أحيل خلال الأيام القليلة الماضية أمام احدى الدوائر الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس ثلاثة شبان لم يتجاوز أكبرهم الثلاثين من العمر من أجل تورطهم في جريمة تدليس عملة رائجة بالبلاد التونسية والمشاركة في ذلك. وحسب وقائع القضية فإن أحد الشبان اتفق مع صديقه بطباعة عدد من الأوراق المالية بعد نسخ أوراق أصلية عبر ماسح ضوئي. وبالفعل تم الاتفاق واشتريا للغرض جهاز ماسح (Scanner) وقاما بتركيبه وربطه بجهاز كمبيوتر شخصي ثم في مرحلة أخرى قام أحدهما وهو متخصص في الاعلامية بنسخ عدد من الأوراق المالية التونسية من فئة عشرة دنانير وعشرين وثلاثين دينارا عبر الماسح الضوئي ثم عالج صورها على شاشة الكمبيوتر وفي مرحلة أخيرة بدأ بطباعتها على ورق عادي وقاما بنسخ كمية من الأوراق المستخرجة وطباعتها. وهكذا أصبح الصديقان من مالكي مئات الدنانير المزيفة. في أول فرصة لترويج هذه المبالغ المفتعلة توجه أحدهما واشترى كمية من علب السجائر من أحد المحلات المعدة للغرض. دون أن يتفطن صاحب المحل إلى فساد مصدر المبلغ المالي المقدم له وفي مرحلة ثانية توجه المتهمان نحو أحد معارفهما وأبلغاه برغبة أحدهما في شراء بعض الأدباش من النوع الرفيع وطلبا منه التوسط في الأمر لدرايته وعلاقاته بمغازات بيع الملابس الجاهزة. وبالفعل أحضر المتهم الثالث جمازة وطلب منهما مبلغ 150 دينارا فقدماه له من الأوراق المفتعلة فتمت الصفقة بهدوء ودون أي اشتباه في الموضوع، إلا أنه بعد يومين تفطن المتهم الثالث لفساد مصدر المبالغ المالية التي قدمها له صديقاه فحاول ارجاعها لهما لكنهما ظلا يماطلانه ويعدانه باستبدالها أو ارجاعه الجمازة. ولم يحاول هذا الشاب المتضرر إلى حد هذه المرحلة الاتصال بأعوان الأمن وابلاغهم بالأمر، بل توجه نحو احدى المحلات وحاول بدوره ترويج تلك الأوراق النقدية المدلسة إلا أن صاحب المحل تفطن للموضوع وقام في الحين بابلاغ المحققين من رجال الأمن الذين تمكنوا من القاء القبض على المتهم وجلبه إلى مركز الشرطة. وبالتحرير عليه اعترف بمسكه الأوراق المالية المزيفة كما اعترف بهوية المتهمين الأول والثاني وصرح بأنه تعرض إلى عملية تحيل من قبلهما دون أن يعلماه بفساد مصدر المبلغ المالي كما أفاد بأنه حاول ترويج تلك المبالغ حتى يتجاوز الضرر الذي حصل له، وبناء على المعلومات التي أدلى بها توجه المحققون نحو سكنى المتهمين وألقوا عليهما القبض. وقد اعترفا أثناء التحقيق معهما بكل تفاصيل الجريمة وبدور كل منهما في ما اقترفاه فتمت احالتهما على أنظار أحد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس. حيث تراجع المتهم الثالث عن أقواله المسجلة عليه لدى باحث البداية مصرحا من جديد بعدم علمه بفساد مصدر الأوراق النقدية المقدمة اليه وأن كل ما في الأمر أنه كان يشتغل بالأعمال التجارية، وأنه حاول شراء بعض الأدباش باستعمال نفس المبلغ المالي الذي تسلمه من المتهمين الأول والثاني اللذين تمسكا باعترافاتهما وأقوالهما التي أدليا بها لدى باحث البداية. وبعد انهاء الأبحاث في شأنهما قررت النيابة العمومية اصدار بطاقات ايداع بالسجن ضد المتهمين الثلاثة بعد أن وجهت لهم تهم تدليس عملة رائجة بالبلاد التونسية والمشاركة في ذلك، وهو ما أبدته دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس التي قررت احالتهم على أنظار احدى الدوائر الجنائية المختصة لمقاضاتهم من أجل ما نسب إليهم. وبمثولهم خلال الأيام القليلة الماضية أمام هيئة المحكمة، تمسك المتهمون بأقوالهم التي صدرت عنهم لدى قلم التحقيق فيما تراجع المتهم الثالث عما سجل عليه أمام باحث البداية. من جهته تمسك لسان الدفاع بالطعن في نصوص الاحالة ولائحة الاتهام واعتبر أن التدليس يفترض اجراء تعديلات على الأصل أو القيام بما يشبهه. وفي قضية الحال قام المتهمون بنسخ الأصل دون أن يكون شبيها له وبالامكان تمييز ذلك بسهولة خاصة أمام نوعية الورق التي لم تكن غير ورق عادي يمكن التفطن اليه بيسر. وطلب على أساس ذلك تحوير لائحة الاتهام وفصولها من التدليس إلى التحيل، فيما طلب القضاء بعدم سماع الدعوى في خصوص المتهم الثالث لعدم وجود أي دليل قاطع على ادانته وبالتالي انتقاء مقولة الجزم في ثبوت التهمة في المادة الجزائية. ممثل النيابة العمومية تمسك بالمحاكمة طبق فصول الاحالة ولائحة الاتهام لتقرر في الختام هيئة المحكمة بعد المفاوضة القانونية التصريح بالادانة وسجن المتهمين الثلاثة.