الشاعر اللبناني صلاح ستيتية من كبار الشعراء العرب الذين لم تمنعهم اللغة الفرنسية التي يكتبون بها من أن يكونوا رموزا للثقافة العربية وللحوار مع الآخر الأوروبي خاصة. عمل سفيرا للبنان في فرنسا لسنوات طويلة وصاحب الشعر لسنوات أطول ومازالت هذه الرفقة مع الشعر مستمرة. «الشروق» التقته في هذا الحوار في تونس. بعد الانهيارات الكبرى التي حدثت في العالم، كيف ترى الكتابة والشعر والحياة الآن؟ وأي دور للشعر في حياتك؟ الشعر نوعية أخرى مختلفة عن النوعية السياسية، نعم العالم فيه الحروب وصراعات وعنف ودماء وحروب موجهة ضد العالم العربي والاسلامي وهناك تيارات داخل العالم الاسلامي ترفض الحوار والتعددية وتؤمن بالعنف. ولكن إن نظرنا إلى الشعر كما أفهمه أنا شخصيا أرى ان الشعر سيرة داخلية تأخذ من الشاعر منطلقا له للوصول لا إلى الحلول السياسية ولا إلى حلول اجتماعية مرتبطة بالأوضاع الخارجية إنما إلى تساؤلات أخرى قد لا تكون حلولا وأرجح أنها ليست بحلول في عالم الشاعر الداخلي وفي حوار مع الوجود. عشت لسنوات بين الشعر والسياسة وتحديدا العمل الديبلوماسي، كيف عشت هذه التجربة؟ ما هو الشعر؟ هو في النهاية ردّة فعل لانسان ما على اشكالية ما أو مسألة ما من المشاكل الخارجية التي تؤثر في القضايا الداخلية للانسان. الشعر كأنه مرآة قد تكون متكسرة للأوضاع التي يعيشها الشاعر يمكن أن يكون الشاعر. وهذا كان وضعي قبل التقاعد رجل عمل سياسي أو ديبلوماسي وأن يكون في نفس الوقت رجل داخلي رجل له سيرته الداخلية هذا وضع موجود في عدد من الشعراء مثل نيرودا واكتافيو باث وحتى في العالم هناك شعراء كانوا ديبلوماسيين مثل عمر أبو ريشة وتوفيق عواد ونزار قباني الذي كان قنصل عام لسوريا في مدريد لفترة. إذن ليس هناك تعارض جذري بين المهتمين المهمة المؤدية إلى معالجة قضايا من قبل رجل سلّم هذه المهمة وفي الوقت ذاته هذا الرجل يكون له وضع داخلي وإرادة تعبير وإمكانية تعبير تسمح له أن يعالج القضية الوجودية والوجدانية التي يعيشها لا على هامش القضايا الأخرى بل على العكس بالاتصال معها إنما على مستوى آخر. هناك المستوى الذي يطالب الانسان بأن يأخذ مسؤولياته الاجتماعية والثقافية العامة وهناك مستوى آخر طالب الانسان بأن يتحاور مع نفسه لتوضيح عالمه الداخلي إن كان شاعرا لكي يكون لتلك المعالجة المرتبطة بعالمه الداخلي نتيجة نسميها بالشعرية وهي نتيجة خيالية وجمالية وواقعية في نفس الوقت وهذا ما نسمّيه الشعر. عندما تكتب الشعر هل تفكّر في القارئ؟ لا بد من ذلك القارئ هو ظلّ الكاتب إنما لا نفكر في القارئ وكأنه يفرض نفسه على القارئ عليه أن يقرأ مما أكتبه وعليّ أن أطالب القارئ بأن يأتي لي ولست أنا الذي يفرض على نفسي لكي أذهب إليه. لماذا اخترت الكتابة بالفرنسية رغم أنك تجيد الكتابة والقراءة باللغة العربية؟ لم أختر اللغة الفرنسية إنما فرضت عليّ اللغة الفرنسية لأسباب تتعلّق بتاريخ بلدي عندما كان لبنان محتلا، تعلّمت الفرنسية بصورة طبيعية وأحببتها منذ طفولتي. بدأت أكتب وأقرأ باللغة الفرنسية وفي سن الرشد فهمت أن وجود جناحين للانسان قد يكون شيء مزعج لكن حين يتغلب الانسان على الازدواجية يصبح غني بالثقافتين والحوار يصبح في داخله بين أفقين. عندما تمكنت من اللغة الفرنسية وبدأت أنشر بها عدت إلى اللغة العربية وإلى جذوري العربية بشيء من التفوّق غذيت شخصيتي بكل ما بدأت برفضه والابتعاد عنه. فكانت هذه التجربة بوجهيها العربي والفرنسي. بعد 11 سبتمبر أصبحت صورة العرب سيئة في الغرب. ما هو دور المثقف العربي في أوروبا في تصحيح الصورة؟ هناك صورة مشوّهة للعرب والمسلمين في ميادين كثيرة خصوصا ان للعرب أعداء كثر من بينهم بعض أبناء العالم العربي الذين ارتكبوا أخطاء استغلها الغرب لتشويه الصورة بشكل كامل. ونجحت وسائل الاعلام الغربية لحدّ ما في ذلك. لكن الثقافات لها عقل والشعوب لها فكر. ولئن كانت الصورة مشوهة فليس من المطلوب أن يكون هناك حكم على شعوب بكاملها وحضارة أعطت الكثير للانسانية، الصورة مشوهة نعم، التفرقة بين الفئات التي ارتكبت أخطاء التي لها أحيانا مبرراتها، القضية الفلسطينية لم تحل والولايات المتحدةالأمريكية لها توجه ضدّ العالم العربي والاسلامي في الادارة الحالية خاصة. إنما أعود وأقول ان الأكثرية المطلقة في العالم العربي تريد السلام والحوار الحضاري ونحن في حاجة إلى ذلك لأن أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون الكثير مما هو مطلوب كل ذلك يؤدي إلى مطالبة المثقف العربي الذي يكتب بالفرنسية خاصة وأصبحنا كثيرون الآن نعيش في فرنسا فينا لم يكتب بالفرنسية مثل أدونيس، علينا واجب أن نصبح سفراء لأعماق العالم العربي في ثقافته. وهذا عمل تاريخي صعب إنما ممكن وأنا من الذين جندوا أنفسهم للسعي لتبييض ما أمكن من الصورة القاتمة للعالم العربي وللتحاور على أبعد مدى ممكن مع الغرب دون أن أضحي من مبادئ أو من رموزي الثقافية. هل فكرت في كتابة مذكراتك؟ خاصة انك عايشت فترة مؤلمة في تاريخ لبنان؟ كتبت جزءا منها في كتاب صدر منذ سبع سنوات في فرنسا وهو حوار لكتاب مع كاتبين شباب من فرنسا وعنوانه: إن لم أخطئ بالفرنسية. وحاليا لديّ كتاب لحوار مع فيلسوفة كلفت بأن تحاورني بعنوان: من المفرد إلى الكوني وعنوان آخر فرعي: شاعر مسلم في الغرب في هذا الكتاب أيضا أشياء كثيرة مرتبطة بمواقفي الأساسية ولكن إلى حد ما بأشخاص وأحداث وقضايا عشتها. وعندي رغبة أن أكتب مذكراتي بصورة رسمية أن أبدأ بالتعبير عن حياتي بسرد الحوادث الكبيرة التي عشتها وأن أنير هذا الوضع الشخصي بأنوار التاريخ المعاصر الذي عشته شخصيا.