بين الجسم الهولامي المجهول والطربوش المعلوم مرة ثانية.. من المسؤول عن الفوضى والفلتان الأمني في تونس؟ كتبت بالأمس متسائلا من يقف وراء الفوضى والفلتان الأمني في تونس؟. وقادني اجتهادي ومتابعتي المستمرة لما يجري في البلاد ومعرفتي بظروف تونس بعد الثورة، وخاصة ما بعد انتخابات الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي، إلى تقديم جواب اجتهدت فيه، وقد أكون مخطئا. وقلت إن المحرك الحقيقي والفعلي للفوضى والفلتان الأمني هم بقايا التجمع ورجال الأعمال الفاسدون وبقايا البوليس السياسي وكل المجرمين المورطين في الدم أو في نهب الأراضي والعقارات وكل آكلي المال الحرام، المرعوبين من المحاسبة والعقاب.. وقلت إن اليسار الفاسد (لا كل اليسار طبعا) ليس إلا غطاء سياسيا وناطقا علنيا باسم كل ذلك الطيف الهولامي الوسخ.. بعض الأصدقاء اعتبروا أن تفسيري قد أهمل الواقع وما فيه من فقر وخصاصة ومشكلات اجتماعية كثيرة. وفي الحقيقة أنا لم أنف وجود الفقر ولم أنكر وجود مشكلات حقيقية يعاني منها الكثير من التونسيين. ولم أنف أن هناك كثيرين يخشون من أن تمر الفرصة دون أن يستفيدوا وتستفيد مناطقهم، فيضغطون على الحكومة حتى تلتفت إليهم الآن وليس غدا.. لا أنفي أي شيء من هذا.. وهؤلاء وأولئك موجودون، والتربة خصبة للتحرك ومناسبة لإشاعة الفوضى. ولكني أرى أن هذا لم يهبط فجأة من السماء مع قيام الحكومة المنتخبة.. كان موجودا قبلها بعقود وسنين وأشهر.. فلماذا تفجر كله دفعة واحدة في وجه الحكومة المنتخبة؟ هل تفجر بالصدفة أم بفعل فاعل؟ ومن يكون هذا الفاعل؟ ولماذا يقوم هذا الفاعل بفعله المشين الآن؟ هنا السؤال الحقيقي، سؤال من يقف وراء كل هذا ويحركه ويحث عليه أولئك الذين سكتوا أيام حكومة الباجي قايد السبسي وقبلها حكومة الغنوشي وقبلها ابن علي.. الموضوع في نظري ليس وجود المشاكل والتربة الخصبة.. الموضوع من يستغل تلك المشاكل وتلك التربة الخصبة ويحرك الناس على أساسها؟ من يفعل ذلك بحسب اجتهادي (وقد أكون مخطئا) هم بقايا الاستبداد والمورطين في الدم والفساد والمرعوبين من المحاسبة.. هؤلاء هم الجسم الرئيسي للحراك الفوضوي المدمر. وقد تحدث البارحة السيد رئيس الوزراء عنهم وعن أموالهم الكثيرة التي تستخدم لبث الفوضى والفلتان الأمني وقطع الطرقات. ثم يأتي الغطاء السياسي أو الطربوش أو رأس جبل الجليد، وهو الكثير من قوى اليسار والعديد من الأحزاب الخاسرة.. هذه تعطي غطاء سياسيا لمجرمين لا غطاء سياسي لهم.. هذا كل ما عنيته. أما عن ضرورة اقتراب الحكومة من شعبها ومصارحته والتلطف معه وتوضيح الأمور له، فهذا أمر مطلوب بل واجب.. وأرى أن عددا من الوزراء يقومون بذلك بشكل رائع.. ولكن لأن الأمور مسيسة جدا وخلف بعضها على الأقل عصابات ماكرة، فانظر ماذا حصل في سيدي بوزيد: اعتصم مئات الناس فوق سكة القطار لتعطيل نقل الفوسفاط من قفصة.. ذهب وزير النقل السيد عبد الكريم الهاروني للمعتصمين وأقنعهم بعد حوار طويل بضرورة رفع الاعتصام فرفعوه، لكن مجموعة من 20 أو 25 أخذت خيامها وابتعدت 100 متر عن مكان الاعتصام الأول واعتصمت من جديد.. ليس بوسع الوزراء أن يبقوا يتنقلون من اعتصام لاعتصام ومن قرية لقرية ومن شارع لشارع ومن دوار لدوار لفض الاعتصامات.. إن فعلوا ذلك يسقطون في مطب آخر هو أن يكونوا مجرد مطفئي حرائق، ولا يغيرون في وزاراتهم شيئا، وهذا مقصود لذته حتى لا تفتح الملفات ولا يحاسب الفاسدون.. من ينظم كل هذا الإرباك للوزراء وللحكومة؟ كان جوابي أو اجتهادي في الجواب: المجرمون والفاسدون والخائفون من الاستقرار والمحاسبة هم الجسم الرئيس للفوضى، واليسار الفاسد (وليس كل اليسار طبعا) هو غطاؤهم السياسي.. إننا أمام جسم هولامي مكون من أصناف شتى من المجرمين والفاسدين من بقايا النظام السابق، ورأس علني معروف هو اليسار.. وهذا اليسار مجرد طربوش أو طرطور. Noureddine Aouididi