تعتمد بعض الأمهات «الجديدات» على أمهاتهن في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بعنايتهن بأطفالهن وقد ازدادت هذه الحاجة الى الجدات في وقتنا الراهن بحكم التزام الامهات بالعمل خارج البيت فحتى هنا يبدو الامر طبيعيا وفي صالح الامهات أما إذا تجاوز الامر هذا المستوى ليصل الى درجة إلغاء دور الأم واستئثار الجدات بحب الاطفال والتدخل في تربيتهم فإن الأم تشعر بأن «الجدة» تريد أن تحتل مكانها وتأخذ دورها! فتطفو على السطح بعض المشاكل بين الأم والجدة وتختل العلاقة بينهما فتشعر الأم بالغيرة حيال الجدة ومن هنا تعمل على استعادة أطفالها وتعويدهم على محبتها من جديد. فالى أي مدى احتلت الجدة مكانة الأم؟ وما هي حقيقة العلاقة بين الحفيد والجدة؟ وما هو موقف الأمهات من هذا التحوّل الاسري الجديد؟ هذه الاسئلة طرحناها على مجموعة من الاطفال والأمهات في النقل التالي فخرجنا بهذه الشهادات. من أمثالنا التونسية الرائعة التي دأب على ترديدها العديد من التونسيين هو المثل القائل: «ما أعزّ من الولد كان ولد الولد» هذا المثل يبرز جليا هذا الترابط العاطفي الكبير بين الاجداد والاحفاد وهذه المحبة الخالصة للاحفاد وهو استشهاد يمكن توظيفه لتبرير استئثار الجدات لاحفادهن بدل الامهات. هذه العلاقة المتينة بين الطرفين أكدها الاطفال بطريقة تلقائية وعفوية. الطفلة فداء السماتي تحب جدتها لأمها حبا كبيرا لاسيما وأنها تربت بين أحضانها لان والدتها تعمل. فالوقت الذي تقضيه فداء مع جدتها أكثر بكثير من الوقت الذي تلتقي خلاله بأمها. وتقول فداء: «جدتي إنسانة حنونة فهي تغمرني بمحبتها وحنانها حتى أني أحس أحيانا أنني أحبها أكثر من أمي». التلميذة راوية تحب جدتها (والدة أبيها) حبا كبيرا لانها هي من ربتها منذ صغرها فهي لا تستطيع الصبر عن عدم رؤيتها واحتضانها وإشباعها بالقبل الحارة وتضيف راوية: «إن جدتي تلبي كل رغباتي وتغدق عليّ حنانها وعطفها فرغم وجود والدتي الدائم بالمنزل إلا أن جدتي هي التي تقوم بكل شؤوني منذ نعومة أظافري. لذلك فأنا أكنّ لها محبة خاصة. «هي طيبة وحنونة وتعمل على إسعاد وتلبية كل رغباتي فهي لا تضربني ولا تنهرني ولا تغضب مني مهما فعلت» هكذا عبر محمد مروان زيدان عن عمق علاقته بجدته ويؤكد أن جدته تحتل نفس المرتبة مع أمه في المحبة والتقدير. أمير جعفر هو الآخر يكن كل الحب والتقدير لجدتيه ويتلهف على زيارتهما كل يوم سبت ليقضي بجوارهما أوقاتا ممتعة. ويقول أمير أحب جدتي لامي وجدتي لابي بنفس القدر وأهفو الى لقائهما كلما سمحت الفرصة بذلك. أما الطفل أحمد فيصرح بقوله: «أحب جدتي أكثر من أمي فهي صبورة وتتغاضى عن كل إساءاتي وسوء تصرفي فهي لا تغضب مني ولا تصرخ في وجهي واذا بكيت تحضنني وتمسح دموعي عكس أمي التي تثور في وجهي وتصب جام غضبها عليّ بمجرد قيامي بأية هفوة. فهي دائمة الصراخ ولا تتورع عن ضربي وإيذائي لذلك فأنا أحب جدتي أكثر من أمي. * آلام صامتة لئن حقق خروج المرأة للعمل عديد الامتيازات والايجابيات التي انعكست على شخصية المرأة من جهة وعلى وضعية الاسرة ومستوى عيشها من جهة أخرى إلا أن هذا الخروج للعمل قد وضع المرأة أمام اختيارات صعبة ولعل أهمها كيفية التوفيق بين العمل وتربية الابناء فغياب الأم عن المنزل طوال اليوم حتم وجود طرف آخر بديل يهتم برعاية الاطفال وتربيتهم هذا الطرف هو الجدة، فالجدة بحكم قربها من أطفال أبنائها استطاعت «سرقة حبهم وحنانهم لأمهم لتستأثر به لنفسها. هذه الوضعية آلمت الامهات بشكل كبير لكنهن في النهاية فضلن الصمت خوفا على مصلحة الابناء وتصدّع العلاقة مع أمهاتهن. تقول السيدة سهام: «إن لهفة ابني على رؤية والدتي يؤلمني كثيرا فهو يحبها أكثر مني باعتبار وجودها الدائم الى جانبه واهتمامها به». وتضيف السيدة سهام إن ابني يرفض البقاء معي حتى خلال عطلة الاسبوع فهو لا ينفك عن البكاء وطلب العودة الى بيت جدته هذا التصرف من قبل طفلي يجعلني في بعض الاحيان أفكر في الانقطاع عن العمل بغية الجلوس الى جانب أبنائي واستعادة محبتهم لي. السيدة آمال بدورها لاحظت جليا مدى تعلق ابنتها بجدتها فهي تشعر بالغيرة حيال «حماتها» لانها «سرقت منها أبناءها» بطيبتها وحنانها الكبيرين فهي لا ترفض لهما طلبا مهما كان وتعاملهم برقة ولطف. هذا الامر جعل أبنائي يتهمونني بالقسوة والغلظة معهم لأنني حريصة على تربيتهم تربية حازمة. أما السيدة نعيمة (صاحبة محل تجاري) تقول إن أبنائي تحوّلوا الى العيش مع جدتهم نظرا لوجودي الدائم خارج البيت هذا الوضع جعلني أشعر في بعض الاحيان أنني غريبة عن أبنائي وأن أمي هي والدتهم فهم يعاملونني بجفاء في حين تعلقوا بوالدتي تعلقا كبيرا من الصعب عليّ تغييره. هذه الحالة تؤلمني لكنني لا أستطيع التفوّه بأية كلمة خوفا على مصلحة أبنائي وخوفا من غضب والدتي مني. * ناجية المالكي