تعدّ المرحلة التي تمرّ بها الأمّة العربية اليوم من أدقّ المراحل التي عرفتها عبر تاريخها الطويل ضدّ مظاهر الإنكسار والهزيمة وفي ظلّ هذه الرّياح التي تعصف بالكون عموما وبالبيت العربي خصوصا يبدو أنّ الأمر خطير والخروج من النفق شاق وعسير «إن الأمة مهدّدة اليوم في مصيرها وكيانها لأن الأعداء والأيّام تخبئ لها من المفاجآت الرّهيبة ما يفوق الوصف ويعجز عنه الخيال. إنّنا نعيش اليوم قلقا بالغا على أمتنا لأنّ ما يجري في العراق وفلسطين لن يقف عند حدود هذين الدولتين وإنما سيشمل كافة الدول العربية دون استثناء لإحكام السيطرة عليها وتجزئتها. فيوم بعد يوم تنكشف نوايا الإدارة الأمريكية لاستهداف العرب والانفراد بأقطارهم قطرا بعد قطر حتّى يتسنّى لها تنفيذ مخطّطاتها بغاية السهولة واليسر. يعدّ الشرق الأوسط بؤرة التوتّر ومحور المصالح المتضاربة اقليميا ودوليا وها قد بدأت سحب الحرب الدّاكنة تخيّم على سمائه فها هي الأيادي الآثمة التي تقف وراء دوام اشتعال هذه المنطقة الحيوية من العالم حتى أصبح عدم الاستقرار قدرها المحتوم فها هو العراق يذبح ويدمّر على مرأى ومسمع من الجميع تستباح حرماته ويقتّل أبناؤه ويغتال علماؤه ويعتدى على نسائه وأنّ ما حدث في «أبو غريب» يجمّد الدم في العروق من أمة مات فيها الضمير وانتزعت منها النخوة وتجرّدت من كل القيم عبر تاريخها الطويل، لقد ساعدنا على ذبح العراق في الأول ثم بقينا نتفرّج ثانية وهو يتجرّع كأس الألم والمرارة وهو يجزّأ ويقسم بأيادي مسيحية ويهودية واسلامية ويقضى على هويته العربية. إن الرياح التي تعصف بالبيت الفلسطيني اليوم تبعث على الفزع نظرا لما يحاك ضدّه من مؤامرات داخلية وخارجية. معاناة فوق طاقة البشر، شعب بأسره يعيش الاحتلال في سجن كبير، عدوّ شرس جبار عنصريّ يتفنن في وسائل التعذيب والتنكيل، دماء وآلام ودموع، مدن محاصرة وطرق مقطوعة وتنقلات ممنوعة ونكتفي بالتنديد ونقول الكثير ولا نفعل إلا القليل والقدس مهدّدة بالضياع ولا حول لنا ولا قوّة. أما سوريا فعندما رفضت التخلي عن نواياها القومية اتهمت بضلوعها في اغتيال الحريري وبمساعدة الإرهابيين وحزب الله فأدرجت ضمن قائمة الدول الداعمة للإرهاب وهي مهدّدة بصدور قرار أممي جائر ضدّها. وها هو لبنان أيضا يعيش ظروفا سياسية غير طبيعية تذكّرنا بفترة ما قبل الحرب الأهلية تحرّكها قوى أجنبية ويتعرّض لاعتداءات اسرائيلية. ولنعلم جميعا قادة وشعوبا أن أمريكا استعملت «الفيتو» 41 مرة لصالح إسرائيل وضدّ العرب. لقد ظلّ السودان لمدة طويلة يخوض حربا أهلية تؤجّج نارها وتضرم لهيبها قوى خفية لها مصالح في تقطيع أوصاله وتقسيمه نظرا لما احتوى عليه من ثروات باطنية واعدة واعتبرت أمريكا أن ما يحدث في دارفور جريمة حرب تمهيدا لاستصدار قرار أممي يتيح لها فيما بعد السيطرة على ثرواته أما مصر والسعودية فدورهما مؤجّل إضافة إلى ما نعانيه من هزيمة سياسية فإنّنا نعاني من هزيمة كلامية ان لم نجد الشجاعة بإصدار كلمة حق ولم ندع ضمائرنا تخاطب الآخرين ان الرهبة من قول الحق تشجع الآخرين على اذلالنا وإهانتنا واحتقارنا ومضاعفة الضغط علينا ولنلتفت إلى ما حولنا كإيران وكوريا الشمالية ودول أمريكا اللاتينية كيف تصدّت للظلم ولم تخنع للإملاءات فأصبح يقرأ لها ألف حساب إن أخشى ما نخشاه اليوم أن نسلّم أمرنا للغرب وأمريكا بدعوى أن ميزان القوى غير متكافئ فنكون بذلك قد ارتكبنا جرما في حق أمتنا وسوف لن يكتب لنا يوم واحد من الاستقرار والراحة.. إن ما آلت إليه الأوضاع يستدعي وقفة تأمّل لإيجاد الحلول لما تتخبّط فيه هذه الأمة من مآس ولننس الماضي وآلامه والحاضر وأتعابه ولننظر إلى المستقبل بعين الجدّ والتفاؤل وأن نصلح البيت من الداخل وأن نقر أن العيب فينا وليس في الآخر، ولا مناص لنا اليوم إلا أن يتوجه حكّامنا إلى شعوبهم وأن يضعوا أمامهم الصّورة كاملة لما يجري من أحداث وما سيترتب عنها ثم ينصتون إلى آرائهم ليتم اتخاذ قرار جماعي لنكون جميعا مهيّئين لتحمّل تبعاته وآثاره حتى ولو كان الثمن باهظا جدّا وعلينا أن نتعظ اليوم بما أصابنا من كوارث نتيجة تناحرنا وخلافاتنا فلنتّق الله في أمّتنا ولنوحّد صفوفنا للتصدّي لهذه الهجمة الشرسة. إن الصمت يستهدف الهوية والتّاريخ والخوف يعمي البصيرة ويقيّد التّفكير والثقة بالنّفس تأتي بالمعجزات. إنّ أرواح شهدائنا تهيب بنا جميعا أن نقف وقفة رجل واحد وأن نعتنق شرف الكفاح على مختلف الأصعدة لإفشال مخطّطات العدو التي ستعيدنا إلى مجاهل التاريخ. إن المؤامرة التي تحاك ضدّ أمّتنا رهيبة فعلينا أن نستعدّ للبلاء قبل نزوله. إن الوضع يتطلب تحركا عربيا موحّدا ملزما للجميع من أجل تاريخنا وأوطاننا وأجيالنا لنجنّب أمّتنا زلزالا قادما وكارثة في طريقها إلينا حتى نعيش أحرارا آمنين كشعوب الدّنيا.