عبثا أحاول الارتقاء بفهمي لأدرك عبقريّة معارضتنا الجليلة... عبثا أحاول أن أفهم أو أتفهّم أو أتحسس منطلقا تهم الديمقراطية لأبرّر بها ولو نسبيّا مواقفهم السياسية القادمة على أطباق طائرة من فضاءهم الايديلوجي الموغل في التعصّب، لتصبح الديمقراطية عندهم في ماهيتها احترام رأي الأقلية فقط أمّا الأغلبيّة فالتذهب إلى الجحيم. لتصبح هذه الأقلية المنبتة في مرجعيتها وتصوّرها هي المحدّدة المفاهيم والأسس والخيارات وعلى الأغلبيّة أن تحترق عند معابدهم حدّ الذوبان ثم تصبّ نفسها في قوالبهم الجاهزة ليصبح المشهد في منتهاه، أغلبيّة تخون ثقة الشعب فيها وتسلم رقبته لأقلية رفضها بقوّة حتى هزّها فراحت" تراجع، وتحالف، وتنصهر". إنّ الإذعان لهذا المنطلق لهو عين الخيانة لهذا الشعب ولثورته ولطموحه من أجل غد أفضل يتصالح فيه مع ذاته وهويته وحقّه الطبيعي في أن يعيش حرّا كريما. إنّ ما تسعى إليه معارضتنا اليوم هو سياسة "الرابح دائما" فهي إن فازت في الانتخابات ستكون المحدّد للخيارات بمنطق حكم الأغلبية وهي إنّ خسرت ستكون المحدد أيضا وذلك بمنطق احترام رأي الأقليّة. سياسة غريبة ومنطق أغرب. حينما تتحول الديمقراطية إلى مجرد لهو "كلامي"، سفسطة تبرّر الشيء ونقيضه تصبح الأغلبية فيه مطالبة أن تراعي حدود وقوالب الأقليّة وإلا اتهمت بالاستبداد، ما أقرب هذا المنطق "بسرير بروكوست". بروكوست هذا اللصّ الذي كان يقطع الطريق فيضع ضحاياه على سرير فمن كان طول أطرافه أقلّ من طول السرير شدّها بحبال إلى الخيل ومطّطها حتى خلعها، ومن زادت أطرافه على طول السرير قطعها، فلا ينجو إلا من تناسب طوله وطول سريره الأسطورة. هيّ السياسة ذاتها، وهو المنطق ذاته منطق تتغوّل به أقليّة سياسية على أغلبيّته شعبية، ليجد الشعب نفسه قد تخلّص من نظام مستبدّ كان يحكم بفعل التزوير في النتائج إلى نظام لا يقلّ استبدادا بفعل التزوير في المفاهيم. وهو الأخطر لأنّ الأول كالقاتل المتوحّش البشع الذي لا يستحق جهدا ليدرك الناس جرمه أمّا الثاني فهو كالقاتل الأنيق المهذّب الوسيم، يقتل في صمت وهدوء ويمرّ لضحيّته الموالية. من اجل هدا أحسبُ أن البعثات العربية والأوروبية والأمريكية المراقبة لنزاهة الانتخابات يجب أن تطوّر من أساليبها وآلياتها لتصبح قادرة على مراقبة المفاهيم بعد أن كانت تراقب النتائج.واحسب ان معارضتنا الموقرة مدعوة للاسراع فى القيام بالايداع القانوني لبراءة اختراعهم الجديد فى مفهوم الديمقراطية جمال العرفاوى