عشرات الأفلام العربية عرضت في أيام قرطاج السينمائية منها أفلام عراقية وعشرات الأفلام الأخرى ستعرض قريبا في مهرجان القاهرة السينمائي وحين نتأمل مواضيع هذه الأفلام وهمومها نكتشف غيابا غريبا للجرح العراقي وكأن الاحتلال أصبح أمرا واقعا ولا مجال لمناقشته أو التنديد به أو تعريته أو الاحتجاج حتى مجرّد احتجاج عن طريق الصورة! ولعلّ الأمر الأكثر مرارة أن هناك أفلاما لم يحاول من صنعوها حتى مجرّد إدانة الاحتلال فيما يدينون العهد السابق الذي يعتبره عدد كبير من الذين حلموا بالجنة القادمة على ظهور الدبابات أنه عهد ديكتاتوري لكنّهم في المقابل يخجلون من الإجابة عن مصير الديمقراطية التي وعدوا بها الشعب العراقي ولا ندري ما إذا كانت هذه الديمقراطية المقصود بها التوزيع العادل للقتل والموت والدمار والإبادة اليومية في شوارع العراق... هذه الإبادة التي لم يسلم منها أحد! الصورة هي سلاح أقوى من الدبابات والطائرات والصواريخ العابرة للقارات وكم من صورة غيّرت اتجاهات الرأي العام وجنّدت شعوبا ضد قياداتها المتحمّسة للحروب والدمار في أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية وغيّرت القرار الدولي. كنّا ننتظر أن نرى صورا من عمق الجرح العراقي لكن حتّى الأفلام العراقية ومنها شريط أحلام لم تدن الاحتلال بل أدانت ما سبقه أي النظام العراقي قبل الاحتلال والأكثر مرارة انذاك شاهدنا وسمعنا بعض الفنانين يدينون ما سبق الاحتلال ويصمتون عن جرائم الإبادة التي تقصف أرواح الأبرياء والعزّل وتزرع الموت والخراب في العراق على أيدي الغزاة... أليس الفن هو دفاع عن الحياة وعن حق الناس فيها بعيدا عن أي خطاب أيديولوجي فلماذا صمتوا إذن؟ إنّ الدبابات وقوات الاحتلال في أي مكان من العالم تبقى دائما ومهما طال الزمن قوّة احتلال سيأتي يوم لترحل ولكن الخوف من ثقافة الاحتلال التي تزيّف الواقع وتزرع قيما أخرى في وجدان الناس... فالاحتلال سواء كان في فلسطين أو العراق هو قبل كل شيء ثقافة قبل أن يكون دبابات وإذا كانت الدبابات عاجزة عن تأييد الاحتلال فإن ثقافته أخطر لأن من يروّجون لها من الذين اكتووا بنار الاحتلال لكنّهم لا يعلمون!