إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    نهوض المزونة يضمد الجراح ويبث الفرحة بالصعود الى الرابطة الثالثة    طقس الليلة.. أمطار رعدية بعدد من الجهات    الملاسين وسيدي حسين.. إيقاف 3 مطلوبين في قضايا حق عام    معهد الصحافة وعلوم الاخبار ينظم "اقتصاديات الإعلام "    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    الرابطة المحترفة الأولى: النتائج الكاملة للجولة 28 والترتيب العام    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    الكاف: انطلاق موسم حصاد الأعلاف مطلع الأسبوع القادم وسط توقّعات بتحقيق صابة وفيرة وذات جودة    وزارة العدل توضّح بشأن ما تمّ تداوله من معلومات "غير صحيحة" حول تعرض سجين مودع بسجن بنزرت إلى التعذيب    حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص ببن عروس    حجز أجهزة إتصال تستعمل للغش في الإمتحانات بحوزة أجنبي حاول إجتياز الحدود البرية خلسة    نهاية عصر البن: قهوة اصطناعية تغزو الأسواق    أهم الأحداث الوطنية في تونس خلال شهر أفريل 2025    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    قبلي.. الاطاحة بشاب انتحل صفة عون أمن    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    تنبيه للمواطنين بخصوص آخر أجل لخلاص معلوم الجولان..#خبر_عاجل    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تركيا.. مجهول يهاجم زعيم أكبر حزب معارض    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    مجلس نواب الشعب يشارك في أشغال مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي المنعقد بالجزائر من 2 إلى 4 ماي    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إحباط عمليات تهريب بضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120 ألف دينار في غار الماء وطبرقة.    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    الاطاحة بتلميذين بصدد سرقة الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية..!    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    عاجل/ سقوط صاروخ أطلق من اليمن قرب المطار الرئيسي في إسرائيل..    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    باكستان تغلق موانئها أمام السفن الهندية    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    صفاقس : المسرح البلدي يحتضن حفل الصالون العائلي للكتاب تحت شعار "بيتنا يقرأ"    الدوري الايطالي.. نابولي ينتصر ويعزز صدارته في الترتيب    الرابطة الأولى: الاتحاد المنستيري يتعادل مع البقلاوة واتحاد بن قردان ينتصر    نادي ساقية الزيت يتأهل لنهائي الكأس على حساب النجم    تعيين مدير عام جديد على رأس "بي هاش" للتأمين    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    الاستعداد لعيد الاضحى: بلاغ هام من وزارة الفلاحة.. #خبر_عاجل    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل العلاقة بين الإسلام والغرب كما يراه التوفيقيون
نشر في الفجر نيوز يوم 02 - 07 - 2008

يتوقف مستقبل العلاقة بين الإسلام والغرب على مقدرة المؤسسة الدينية في العالم الإسلامي على اجتراح الحلول الجديدة لمشكلات العصر الحديث وعلى نبذهم للحقد والكراهية. كما يتوقف هذا المستقبل على اقتراب الغرب من روح الإسلام وجوهره بعيداً عن تنطُّع الجماعات الإسلامية والأحزاب السياسية الإسلامية.
اتجاهات الرأي في علاقة الإسلام بالغرب نستطيع أن نقسّم اتجاهات الرأي في العالم العربي بخصوص علاقة الإسلام بالغرب إلى أقسام ثلاثة:
- قسم يرى ترك الموروث واتباع كل ما في الغرب من قيم ومنجزات، وهؤلاء هم الأقلية القليلة في العالم العربي.
- قسم يرى ترك الغرب وقيمه واتباع قيم الموروث، وهؤلاء هم الأقلية الكثيرة في العالم العربي.
- قسم يوفِّق بين هذا وذاك، ويأخذ أصلح ما في الموروث، وأنفع ما في الغرب، وهؤلاء هم الأغلبية في العالم العربي وسواد الأمة الذين يطلق عليهم «التوفيقيون» والذين يُناط مستقبل الاسلام مع الغرب بهم وبأفكارهم وفي جهودهم في التوفيق بين روحانية الإسلام وقيمه الأخلاقية وبين مادية الغرب وقيمه الواقعية. باعتبار أن الإسلام توفيقي بطبعه وأمته أمة وسط كما جاء في الأثر.
وأن التوفيقية مرتبطة بطبيعة الحضارة العربية الإسلامية ونفَّاذة في صميم التكوينات التاريخية المجتمعية الحضارية. وهؤلاء التوفيقيون هم من قال عنهم أحمد الزيات انهم «حلقة علمية مفقودة وركن من أقوى الأركان التي ينبغي أن نبني عليها نهضتنا الحديثة، ولا يتسنى أن ننهض إلا بهم».
وعلى هؤلاء عبء كبير جداً في مستقبل العلاقة بين الإسلام والغرب. والمهمة التي أوكلت لهم ليست مهمة سهلة. وهي تستدعي القيام بالاصلاح الديني العسير المتعثر والذي بدأ منذ مائة عام ولكننا «لم نحصل على نتائجه لأنه كان نسبياً ولم يكن جذرياً.
والآن يمكن بداية الاصلاح الديني جذرياً كشرط سابق على تدعيم الفكر الحديث برفع التيار العقلي إلى أقصى حدوده حتى يقضي العقل على ما تبقى من الخرافة». وهذه المهمة هي بمثابة البحث عن «الغدة الصنوبرية» التي تصل بين الأمرين.
وليست مهمة جديدة. فقد بدأت هذه المهمة منذ القرن التاسع عشر واستمرت إلى نهاية القرن العشرين، وربما ستظل مستمرة حتى نهاية القرن الحادي والعشرين، وقبل أن يكون هؤلاء التوفيقيون قد استطاعوا الجمع بين الحُسنيين وبالحُسنى.
ففي القرن التاسع عشر كان مثلث (الأفغاني- عبده- الكواكبي) هو أبرز من حمل لواء التوفيقية بين روح الشرق ومادية الغرب. وهنا يجب أن نعيد النظر في مقولة روح الشرق ومادية الغرب. فالشرق ليس روحاً فقط ولكنه مادة أيضاً. والإسلام ليس روحاً بقدر ما هو مادة أيضاً بدليل أنه دين ودولة وأن النبي عليه السلام، لم يرحل إلا بعد أن وضع أسس الدولة الإسلامية في المدينة.
ولعل الامبراطورية الضخمة التي أقامها الإسلام منذ العهد الأموي إلى نهاية العهد العباسي وهي امبراطورية مادية بالدرجة الأولى أبرز دليل على مادية الإسلام. كما أن الثراء الفاحش الذي أصاب الأمة العربية منذ بدء عصر الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب والى نهاية العصر العباسي والتي أوقفت عصر التجارة العربية، وتحول العرب معها من تجار بارزين إلى فاتحين بارزين، واستبدلوا الميزان بالسيف، أكبر دليل على أن الإسلام كان في جانب كبير منه مادياً.
وأما الغرب، فانه ليس مادياً صرفاً. وفي المسيحية التي ما زالت موجودة حتى الآن في حياة ووعي الغربي جانب كبير جداً من الروحانية. وما انتشار الكنائس في الغرب وفي أميركا على وجه الخصوص في كل حي، وتدفق أموال المتبرعين على الكنائس حتى بلغت هذه التبرعات أكثر منها للمؤسسات العلمية في أميركا بالذات لدليل كبير على روحانية الغرب أيضاً.
وما هذا التدفق على الكنائس أيام الآحاد على النحو الذي يتم إلا دليل على أن الروحانية ما زالت في الغرب. وما القُدّاس الذي يقيمه بابا الفاتيكان في أنحاء مختلفة من أوروبا وأميركا والذي يضم مئات الآلاف من المصلين إلا دليل آخر على أن الروحانية ما زالت باقية في الغرب.
كما أوضح استفتاء أجرته محطة «فوكس نيوز» التليفزيونية الأميركية في 11/1/2001 أن سبعين بالمائة من الشعب الأميركي يرغب ويؤيد أن يكون للدين تأثير واضح في الحياة الأميركية.
ولو أن الشرق امتلك عقل الغرب وماله، لأصبح أكثر مادية من الغرب نفسه. كما كان حاله في العصرين الأموي والعباسي. وأن المظهر الروحاني الذي يتصف به الشرق الآن ناتج عن قصور في عقله وعلمه وماله، وليس ناتجاً عن طبيعة في تكوينه وعقيدته. ففي كل حضارة وفي كل عقيدة، هناك جانب روحاني يطغى اذا غاب العقل والعلم والمال، ويتقلّص اذا حضرت وسادت هذه العوامل.
وما ادعاء سواد المفكرين العرب من أن الشرق روحاني والغرب مادي وسيادة هذه المقولة وانتشارها طوال حقب طويلة إلا من باب تفاخر الشرقيين وتعاليهم المستمر ك «خير أمة أُخرجت للناس»، على اعتبار أن الروحانية أرفع مقاماً من المادية وأسمى درجة منها في الوعي الشرقي.
دور التوفيقيين في الائتلاف بين الغرب والإسلام
لقد بذل التوفيقيون جهوداً كبيراً في تقريب وجهات النظر بين الغرب والإسلام. ومرّت التوفيقية في القرنين التاسع عشر والعشرين بمراحل ثلاث :
- الأولى: توفيقية النهضة، والتي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر. وكان أبرز روادها: جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، ورفاعة الطهطاوي، وعلي مبارك، وخير الدين التونسي، وغيرهم.
- الثانية: التوفيقية التنويرية، والتي ظهرت بين الحربين العالميتين. وكان أبرز روادها: محمد حسين هيكل، وعباس محمود العقاد، وتوفيق الحكيم، وغيرهم.
- الثالثة: التوفيقية الحديثة، والتي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين. وكان أبرز روادها: محمد عابد الجابري، ومحمد الأنصاري، و فهمي جدعان، وحسن حنفي، ورضوان السيد، ومحمد مزالي، وغيرهم.
ونود أن نشير هنا، إلى أن محمد مزالي، رئيس وزراء تونس السابق، كان من المفكرين التونسيين التوفيقيين المعاصرين. ولعله هو الوحيد في الفكر العربي المعاصر الذي حمل القلم والسيف معاً. وكان من السياسيين المفكرين المميزين في العالم العربي. وقد كتب عدة كتب في الفكر السياسي منها: الديمقراطية، مواقف، دراسات، من وحي الفكر، المعمرون الفرنسيون وحركة الشباب التونسي، وجهات نظر، وغيرها.
والمزالي هو رائد المدرسة السياسية التوفيقية الرومانسية في العالم العربي، وفي الفكر العربي المعاصر. حيث يقول: «انني أؤمن بالرومانسية المطلقة» وهو الذي بشّر بعودة الرومانسية السياسية المشرقة لسنة 2000 بعد فجيعة الرومانسية في القرن التاسع عشر، وقال عن الرومانسية «انها سفينة حلم المستقبل». ومن أهم ملامح هذه الاتجاه:
1- ان التقدم العلمي والسيطرة التكنولوجية والتفوق الصناعي لا تكفي وحدها لضمان سعادة الانسان.
2- ان الإسلام دين العقل والعقيدة معاً. وقد نهى عن البدع ومجَّد العقل، وحرَّض على الاجتهاد، وهو غير مسؤول عن الدجل والخرافة السائرة.
3- ليس بوسع النجاح الاقتصادي أن يغطي ظمأ الأرواح إلى المثل الأعلى.
4- ان الغد لم يعد ممكناً بانتظاره بل بصنعه.
5- ان السلطة الجديدة تصل الحلم بالحياة وتؤمن بعظمة الأفراد، وهي ليست بالدين رغم ما تكتسبه من مظاهر دينية من جرّاء اجلالها للحياة وظمئها للخلود.
(انظر: محمد مزالي، في دروب الفكر، ص195-200).
الفروق بين الحركات التوفيقية
وهناك دوافع ثقافية وسياسية مختلفة لظهور هذه الحركات التوفيقية الثلاث، كما أن هناك فروقات فكرية بين طروحات هذه الحركات التوفيقية الثلاث، نستعرض أهمها من خلال التالي:
توفيقية النهضة
كان معظم روادها ممن لم يدرسوا في الغرب، واقتصرت ثقافتهم على التراث العربي فقط، دون معرفة التراث الغربي. وخلطت هذه التوفيقية بين القيم الثقافية والقيم الأخلاقية وهاجمت الثقافة الغربية وناصبتها العداء من خلال أخلاق الإسلام ومثالياته كدين.
لذا، فقد كانت هذه التوفيقية موقفاً أيديولوجياً إسلامياً صرفاً. وكانت ردَّ فعل فكري وسياسي على الاتجاه العَلْماني الذي قاده المفكرون العرب المسيحيون، ومناداتهم بفصل الدين عن الدولة. وكان الدافع السياسي لهذه التوفيقية ليس التخلّص من الحكم العثماني ولكن اصلاح هذا الحكم، ووصل الدين بالدولة، والابقاء على الخلافة الإسلامية متمثلة بالعثمانيين.
وقد اشترك فيها رجال الدين وكانوا هم الأغلبية فيها، وذلك لاثبات أن الإسلام دين ودولة. ومن المعروف أن هذه التوفيقية نادت بالاصلاح الديني ولكنها لم تفلح في تحقيقه، لأن هذا الاصلاح كان نسبياً ولم يكن جذرياً. وكانت هذه التوفيقية مُعجبةً بقيم الغرب الثقافية، كارهةً لقيمه الأخلاقية.
وكانت تنادي بأخذ ما نحب وترك ما نكره. ولم تكن في هذه التوفيقية تناقضات كثيرة في المجتمع العربي بين ما يستهلكه هذا المجتمع وبين ما يفكر فيه. وهو المجتمع البكر الذي كان لا يزال في مرحلة التفتح الأولي نحو الغرب وسلعه وأفكاره الجديدة. وأخيراً، لم تواجه هذه التوفيقية المبكرة تناقضاً في الموقف الغربي بين ما يؤمن به الغرب من قيم الحريات وبين ما يمارسه في الحياة السياسية والاقتصادية.
التوفيقية التنويرية
كان معظم روادها ممن درسوا في الغرب، وخاصة فرنسا، وجمعوا بين معرفة التراث العربي والثقافة الغربية. وحاولت هذه التوفيقية أن تُفرّق بين القيم الأخلاقية والقيم الثقافية، ولكن الخلط ظل قائماً إلى حد ما بين القيم الأخلاقية الإسلامية والقيم الثقافية الأوربية.
وكانت هذه التوفيقية موقفاً أيديولوجياً مصرياً فرعونياً غربياً مختلطاً. كما كانت هذه التوفيقية ردَّ فعل ثقافي وسياسي على تصلّب الاتجاه الديني السلفي والمؤسسات الدينية السلفية التي كانت تسيطر على الثقافة.
وكان الدافع السياسي لهذه التوفيقية التخلّص من الاستعمارين التركي والانجليزي، واعلان الدولة المدنية العَلْمانية ومهاجمة الخلافة الإسلامية متمثلة بالعثمانيين. واشترك بعض رجال الدين فيها لاثبات أن لا دولة في الإسلام، وأن الإسلام دين لا دولة. ونادت هذه التوفيقية بالتنوير، ولكنها لم تفلح في تحقيقه، لأن هذا التنوير كان قاصراً على فئة المثقفين فقط.
كما كانت مُعجبةً بقيم الغرب الثقافية والأخلاقية معاً، وكانت تنادي بتمثل الغرب فينا كليةً، كما جاء على لسان طه حسين. وبدأ التناقض بين قيم المجتمع العربي الاستهلاكية وبين قيمه الفكرية يظهر شيئاً فشيئاً، في ظل غزو المنتجات والأفكار للسوق العربية، وفي ظل افتقار السوق العربية للسلع والأفكار الجديدة. وهكذا بدأت هذه التوفيقية تشعر بالتناقض بين ما ينادي به الغرب من قيم الحريات وبين ما يطبق من ظلم وعدوان على الشعوب المستعمَرة.
التوفيقية الحديثة
كان معظم روادها ممن درسوا في الغرب. وقد بذلت هذه التوفيقية جهوداً أكبر من خلال التقدم الثقافي العربي للتفريق بين القيم الأخلاقية والثقافية. ونادت بأخذ العقل من الغرب والروح من الشرق. وكانت هذه التوفيقية موقفاً أيديولوجياً عربياً قومياً دينياً غربياً مختلطاً.
كما كانت هذه التوفيقية ردَّ فعل على الاتجاه العَلْماني والليبرالي الذي ازدهر مرة أخرى بعد الستينيات من النصف الثاني للقرن العشرين. وكان الدافع السياسي لهذه التوفيقية الحيلولة دون عودة الاستعمار الذي بدأ بالرحيل عن العالم العربي في الخمسينيات والستينيات وتمت تصفيته في أوائل السبعينيات. واشترك فيها بعض المفكرين المتدينين، لاثبات ان الإسلام دين ودولة.
ونادت بالحداثة، ولكنها لم تفلح في تحقيقها، لأن هذه الحداثة كانت قاصرة على الأدب والفكر فقط. وكانت مُعجبةً بكل ما في الغرب من قيم، ولكنها كانت تخفي هذا الاعجاب نتيجة للصدام السياسي مع الغرب.
وظهر التناقض جلياً واضحاً أكثر من أي فترة أخرى بين ما يستهلكه العرب وبين ما يفكرون به. فهم غربيون خُلّص في الاستهلاك، سلفيون خُلّص في التفكير. وكان هذا من أكبر مشاكل النهضة. واشتد شعور هذه التوفيقية بالتناقض الحاد بين قيم الغرب وبين تطبيقاته لهذه القيم. وكانت القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية هي المحك.
عوامل ساعدت على تقدم التوفيقيين
وقد ساعد على تقدم التوفيقيين في مسعاهم الحثيث في الماضي والحاضر عوامل عدة منها:
1- اهتزاز صورة أوروبا في أذهان المعجبين بها في النصف الأول من القرن العشرين نتيجة للحربين العالميتين اللتين أبانتا الوحشية الغربية الكاسرة.
2- اهتزاز صورة أوروبا في أذهان النخبة العربية والجماهير العربية نتيجة لعدم الوفاء بعهودها تجاه العالم العربي وتقسيم العالم العربي لقمة سائغة في أفواه الغرب، دون الالتفات إلى وجوب منح الحريات والاستقلال لهذه الشعوب.
3- فشل الدعوات القومية والليبرالية في النصف الثاني من القرن العشرين في اقامة الدولة القومية العَلْمانية، والتي كانت تنادي بقطع الصلة مع التراث وبناء الأمة على أسس من الحضارة الغربية.
4- فشل الإسلاميين الخُلّص طوال القرن العشرين وبعد التخلص من الاستعمار العثماني والاستعمار الغربي في اقامة الدولة الإسلامية ذات القطيعة الكاملة مع الغرب.
5- قيام الجماعات الإسلامية التي اتخذت أقصى اليمين الديني المتشدد في الستينيات من القرن العشرين وحتى نهاية القرن، ومطالباتها الدموية الصارمة باقامة الدولة الإسلامية على غرار دولة الراشدين في المدينة، مما ساعد على تقوية الموقف التوفيقي للحد من نشاط هذه الجماعات ووقف تطرفها.
6- عودة بعض الكتاب - المصريين على وجه الخصوص - إلى حظيرة الوسطية والتوفيقية (أطلق بعض الباحثين على هذه العودة «الردة» وعلى العائدين «المرتدين». في حين اعتبرها الآخرون تراجعاً، واعتبرها خالد محمد خالد مراجعة وليس تراجعاً.
انظر: فهمي جدعان، أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث، ص323. وانظر: شاكر النابلسي، ثورة التراث .. دراسة في فكر خالد محمد خالد، ص295-312) بعد أن أعلنوا تطرفهم تجاه الإسلام وتجاه الدولة الدينية، ومراجعاتهم لأفكارهم أو التخلي عنها في بعض الأحيان.
ومن هؤلاء طه حسين، اسماعيل مظهر، منصور فهمي، محمد حسين هيكل، خالد محمد خالد، محمد عمارة، مصطفى محمود وغيرهم.
(يقال ان علي عبد الرازق قد بدأ في الستينيات يراجع أفكاره بشأن الدولة الإسلامية التي أنكرها في كتابه «الإسلام وأصول الحكم» وأن ابنه محمد قد أبلغ محمد عمارة بحقيقة هذه المراجعة إلا أن الموت أدرك علي عبد الرازق قبل أن يكتب مراجعته وينشرها كما فعل خالد محمد خالد في كتابه «الدولة في الإسلام» في عام 1981. انظر: محمد عمارة، العَلْمانية ونهضتنا الحديثة، ص 164).
7- ظهور مجموعة كبيرة من المفكرين التوفيقيين في العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين كان لهم صوتهم العالِم المؤثر في الثقافة العربية المعاصرة. وهؤلاء «عرفوا الشرق والغرب على السواء، وخبروا مدنية العرب ومدنية الغرب بلا رياء ولا ضعف ولا تخاذل» كما قال فهمي جدعان (أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث، ص326).
وعلى رأس هؤلاء زكي نجيب محمود، وعباس العقاد، وتوفيق الحكيم. ومنهم اسعاف النشاشيبي، ومحمد الجابري، ومحمد عمارة، ومحمد الأنصاري، ورضوان السيد، وفهمي جدعان وغيرهم. وقد ساهمت كتابات هؤلاء الكتاب في توضيح معنى التوفيقية ودورها في انهاء الصراع المحتد بين الشرق والغرب، وكيفية عمل آلياتها، وما الهدف منها.
(انظر في هذا الشأن في كتب كثيرة لهؤلاء منها على سبيل المثال: تحولات في الفكر والسياسة في الشرق العربي، للأنصاري، العرب والتحدي لعمارة، تجديد الفكر العربي لمحمود، والخطاب العربي المعاصر للجابري).
(وللحديث صلة).
عن صحيفة الوطن القطرية
2/7/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.