حالة من الذهول والصدمة يعانيها المربع العلماني المصري والعربي بألوانه المختلفة ، مشهد لم يكن متوقعاً ولا وارداً في ذهنه ولا ذاكرته على الإطلاق ، الإخوان على مقاعد الأغلبية داخل البرلمان المصري أعرق برلمانات المنطقة والعالم ، ما الذي يحدث ؟ هل هذا واقع أم حلم أم كابوس ؟! ، وضعت كل الحواجز والموانع بل وحقول الألغام في طريق الإخوان ، نظم استبدادية حكمت لعقود طوال ، دعمتها كل القوى الخارجية بالمال والإعلام بغض الطرف عن تزوير الانتخابات وتجميد أو الإطاحة بالحريات والديمقراطيات ، وكل القوى الداخلية العلمانية بأجنحتها المختلفة " اليسارية والقومية والاشتراكية حتى بعض الإسلامية " بالتشويه والتشكيك والافتراء بل والتحريض ، تعاملت معها النظم بالقمع و إهدار الحقوق ومصادرة الممتلكات ، بالاعتقالات الإدارية والمحاكمات العسكرية والتصفيات الجسدية ، المهم ألا تترك الإتاحة والساحة للإخوان ، حتى شاءت إرادة الله نصرة لإرادة الشعب فكانت الثورة وكان الاختبار الديمقراطي الأول ، راهن المربع العلماني – كعادته – على رهانات فاشلة ، تيار راهن على التاريخ ، والتاريخ وحده لا يكفي "حزب الوفد" ، وتيار راهن على شريحة من المجتمع دون سواها " الرهان اليساري على شريحة العمال" غافلاً أن التركيبة المجتمعية قد غيرتها نظم الاستبداد والفساد على مر العقود ، وتيار راهن على التخويف والترويع من وصول القطار الإسلامي المهدد لمكونات الحياة ، السياحة والرياضة والفن والاستثمار ، متجاهلاً اللياقة الفكرية والذهنية لشعب يقظ متحضر تجاوز الخوف وأقبل على الحياة والحرية ، راهن البعض على تعطيل مسار الانتخابات بل نسفها إن أمكن ، لكنها تمت وبتقدير جيد جداً ، وراهن البعض على تقديم شرعية الميدان على شرعية البرلمان بل والتقدم في الاتجاه الخاطئ بتحريض الشباب على منع النواب من دخول البرلمان ، فكانت الجلسة الأولى تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، جلسة شاهدها العالم وخلت فيها الشوارع من المارة جلوساً أمام الشاشات ، حاول البعض إثارة الصخب والشغب والمزايدة تصفية للحسابات التاريخية وإرسال للبرقيات الخارجية – خارج المجلس – نجحت الجلسة البرلمانية الأولى فترك البعض جلسة البرلمان وآثر العودة للكاميرا والفضائيات ، يبكي على اللبن المسكوب والحريات المهددة والتوافق المفقود ، محاولات لفرض الوصاية والابتزاز ، على نفس الخط انضمت بعض فضائيات رجال المال والأعمال ، توشحت مذيعاتها السواد وكأننا في مآتم واستضافت ألسنة الفتنة وشق الصف ، وراح الجميع ينعي الديمقراطية والحرية والحداثة والتنوير بل اتهم بعضهم الشعب بعدم النضج وانه سيجني ثمرة سوء خياراته! ، التيار العلماني لا يتعلم ولا يمتلك مقومات التعلم ، يغمض عينيه وأذنيه وعقله وربما قلبه حتى لا يري ولا يسمع ولا يفهم إلا نفسه ثم يفاجئ بالصفعات المتتالية رفض شعبي متكرر وفي المقابل : نعم للإسلاميين ، يكرر نفس الأخطاء ويحصد نفس الإخفاقات ، التيار العلماني آخذ كل فرص النجاح وحقق كل نتائج الفشل ، وفي نفس الوقت يحاول حرمان التيار الإسلامي - خيار الشعب - من تحويل بعض فجوات الفشل إلى فرص للنجاح ، يمر الوقت وتتكرر المواقف ثم يفيق التيار العلماني على هول الصدمة مستدعياً نفس المشاهد ، غبار إعلامي كثيف يغطي مظاهر الإخفاق والفشل . مدير مركز النهضة للتدريب والتنمية*