في تقديمه لهذا الكتاب يقول المؤلف د. السيد أمين شلبي : لقد كان من الطبيعي أن ينعكس في كتابات الكتاب المصريين الذين التقوا بالحضارة الغربية وعايشوها الصراع الثقافي بين قيمهم الثقافية التقليدية وواقع مجتمعهم وبين قيم الغرب وخصائصه، وأن يجسدوا في هذه الكتابات الصراع بين مادية الغرب وروحانية الشرق بين عدم الإيمان والغطرسة الغربية مقابل الإيمان والتواضع في الشرق، بين البرودة الإنسانية للغرب في مواجهة المناخ الإنساني لمجتمعهم. الكتاب يحمل عنوان «الغرب في كتابات المفكرين المصريين» وفيه قراءة لكتابات كل من طه حسين، توفيق الحكيم، سلامة موسى، يحيى حقي، وحسين فوزي بهدف تقصي كيف تأثرت حياتهم العقلية واختياراتهم الفكرية بلقائهم مع الغرب ومعايشة حضارته ومجتمعاته ومدى تصورهم للهوة الحضارية في أبعادها المادية والثقافية التي تفصل مجتمعاتهم عن هذه الحضارة، وكيف يمكن تجاوز هذه الهوة، وهل أثر لقاؤهم بهذه الحضارة على انتمائهم الوطني أم كان بالعكس تأكيدا لهذا الانتماء يعد توجه رفاعة رافع الطهطاوي إلى باريس في النصف الأول من القرن التاسع عشر أول لقاء بين الفكر والثقافة المصرية، وبين الحضارة الغربية ومقوماتها ومناهجها ومظاهر تقدمها فقد عين أماما للبعثة التعليمية التي أوفدها محمد علي إلى باريس ورغم أنه أرسل كإمام وليس كطالب بعثة إلا أنه انغمس في الدراسة بحماس وحقق لنفسه معرفة دقيقة باللغة الفرنسية ومشكلات الترجمة إلى العربية وقرأ كتبا عن التاريخ القديم والفلسفة اليونانية والاقتصاد والجغرافيا والرياضيات والمنطق وحياة نابليون والشعر الفرنسي وأقدم على ترجمة بعض أعمال رواد التنوير الفرنسيين من أمثال فولتير وروسو ثم أودع هذا كله في كتابه «تخليص الابريز في تاريخ باريز». وعلى الرغم من إعجاب الطهطاوي بما شاهده وما قرأه من مظاهر الحضارة الغربية في باريس إلا أن إعجابه به لم يكن مطلقا وبلا تحفظات فقد سجل نقده لأخلاق الفرنسيين الاجتماعية وسلوكاياتهم فهم أقرب إلى البخل منهم إلى الكرم، ورجالهم عبيد لنسائهم، ولكنه في الوقت نفسه أثنى على حبهم للعمل وشغفهم بالعمل وحب الاطلاع وميلهم للثقافة وحرصهم على الوصول إلى عمق الأشياء وثقتهم في بعضهم البعض. وعلى المستوى الفكري احتفظ الطهطاوي لنفسه بحرية ا لنظر العقلية فلم تكن أفكاره التي تعلمها مجرد انعكاس بسيط لما قرأه، بل كان يجمع بينها وبين أفكاره التقليدية فكان دائما يعود لنموذج النبي محمد عليه الصلاة والسلام وصحابته وتابعيه، وهكذا لم يكن إعجابه وتأثره بما رآه في فرنسا انقطاعا عن ثقافته الأصلية. أما توفيق الحكيم فقد استخدم وكما يشير المؤلف، المرأة التي وقع البطل في حبها في روايته عصفور من الشرق «1938» لكي يرمز بها إلى الحالة الفكرية والأخلاقية للمجتمع الأوروبي والقيم التي تحكمه، فمع ذكائها وجمالها التي قد تبدو عليه، إلا أنها تفتقر إلى الروح، كما أنها في جوهرها باردة وقاسية، وفي هذا العمل أيضا فإنه في الوقت الذي يبدو فيه الفرد الغربي لا تحركه إلا المنفعة الفردية، فإن الفرد المصري يعيش في تناسق مع مجتمعه الذي يبدو اجتماعي بالفطرة، أيضا في كتابه فن الأدب الذي نشره عام 1952 يستعيد الحكيم ما لام عليه الغرب في تأخره في كل شؤون الروح والحكمة وقوله انه إذا رجع الغرب إلى حكمة الشرق ورأى كيف فهم الإسلام الديمقراطية لجنى من ذلك دروسا تصلح من مساره وهو ما أدى لاتهام البعض له في الغرب بالرجعية وينتهي الحكيم إلى أن شباب الغرب المضطرب ونشاطه المتقد يمنعه من أن يتريث ليبحث عن الحكمة عند الشرق الأقدم عهدا والأكبر سنا. ومن توفيق الحكيم ينتقل المؤلف إلى يحيى حقي ويشير إلى روايته «قنديل أم هاشم» والتي قدم فيها حقي الصراع الثقافي مع الغرب وقيمه وحضارته مستخدما في ذلك الأنماط المتناقضة للمادية مقابل الروحية، الشك مقابل اليقين والبراءة، الفردية مقابل الشعور بالجماعة، غير أن تناول يحيى حقي، وحسب المؤلف يبدو أكثر حساسية تجاه الجوانب الإيجابية في الحضارة الغربية. فالطالب المصري اسماعيل شأن بطل عصفور من الشرق يرتبط بفتاة تمثل النمط التقليدي للمرأة الأوروبية المستقلة النشطة المتحررة جنسيا الواعية بذاتها ولكن حقي يكشف من ناحية أخرى عن نفسها كشخص قاس لا يرحم تتركز حول ذاتها ولا تخدم غير مصالحها، وقد أنهى البطل تعليمه وهو متأثر بالفكر والقيم الغربية، وحين يعود إلى بيئته يواجه الفقر والجهل والخرافة وهو مايؤلمه بشدة ويتمزق بين ولائه وبين اشمئزازه من واقع مجتمعه، بين هويته القديمة والجديدة، وعقب تجربة شخصية عميقة يصل إلى حل شخصي ويجري تصالحا بين أفضل مظاهر الحضارتين الإنجاز العلمي للغرب، والدفء الروحي للشرق. وإذا كان حقي قد توصل إلى هذا التصالح بين مظاهر الحضارتين الغربية والشرقية، فإن مفكرا وكاتبا مصريا آخر هو سلامة موسى يعد نموذجا. وكما يوضح المؤلف، لم يخف في تياره العام انبهاره بالغرب وقيمه وتبنيه بشكل مطلق وبلا تحفظ أو شكوك، فلم ير سلامة موسى حضارة إلا حضارة الغرب وأوروبا أمّا الشرق فيراه مفلسا وان كل طراز ثقافته يجب أن يتغير، لقد كان موسى يرى في النموذج الغربي تجسيدا للعلم والصناعة والديمقراطية والحكم البرلماني والمساواة بين الجنسين واستقلال الشخصية والنظرة الموضوعية، كما كان أكثر المفكرين المصريين مقتا لمظاهر التخلف في الحياة والمجتمع المصري ورفضا للقيم وقواعد السلوك التي يستند إليها والتي رآها في قيم الإنتاج الزراعي الراكد وسيادة الغيبيات وهو أن المرأة وغياب الحريات والانغلاق على الذات ودعوته إلى نبذ هذه القيم والتخلص منها، وقد كان ذهابه إلى هذا الحد هو الذي عرضه لهجوم عنيف ممن رأوا مشروعه الثقافي عمالة للحضارة الغربية ودعوة إلى إلغاء الذات الحضارية واستبدالها بالآخر الحضاري الغربي الأوروبي. أما طه حسين فقد كانت أوروبا أو الغرب وقتها بالنسبة له وكما جاء في كتابه مستقبل الثقافة في مصر، تمثل نموذجا له عناوين ثلاثة الثقافة الإنسانية، الفضائل المدنية والديمقراطية وبهذه المعاني كانت أوروبا عنده هي العالم الحديث وأن مصر المستقلة يجب أن تصبح جزءا من أوروبا وذلك هو الطريق الوحيد لكي تصبح جزءا من العالم الحديث وكان ذلك هو المعنى الذي فهمه طه حسين من المعاهدة المصرية البريطانية عام 1936، ولاتفاقية مونتريه التي ألغت الامتيازات الأجنبية فقد فهم طه حسين من هذه الاتفاقيات بين مصر وأوروبا، ان أوروبا قد أكدت ثقتها في مدنية مصر وتعهدت مصر من جانبها بالتزام واضح وملزم أمام العالم المتحضر بأنها سوف تسير في طريق الأوروبيين في الحكم والتشريع والإدارة. ويشير المؤلف إلى أنه كان من الطبيعي أن يثور حول تصور طه حسين حول الانتماء المصري لأوروبا اعتراض واضح وهو أن أوروبا مسيحية يبنما مصر إسلامية وأنه بذلك يتفادى مشكلة الاختلاف الديني. --------------------------------- الكتاب : الغرب في كتابات المفكرين المصريين تأليف : د. السيد أمين شلبي الناشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 2003 الصفحات : 192 صفحة من القطع المتوسط