معرض الرسام حسين عطى في سيدي بوسعيد: الضوء يزهر على الحيطان حسين الهقواجي أقام الرسام حسين عطى معرضه الفني الثامن بفضاء متحف سيدي بوسعيد من 21 أوت الى 13 سبتمبر الجاري، وقد تضمن أكثر من ستين لوحة زيتية ومائية، وهي لعمري ثمار تجربة لا تزال تباشر حداثتها دونما ارتداد عن الابداعية التقليدية ولكن وفق رؤية نابعة من تصور الفنان ذاته للمدينة وتأثيرها المتزايد باستمرار في المشاهدين بوصفها الموضوع الأثير الى نفسه المبدعة، يعد ابتكارها باستمرار، مجددا أقبيتها العميقة المظلمة وزليجها الموسم ب»جناح خرطيفة« وباحاتها المشمسة غبّ رذاذ ناعم. ذلك هو المبحث الذي يتملك رؤيته للالوان والمعاني من خلال اعادة النظر في هندستها فنيا، وخلخلة البنى التصويرية الجامدة وانطلاقا من هذا التأويل يمكن الحديث عن الاضافة وهنا اجدني قريبا من رسوماته المخصوصة بالفواكه والأزاهير القائمة على أسلوب الخطوط المستقيمة والقريبة من التكعيبية بالاعتماد على سطح مستو ومستخدمات جمة كالغليون والجريدة وكأس النبيذ تجمع العين شتاتها كليا رغم صغر الرقعة او القماشة، ولئن كان الرسام قد اقترب من تفكيك الشكل وتجزئته الى ذرات سابحة ولمسات ريشة منفلتة الضياء الا انه لم يختزل التراكيب في نماذج كروية او مخروطية على غرار الفنان ابراهيم الضحاك و»المسطاري شقرون« و»حليم قاره بيبان« تمثيلا لا حصرا. وهو بذلك يجهدكي لا يسقط في الصرامة الهندسية وفي محو أثر الشيء المرسوم وبالتالي يكسب التجريد، ويخسر الجمهور وهنا ينبغي التوكيد على أن الذائقة العربية لا تستسيغ الغامض، الغريب بيسر وسلاسة فاللوحة يكاد ينتهي حضورها منذ ان تنتهي رؤيتها في الرواق! أثناء تجوالي وتأملاتي للمعرض، لاحظت مدى إقبال الجالية التونسية وعمالنا العائدين من الخارج على مناظر جامع الزيتونة وسيدي محرز وصحراء دوز... كذلك شغف أشقائنا من الجزائر وليبيا بأضواء المدينة وحيطانها الكلسية الناصعة وروعة المقامات الشريفة يطوف اليمام بساحاتها (فنيا) وذلك على حساب لوحات حديثة الانشاء في تلوينها وتكوينها اتسمت بالحرفية المفرطة في اظهار زهو الحصان وخيلائه، ونقاوة الندى المرصع على وريقات البنفسج او الجدار المتقشر والمطلي بالحناء للتبرك على عادة أهل تونس انه رسام راسخ كالصنوبر لا يفكر خارج ألوانه، ولا يستهويه الانبتات وركوب الموضات العابرة، على اعتبار ان الابداع لا يشع الا في سياق ولا ينهض الا بأسلوب وان كان هذيانا لونيا او عبثا شكليا مثلما هو السائد في الحركة الغربية الآن. ويبدو جليا ان هاجس رسامنا المحتفى به، التجريد في خانة المجسد وهو خيار جمالي في مسيرة يقودها الواقع، ولكن لا يحاكيه بالتشبيه المطابق، بل تراه ينزه الاشياء عن اسمائهااللصيقة بها عله يشارف أفق اللون فيما وراء تعابيره الوصفية، وبذلك يؤسس لرؤية خاصة ومحاسن متميزة بالتفرد في بلد يعجّ بالمبدعين، والتحية في هذا السياق الى السيد المدير العام للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه (عبد العزيز المبروك) لما قدمه من دعم معنوي شد أزر الرسام وهيأ أسباب نجاح المعرض جماهيرياو وهي بادرة تذكر فتؤثر حسبما جاء في نشرية المعرض. يقول الرسام بول سيزان جريا على نسق ما شاهدناه في رسوم حسين عطى (تنعكس الطبيعة وتتشخص تتصور نفسها داخلي أموضعها أختطها وأثبتها في لوحتي ألون وعيها الذاتي ويكون عملي وعيها الموضوعي).