بدأ العدّ التنازلي لموعد انطلاق انتخابات الهيئة الوطنية للمحامين وانتخابات العمادة ليمثل اعلان الترشحات في حدّ ذاته مؤشرا عن طبيعة هذه المعركة الانتخابية في هذه الدورة البالغة التعقيد بين العديد من المترشحين الذين سبق لهم الفوز لمقاعد الهيئة او العمادة ووجوه اخرى تتقدم لاول مرة لهذه الخطة المسؤولة. وبرغم الفتور الظاهر في هذه الحملة الانتخابية الا ان خفاياها تدل على وجود صراع حامي الوطيس مشوب بحذر شديد أساسه حرب الاشاعات التي اعتمدها جل المتنافسين كبالون اختبار للاتجاه العام لمزاج الناخبين الذي اصبح غير مستقر خاصة اثر نتائج انتخابات جمعية المحامين الشبان حيث لم يفز صاحب الأغلبية الساحقة في انتخابات العمادة في الدورة السابقة على أي مقعد لانصاره في شباب المهنة، فالاستاذ بشير الصيد يجد نفسه اليوم في مواجهة منافس كان بالامس حليفا اساسيا وهو الاستاذ عبد الستار بن موسى الذي تقاسم معه مسؤولية فرع تونس في حين فاز الاول بمقعد العمادة بفضل دعم شبيبة المهنة التي طالما مثلت ذراعه الطويلة بالامس والتي لوّح بها في وجه خصومه. ويعلل احد وجوه مجموعة التكتل من أجل محاماة مستقلة... ذلك بأن العميد فقد بريق الاحتجاج بمجرد ان تولى مسؤولية الفعل الرسمي فأصبح سلطة داخل القطاع ظهرت ثغراتها في الادارة وكشفت أخطاؤها بالتجربة البسيطة بعيدا عن صخب الشعارات وأجواء الاحتجاجات، فأصبح خيارا منقوصا يتمتع بالشجاعة لكنه يفتقر الى الديمقراطية في التسيير والادارة الجماعية لقطاع محسوب على النخبة. وبعد انسحاب مجموعتي التكتل بقيادة الاستاذ محمد الازهر العكرمي ومجموعة صفاقس اللتان مثلتا الركيزة الاساسية وأيّ مستقبل سيكون لهذا الأخير وهو المترشح لدورة ثانية بعد ان انفرط عقد حلفه الواسع الذي منحه ورقة العبور في الدورة السابقة ليصبح اليوم منافسا لوجوه سبق ان أيدته وخصما لجهات سبق ان دعمته خاصة بعد اعلان العميد السابق ا لاستاذ البوراوي عن نيته في الترشح هو ما من شأنه ان يؤثر بشدة في قلب المعادلات وتغيير خارطة التحركات التي يبدو أنها لن تستقر حتى آخر مراحل العملية الانتقالية. كما تنافست بعض الوجوه الاخرى في هذه الانتخابات على أصوات التجمعيين الذين يصعب ان تتوحد اختياراتهم في مرشح واحد في الدورة الاولى خاصة بعد فوزهم في انتخابات جمعية المحامين الشبان والذي يعلله البعض بقدرة قائمة «المحاماة أولا» على الخروج من دائرة الصراع و»التسلل» عبر الجبهات المتصدعة لتحالف التيار الذي سمّى نفسه مستقلا فاستفاد هؤلاء من تناقضات بقية الاطراف واصبحوا طرفا أساسيا يتوجه له بعض المراهنين علي مقاعد الهيئة، فهل «انتصاب» التجمعيين سيراكم انتصارا آخر للهيئة والعمادة ام انه سيكون سببا في توسيع جبهة الفرقاء لمعاودة الهجوم ضدّهم؟ وسبق ان ترشح الاستاذ بودربالة في الدورة قبل الأخيرة في مواجهة الاستاذ الصيد الذي كانت معه جبهة موحدة في الدورة قبل الأخيرة، والآن يتنافس العميد السابق الاستاذ البوراوي والعميد االحالي في ظروف يعتقد البعض انها في صالح الاول حيث انقسم تحالف العميد الحالي بينما لم يحسم انصار الأول امرهم في من سيفوز بأصواتهم هذه المرة خاصة وان الاستاذين بديع جراد والياس القرقوري المترشحين ايضا لمقعد العمادة يعوّلان على نفس الاصوات الا انهما مهددان بأن يخسر كل منهما احتياطيه المحتمل المحسوب على المحامين التجمعيين خاصة وان هؤلاء لم يحسموا بعد لاي من المترشحين سوف يهدون اصواتهم، إضافة الى أنه لا يمكن فهم خريطة التنافس على مقعد العمادة بعيدا عن مواكبة التحالفات داخل الفروع وداخل الهيئة الوطنية حيث اقترن اسم كل مترشح للعمادة بمرشح آخر حليف لرئاسة فرع تونس، فراجت اسماء مثل الاساتذة: محمد الهادفي ونعمان بن عامر ومحمدجمور وعبد الرزاق الكيلاني... كمتنافسين على رئاسة فرع تونس يربط كل واحد من هؤلاء مصيره بمصير أحد المترشحين للعمادة. ومهما يكن الامر، فان عنصر المفاجأة سيميز هذه المعركة الانتخابية التي اتسمت بتسارع وتيرة الاحداث بشكل اصبح من الصعب التحكم في نسق التحالفات او تقلبها وليس من المستبعد ابدا ان يعاد ترتيب التحالفات فتنسحب اسماء كثيرة من سباق العمادة لتلازم الفرجة كما من المحتمل ان تقايض اسماء اخرى بسحب ترشحها من العمادة مقابل دعمها مجددا في رئاسة أحد الفروع علما وان الاستاذ إلياس القرقوري لا يحق له الترشح للمرة الثالثة لرئاسة فرع صفاقس.