يشهد الحزب الجمهوري واليمين الأمريكي المحافظ انقساما متزايدا بين السياسيين والمفكرين والنقاد الرئيسيين تجاه سياسات الرئيس جورج بوش في العراق في أعقاب الخسائر المتلاحقة بين قوات الاحتلال الأمريكي في العراق. فالحرب الأمريكية على العراق أصبحت الضربة القوية التي كان يخشاها بعض الجمهوريين، فمنذ يوم الأحد الماضي قتل ما يزيد عن 40 أميركيا في العراق فيما أكياس جثث القتلى الأمريكيين تنشر على الصفحة الأولى للصحف الأمريكية الرئيسية من بينها صورة لجثة متفحمة لأحد المرتزقة الأمريكيين في العراق. وتنشر شبكات التلفزة الأمريكية في نشراتها الليلية صورا لقبور الموتى الأمريكيين. وقال تشارلز كوك محرر تقرير كوك السياسي أنه «إذا أصبح لدينا أسبوعان أو ثلاثة أسابيع من هذه الصور فإنك ستبدأ برؤية الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس الذين لم ينتقدوا قط الرئيس بوش وسياسة حكومته تجاه العراق يبدأون في اتباع هذا الطريق. ويشعر البيت الأبيض في مواجهته للانقسام في صفوف الجمهوريين بالقلق من ذلك. ومنذ زمن فإن المنتقدين داخل الحزب الجمهوري بشأن السياسة الأمريكية تجاه العراق أخذوا يرفعون أصواتهم أكثر في إدانة هذه السياسة. فقد اقترح الرئيس الجمهوري للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي ريتشارد لوغار بقوة بأن تعيد حكومة بوش النظر في الموعد النهائي الذي حددته لنقل السلطة إلى العراقيين وهو الثلاثين من شهر جوان المقبل، وقال «كيف يمكنك أن تعرف عندما يأتي 30 جوان، إن حربا أهلية لن تحدث؟» مضيفا بأن قوات الاحتلال الأمريكي «لم تقم بنزع سلاح كل هذه الميليشيات التي تمتلكها هذه المجموعات الدينية في أماكن مختلفة، فهم لا زالوا مسلحين ومستعدين للقتال.» وقد أخذ المنتقدون المخلصون للبيت الأبيض يتحدثون علنا أيضا، فقد كتب المعلق اليميني في صحيفة واشنطن بوست جورج ويل يوم الأربعاء الماضي «إن القوات الأمريكية في العراق غير كافية.» علما أنه يوجد نحو 135 ألف جندي في العراق إلى جانب 24 ألف من جنود دول حليفة للولايات المتحدة. ويزداد الضغط على حكومة بوش لزيادة نشر قوات إضافية في العراق، ولكن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تقول أنها تعتزم تخفيض قواتها في العراق إلى نحو 105 آلاف جندي مع حلول الثلاثين من يونيو المقبل. غير أن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد أبلغ يوم الخميس نحو 70 عضوا في الكونغرس أنه مستعد لإرسال مزيد من الجنود إلى العراق إذا طلب القادة العسكريون الميدانيون ذلك. وقد طالب العديد من أعضاء الكونغرس إرسال المزيد من القوات إلى العراق. ويواصل البيت الأبيض الادعاء بأن معظم العراقيين يؤيدون الوجود الأمريكي في العراق، ولكن حتى بعض المحافظين المتطرفين من المؤيدين للرئيس بوش أخذوا يعربون عن شكوكهم. وقال بيل أورلي من فوكس نيوز ليلة الثلاثاء الماضي «إنني لا أتقبل هذا الذي يقال من أن العراقيين يقفون في جانب الأمريكيين الآن.» ووصف أورلي مرارا وتكرارا ما يجري حاليا بأنه «حرب ثانية في العراق» وقال «إنني أعتقد أنه يتعين على رامسفيلد أن يوضح الكثير في هذا الشأن. فقد كانت هناك أخطاء كثيرة هي التي تؤدي الآن إلى قتل الجنود الأمريكيين.» كما أن المنتقد المحافظ والعضو الجمهوري السابق في الكونغرس جو سكاربورو من شبكة إم إس إن بي سي كان أشد انتقادا في برنامجه يوم الثلاثاء الماضي حين قال «هل نحتاج لمزيد من القوات في العراق؟ نعم... نحتاج... وهل سيمدد موعد 30 يونيو لتسليم السيادة إلى العراقيين؟ إنك تستطيع المراهنة بحياتك على ذلك.. لأن إيجاد هذا الموعد النهائي الزائف في وقت انتخابات رئاسية لا يشكل سبيلا لكسب الحرب.» أما مرشح الرئاسة الديمقراطي جون كيري فقد وصف يوم الأربعاء الماضي موعد 30 جوان بأنه «تعسفي» واتهم الرئيس بوش بعدم تزويد «الأمريكيين بفهم شامل لمن سنسلم السلطة وما هي النتائج التي ستسفر عن ذلك بالضبط.» ولا يعتبر انتقاد كيري مفاجأة ولكن سماع صدى هذا الانتقاد يصدر عن قادة في حزب بوش نفسه وكبار النقاد والمفكرين المحافظين يعتبر مشكلة قد يكون لها تأثيرات خطيرة على آمال الرئيس بوش بالفوز بإعادة انتخابه. وقال كوك «الآن، وعندما لا تسير الأمور جيدا فإن النقاد الجمهوريين أصبحوا أكثر علنية في انتقاداتهم.» وقال العضو الجمهوري البارز في مجلس الشيوخ تشاك هاغل يوم الثلاثاء الماضي أنه «لم يبق لدى حكومة بوش سوى القليل من الخيارات الجيدة « فيما يتعلق بالعراق، وأن عواقب ذلك هي أن البيت الأبيض قد حفر خندقا قد لا يستطيع الخروج منه بدون أن تتلوث يداه بالقذارة. ويرى محللون أن أساس حملة بوش لإعادة انتخابه هو تصويره كقائد عام ثابت للقوات المسلحة يخوض بنجاح الحرب على الإرهاب، حيث تصور حكومته الحرب على العراق جزءا من تلك الحرب. وتضيف نتائج استطلاع مركز بيو الدولي التي أظهرت أن أكثر من 60 بالمائة لا يوافقون على معالجة بوش للوضع في العراق المزيد للمعضلة التي تواجه الحزب الجمهوري. وفي يوم الانتخابات سيكون هناك مزيد من الأخطار للجمهوريين وليس للبيت الأبيض فقط. وقال كوك في معرض انتقاده لحرب أميركا على العراق «لأول مرة في هذه الدائرة الانتخابية توجد شكوك بشأن ما إذا كان الجمهوريون سيتمكنون من التماسك والسيطرة على مجلس الشيوخ،» وأضاف «وسواء وافق المرء على دخول هذه الحرب أم لا فإنه من الصعب القول أن الحرب تجري بشكل جيد.»