة بعقوبة الاعدام على اثر الجريمة البشعة التي ارتكبها «وحش آدمي» على اثر اغتصابه لطفلة في الثالثة من عمرها وهي ما عُرفت بجريمة المرسى.
الجريمة أصابت التونسيين بالذهول وطالبوا فيها بالاعدام. ومن خلال حديث ل «الشروق» مع رئيسة اتحاد المرأة السيدة راضية الجربي حول تنفيذ عقوبة الاعدام ضد المغتصبين اعتبرت أنه من الضروري تحقيق العدالة في هذه الجريمة وأن الإعدام هو العقوبة المثلى نظرا لانتهاك هذه الجريمة لحقوق الطفولة ونظرا لبشاعتها. وقد تتالت جرائم الاغتصاب البشعة ومنها اغتصاب امرأة حامل رفقة زوجها.
تنفيذ وحقوق
اعتبرت السيدة إيمان الطريقي (رئيسة منظمة حرية وانصاف) ان تنفيذ عقوبة الإعدام كموقف حقوقي غير ممكن في إطار الانتقال الديمقراطي ما لم يتم ضمان الاستقلال للقضاء. وفسّرت ذلك بعدم تحوّل الاعدام الى وسيلة وأداة لتصفية الأصوات السياسية، وأن تنفيذ عقوبة الإعدام يبقى استثناء وفي حالات.
من جهة ثانية، قالت ايمان الطريقي إن اغتصاب الفتاة حالة مرضية وتستدعي قبل المناداة بالإعدام ومن خلال المنظومة القانونية تمرير هذا المعتدي على مراكز العلاج النفسي ومعرفة صحة مداركه العقلية فمن يقوم بالاعتداء على رضيعة هو شخص مريض.
وتحدثت رئيسة منظمة حرية وإنصاف عن سبر الآراء الذي قامت به المنظمة والذي عبّر فيه أغلب المواطنين عن تأييدهم لفرض عقوبة الإعدام... فالموقف الشعبي يجمع على هذا الحكم في الجرائم البشعة والجرائم المخلة بالشرف والجرائم الخطيرة. في المقابل أكدت محدثتنا ان المرحلة الانتقالية التي نعيشها لا توفّر الشروط اللازمة لهذا الحكم.. فالحكومة مؤقتة والأمن غير مستتب. ونادت بفتح حوار وطني يجمع الحقوقيين وعلماء النفس والاجتماع والباحثين في العلوم الشرعية... قائلة «لا للتطبيق حاليا... ومع فتح الحوار للمستقبل».
الإعدام حلّ؟؟
قال السيد عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان إن الرابطة تقف ضد تنفيذ عقوبة الإعدام في تونس. وأضاف أن هذه العقوبة لم تنجح في الانقاص من معدلات الجريمة حتى في البلدان التي يتم فيها تنفيذ هذه العقوبة. واعتبر ان تنفيذ عقوبة سجنية مدى الحياة ودون عفو هو قصاص عادل وأشدّ قسوة من الإعدام وأضاف ان الرابطة مع الحق في الحياة مهما كان السبب.
وأشار السيد عبد الستار بن موسى الى وجود تعسف على عقوبات الاعدام في القضايا السياسية حيث يقع استعمالها لتصفية الخصوم السياسيين. وأكد ان الرابطة مع حذف هذه العقوبة من القانون التونسي.
مجتمع وقصاص
هل تنفيذ عقوبة الإعدام قصاص عادل من أجل إصلاح المجتمع والردع أم أنه لا يساهم في تطويق الجريمة والحدّ منها؟ إجابة عن هذا السؤال يقول حبيب تريعة الدكتور في علم النفس وفي علم الاجتماع، إن عقوبة الإعدام لا تغير أي شيء... وإنها لا تردع ولا تساهم في تراجع الجريمة حتى في المجتمعات التي يتم فيها تنفيذ هذه العقوبة. ويضيف الدكتور حبيب أن الإجرام أنواع فهناك إجرام ناجم عن انحراف سلوكي ويتطلب نوعا من التأهيل والرعاية والإدماج داخل المجتمع...وأن هناك ضحايا من الأبرياء الذين تم تسليط عقوبة الإعدام ضدهم.
وأضاف: «الإعدام ليس حلاّ... فالمجتمعات القديمة كانت تخشى الاعدام لكن طبيعة المجتمع اختلفت اليوم وعقوبة الإعدام لم تعد تقي من الجريمة بصفة مباشرة». وأضاف الدكتور حبيب تريعة أن من يجرم هو شخص لا يتمالك مداركه العقلية... وهو شخص مريض لا يمتلك الاعتدال والتوازن والأولى هو القيام بعلاجه ورعايته وإصلاحه لا إعدامه.
وقال ان القصاص هو في إبعاده عن المجتمع من خلال وضعه في مصحة نفسية... لكنه أردف في المقابل أن المجتمعات المتقدمة متطورة في العلاج النفسي والإحاطة الإجتماعية وفي المراقبة والتعليم داخل السجون.
وأشار الدكتور تريعة إلى وجود عقوبات في الدول المتقدمة تهم المغتصبين قد تنطلق بالسجن في مصحة نفسية تتم فيها متابعة المجرم وتنتهي بتخصية الجاني أو قتل أعضائه التناسيلية من خلال حقنة...
ويبقى الجدل متواصل حول عقوبة الإعدام بين اختلاف مواقف الحقوقيين وأهل السياسة والشارع التونسي وحتى رجال الدين.