الصحة العالمية.. استهلاك الملح بكثرة يقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    عُثِرَ عليه بالصدفة.. تطورات جديدة في قضية الرجل المفقود منذ حوالي 30 سنة بالجزائر    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    السلطات الاسبانية ترفض رسوّ سفينة تحمل أسلحة إلى الكيان الصهيوني    الديبلوماسي عبد الله العبيدي يعلق على تحفظ تونس خلال القمة العربية    يوميات المقاومة .. هجمات مكثفة كبّدت الاحتلال خسائر فادحة ...عمليات بطولية للمقاومة    فتحت ضدّه 3 أبحاث تحقيقية .. إيداع المحامي المهدي زقروبة... السجن    المنستير .. المؤبّد لقاتلة صديقها السابق خنقا    في ملتقى روسي بصالون الفلاحة بصفاقس ...عرض للقدرات الروسية في مجال الصناعات والمعدات الفلاحية    رفض وجود جمعيات مرتهنة لقوى خارجية ...قيس سعيّد : سيادة تونس خط أحمر    دخول مجاني للمتاحف والمواقع الأثرية    ارتفاع عجز الميزان الطاقي    دغفوس: متحوّر "فليرت" لا يمثل خطورة    العدل الدولية تنظر في إجراءات إضافية ضد إسرائيل بطلب من جنوب أفريقيا    تعزيز نسيج الشركات الصغرى والمتوسطة في مجال الطاقات المتجددة يساهم في تسريع تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي قبل موفى 2030    كاس تونس - تعيينات حكام مباريات الدور ثمن النهائي    الترفيع في عدد الجماهير المسموح لها بحضور مباراة الترجي والاهلي الى 34 الف مشجعا    جلسة بين وزير الرياضة ورئيس الهيئة التسييرية للنادي الإفريقي    فيفا يدرس السماح بإقامة مباريات البطولات المحلية في الخارج    إمضاء اتّفاقية تعبئة قرض مجمع بالعملة لدى 16 مؤسسة بنكية محلية    وكالة (وات) في عرض "المتوسط" مع الحرس .. الموج هادر .. المهاجرون بالمئات .. و"الوضع تحت السيطرة" (ريبورتاج)    طقس الليلة    سوسة: الحكم بسجن 50 مهاجرا غير نظامي من افريقيا جنوب الصحراء مدة 8 اشهر نافذة    القيروان: إنقاذ طفل إثر سقوطه في بئر عمقها حوالي 18 مترا    تأمين الامتحانات الوطنية محور جلسة عمل بين وزارتي الداخليّة والتربية    كلمة وزير الخارجية التونسي نبيل عمار أمام القمة العربية    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    توزر: تظاهرة احتفالية تستعرض إبداعات أطفال الكتاتيب في مختتم السنة التربوية للكتاتيب بالجهة    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    صفاقس تستعدّ للدورة 44 لمهرجانها الصيفي    صفاقس: هدوء يسود معتمدية العامرة البارحة بعد إشتباكات بين مهاجرين غير نظاميين من دول جنوب الصحراء    وزارة الفلاحة توجه نداء هام الفلاحين..    "فيفا" يقترح فرض عقوبات إلزامية ضد العنصرية تشمل خسارة مباريات    جندوبة: وزير الفلاحة يُدشن مشروع تعلية سد بوهرتمة    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    هل سيقاطعون التونسيون أضحية العيد هذه السنة ؟    106 أيام توريد..مخزون تونس من العملة الصعبة    اليوم : انطلاق الاختبارات التطبيقية للدورة الرئيسية لتلاميذ الباكالوريا    سوسة: الإطاحة بوفاق إجرامي تعمّد التهجّم على مقهى بغاية السلب باستعمال أسلحة بيضاء    ناجي الجويني يكشف عن التركيبة الجديدة للإدارة الوطنية للتحكيم    المعهد الوطني للإحصاء: انخفاض نسبة البطالة إلى حدود 16,2 بالمائة    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    رئيس الجمهورية يبحث مع رئيس الحكومة سير العمل الحكومي    قيس سعيد يُؤكّد القبض على محام بتهمة المشاركة في وفاق إرهابي وتبييض أموال    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    محمد بوحوش يكتب...أدب الاعتراف؟    الخُطوط التُونسية في ليبيا تتكبد خسائر وتوقف رحلاتها.    بطولة اسبانيا : أتليتيكو يهزم خيتافي ويحسم التأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    إصدارات.. الإلحاد في الفكر العربي الإسلامي: نبش في تاريخية التكفير    زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    استشهاد 3 فلسطينيين بنيران جيش الاحتلال في الضفة الغربية    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد مواعدة في حديث شامل : هكذا كانت علاقتي ببن علي...وأدعو الباجي إلى عدم الوقوع في الفخ
نشر في الفجر نيوز يوم 05 - 02 - 2012

كيف يقرأ مسار الانتقال الديمقراطي؟ وكيف يحلّل مجريات الأحداث منذ 14 جانفي إلى اليوم ؟ وكيف يستشرف مستقبل الحياة السياسيّة في تونس؟ وكيف ينظر إلى مستقبل حركة الديمقراطيين الاشتراكيين؟ ....السيّد محمّد مواعدة يجيب عن هذه الأسئلة وغيرها في هذا الحديث. التجربة الواسعة التي يمتلكها السيّد مواعدة تتركه دوما محلّ انتظارات متابعي الشأن السياسي الوطني ، حتى يقدّم الرجل موقفا وقراءة وتحليلا لمجمل ما يدور من أحداث ووقائع ومستجدات في علاقة بالواقع السياسي الحالي والاستشرافات للمستقبل.
الذي يستمع للسيّد مواعدة يشعر بآلام تعتصر الرجل ، آلام كأنّه يخشى من الإفصاح عنها إذ يبدو متماسكا أمامك ولكن العبارات تنكّ عن كلّ تلك الاحساسات التي تتملّك رجلا عاش من أجل الديمقراطيّة والتعددية والحريات وكان مساهما فاعلا ضمن سياقاته التونسيّة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي ، لكن لماذا اندفع الرجل في فترة ما إلى مباركة الرئيس السابق ولماذا انخرط في جوقة المهللين؟..هل ملّ الرجل السياسة والنضال؟ هل ركبه اليأس أم ماذا تحديدا؟ استفسارات لم نطرحها مباشرة على محدّثنا بل كانت آثارها واضحة في متن هذا الحديث.
كيف تقرؤون الوضع الحالي في البلاد؟
تعيش بلادنا حاليا مرحلة انتقال ديمقراطي شامل ، ومن المعلوم أن هذه المراحل الانتقالية معقدة ودقيقة ذلك أن مجتمعنا كان يعيش ويمارس ثقافة الحزب الواحد والحاكم الواحد الأوحد منذ استقلال تونس سنة 1956 إلى انطلاق ثورة الكرامة والحرية يوم 17 ديسمبر 2010 وسقوط النظام السابق يوم 14 جانفي 2011.
والانتقال من هذه الثقافة الأحادية إلى ثقافة ديمقراطية تعددية ليس بالأمر السهل... وأعتقد أن استعمال مفهوم «ثقافة» ليس اعتباطيا بل هو مقصود وأعني الثقافة بالمفهوم الأنطروبولوجي الشامل .. فكرا وسلوكا وممارسة.
وأعتقد أن عدم إدراك خصوصية المراحل الإنتقالية لدى أغلب الفاعلين في حياتنا السياسية الذي زاد في تعقيد الوضع ... هذا مع التأكيد على أن لكل مجتمع ظروفه وخصوصياته التاريخية والحضارية والثقافية. واعتمادا على هذا التصور فإن الوضع الحالي ببلادنا يشهد حراكا شاملا وعنيفا أحيانا... وتجاذبات متنوعة ومختلفة وصراعات... وحوارات تتجاوز أحيانا آداب الحوار ومتطلباته.
لكن لا بد من التأكيد على الجوانب الإيجابية والإنجازات التي تحققت في المجال السياسي والتي يشهد بها الجميع وإن بنسب مختلفة.
أما في المجال الإقتصادي والإجتماعي فكان من المفروض والواجب أن تقوم الحكومات المتعاقبة منذ 14 جانفي 2011 بتجسيم المطالب والحاجيات والضروريات المتأكدة التي يطالب بها الشعب وخاصة في الجهات والمناطق المحرومة... وأؤكد على الضروريات المتأكدة والعاجلة في إنتظار القيام بالإصلاحات الشاملة والتي تحتاج إلى وقت وتخطيط وإمكانيات.
وفي هذا الإطار لم أفهم أبدا كيف تبقى قضية شهداء الثورة والجرحى... والإستجابة لحاجيات المناطق والعائلات المنكوبة ... تبقى قائمة إلى اليوم. ولم تتجاوز الحكومات السابقة منذ 14 جانفي 2011 الوعود البراقة والبيانات الرنانة.
كذلك لم أفهم أبدا لماذا لم تسارع هذه الحكومات إلى الشروع في القيام بإنجازات عملية وملموسة ولو بصورة محدودة لكنها صادقة تؤكد للشعب بداية الإستجابة لمطامحه ومطالبه الضرورية والتي كانت سببا مباشرا إضطرت الشهيد البوعزيزي للقيام بما قام به من عمل بطولي نادر ولأبناء سيدي بوزيد وأبناء القصرين ... وسليانة .... وبقية الجهات والمناطق .. للقيام بالثورة الشاملة.
هل نحن فعلا اليوم إزاء ديمقراطية وتعددية حقيقيّة؟
مادمنا نعيش مرحلة إنتقالية فنحن في الطريق إلى تجسيم ديمقراطية تعددية حقيقية. فالمجتمعات التي تعيش حالة ديمقراطية تعددية قضت قرونا وقرونا للوصول إلى ذلك... ومازالت لم تبلغها ، وأعتقد أن الديمقراطية التعددية الحقيقية هي نموذج مجتمع صعب المنال إن لم نقل مستحيل التحقيق... ويكفي أن نتابع حال الديمقراطيات القائمة وما تعيشه من أزمات حتى نتأكد من ذلك.
وما هي نظرتكم الاستشرافيّة لمستقبل الحياة السياسيّة والحزبيّة؟ وهل لديكم تخوّف من انحراف مسار الثورة والانتقال الديمقراطي؟
أعتقد أن مستقبل الحياة السياسية والحزبية هو مستقبل واعد وإيجابي نظرا إلى طبيعة مجتمعنا وخصوصياته الحضارية والتاريخية والثقافية...ذلك أن الثقافة الإصلاحية عريقة في بلادنا منذ قرون ويكفي الإشارة إلى دستور قرطاج الذي أشاد به الفيلسوف اليوناني أرسطو (القرن الخامس قبل الميلاد ) وميزه عن دستور أثينا.
ويكفي أيضا التذكير بالمبادرات الإصلاحية التي إنطلقت في هذه الربوع خلال جميع العهود وخاصة الإسلامية.فتونس موطن إبن خلدون والطاهر الحداد والشابي والطاهر بن عاشور... إلخ.
يضاف إلى ذلك أن أبرز نتيجة وأهمها في نظرنا على الإطلاق من ثورة 17 ديسمبر 2010 تتمثل في افتكاك الشعب وأجياله الشابة الواعدة...افتكاكه لدوره وإسترجاعه لسلطته والتحكم المباشر في مصيره ومستقبله. وهذا في نظرنا الضامن الوحيد حاضرا ومستقبلا..وهو الذي يحمي تونس من أي تلاعب بثورته وأي إلتفاف حول مطامحها الشاملة والمشروعة فلا خوف بعد 17 ديسمبر 2010 على مسار الثورة أو إنحرافها...لكن كل الذي نشاهده حاليا من تجاذبات ومحاولات إستغلال الثورة ... كلها ظواهر مرتبطة بالمرحلة الإنتقالية... فقط المطلوب الوعي بخصوصية المرحلة... والصبر... والمثابرة.
إذن كيف تقرؤون الاحتجاجات والاعتصامات التي تعرفها عدّة جهات من الجمهوريّة؟
بالنسبة للإعتصامات والإحتجاجات التي تشهدها عدة جهات فهي من جهة تعبيرا عن حاجيات وضروريات إقتصادية وإجتماعية ملحة ... لكن وقع إستغلالها وتوضيفها من بعض الأطراف المعروفة...
هذه الأطراف التي لا يهمها إلا إرباك الوضع وتعميق التدهور ولو كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية . نعم. هناك من يحرص كل الحرص على إفشال الواقع السياسي القائم والحكومة الحالية المنبثقة عن إنتخابات سليمة وناجحة ، إفشالها ولو كان ذلك على حساب تونس...تمهيدا للانتخابات القادمة...
إن هذه الأطراف لا تدرك أن خطر هذا السلوك لا يفيد أحدا....إنه يفيد فقط التطرف بمختلف توجهاته ..وعندما تغرق السفينة لا قدر الله ... فالجميع سيغرق معها..
ولا أعتقد أن هنالك غباء أخطر من هذا الغباء... وأغتنم هذه المناسبة لأشير إلى أن هذه الإعتصامات والاحتجاجات لم تبرز الآن ...إنها انطلقت منذ عهد الحكومات السابقة .... والغريب أن تلك الحكومات لم تقم بما تقتضيه المصلحة الوطنية....وما تفرضه هيبة الدولة مع التذكير تاريخيا بأن تونس من بين البلدان العربية القليلة التي تعرف مفهوم الدولة وأهميتها ودورها وسلامة المجتمع ككل.
برغم تاريخكم النضالي فإنكم متّهمون بتدجين حركة الديمقراطيين الاشتراكيين لفائدة نظام الرئيس بن علي؟إضافة إلى أنكم كنتم من المقربين جدّا للرئيس بن علي خلال سنوات حكمه الأخيرة وإلى حدود يوم 14 جانفي 2012؟
علاقتي مع الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي خلعته الثورة وأطاحت به يوم 14 جانفي 2011 وتعاملي معه عرف مراحل عديدة ومتنوعة مما جعلني خصصت لذلك كتابا تحت عنوان «قصتي مع بن علي» سيصدر قريبا ويتضمن تفاصيل ومعلومات غير معروفة إطلاقا أشرت إليها بجزئياتها للأمانة والتاريخ... باعتبارها جزءا من تاريخ تونس في هذه المرحلة الحاسمة من حياتها.
كما أنني سأنشر قريبا رواية من أدب السجون تحت عنوان «الزنزانة رقم 7»، كما سأتناول قصتي مع بن علي في شهادة سأقدمها في مركز التميمي للبحث العلمي خلال الأسابيع القريبة القادمة ولكن لضيق المجال فسأكتفي بالإشارة إلى الجوانب التالية:
1) أنا مناضل وطني منذ الخمسينات وقد أشرت إلى هذه المرحلة من حياتي في فصل خاص في كتابي «قصتي مع بن علي» بعنوان «جذور» وقد شمل هذا الفصل مساري الوطني من الحزب الحر الدستوري إلى الحزب الإشتراكي الدستوري إلى حركة الديمقراطييين الإشتراكيين.
2) هذا التاريخ النضالي الوطني والسياسي لا يسمح لي أبدا بأن أكون إنتهازيا سواء في العهد البورقيبي أو في عهد بن علي والأحداث والمناسبات والشواهد الدالة على ذلك كثيرة.
3) عرف تعاملي مع بن علي عدة منعرجات منذ صدور بيان 7 نوفمبر وخاصة منذ أن إستقبلني يوم الجمعة 25 ديسمبر 1987 بطلب منه وختمت ذلك اللقاء الذي قارب الساعتين والذي أكد فيه على صداقتنا مستقبلا وعلى أن يأخذ رأيي كلما دعت المناسبة لذلك ... ختمت ذلك اللقاء بالقول «أشكرك على هذه الثقة وستكون صداقتنا طبقا للمقولة الإسلامية المعروفة «صديقك من صدقك لا من صدّقك» .
وقد حرصت على احترام هذه المقولة طيلة مراحل تعاملي معه.
4) المنعرج الحاسم في علاقاتنا كان مع الرسالة الشهيرة التي وجهتها لبن علي يوم 21 سبتمبر 1995 بعد أربعة أشهر من الانتخابات البلدية (ماي 1995) ورغم محاولات محمد الجري وعبد الله القلال ورفيق بالحاج قاسم خلال أربعة ليال قضيناها بقصر قرطاج مطالبينني بسحب هذه الرسالة فقد أصررت على عدم سحبها .
5) تم إيقافي يوم 10 أكتوبر 1995 بتهمة التعامل مع الأجنبي (النظام الليبي) ضد مصلحة تونس وتمت محاكمتي بعد ذلك وقضيت خمسة عشر شهرا في زنزانة إنفرادية رقم 7 بالسجن المدني 9 أفريل.
6) من أكتوبر1995 إلى مارس 2004 قضيت طيلة هذه السنوات بين السجن مرتين والإقامة الجبرية وشبه الجبرية.... تخللتها بعض الإنفراجات اغتنمتها للسفر إلى العديد من البلدان العربية والأوربية واصلت خلالها تأكيد مواقفي الوطنية من ذلك – وهو ما جاء في الرسالة بكامل الوضوح- التأكيد على خطورة انتشار الفساد والرشوة والمحسوبية ... وهي ممارسات أثارت بن علي أكثر من الجوانب السياسية المذكورة في الرسالة.
7) خلال هذه المدة عانت عائلتي (زوجتي رحمها الله وأبنائي) شتى أنواع القمع والمحاصرة الأمنية والمادية مما أدى إلى مرض زوجتي إلى أن توفيت وقد بترت رجلاها الاثنتان ... ولن أنسى أبدا الصورة التي عشتها عندما وضعت بنفسي جثمانها بالقبر وهي نصف جسد بكل ما في هذه الكلمة من معنى.
8) قام بن علي بإصدار عفو عني دون أن أطلب شيئا والإذن بإرجاع منحة التقاعد التي وقع حرماني منها طيلة السنوات الماضية.
9) إثر خروجي من هذه المحنة وتبعاتها الشاملة كانت أمامي أربع إحتمالات :
أ) مواصلة المواجهة وقد جربتها كاملة وفي أقصى الظروف.
ب) الخروج من تونس والعمل في مراكز الأبحاث والجامعات العربية ولكنني رفضت تلك العروض لأنني أفضل البقاء في تونس في زنزانة إنفرادية عوض حياة الراحة والرفاهة في الخارج.
ت) أن أبقى في تونس وأنسحب من النضال وأهتم بعائلتي وبأبحاثي الفكرية... وهذا ما سعى إليه بن علي بكل الوسائل والوساطات...
ث) أن أواصل النضال السياسي والميداني وهو إختياري القار والثابت. إن النضال الوطني عندي هو قضية وجودية .
وهذا التعامل السياسي الميداني يفرض التعامل مع بن علي في إتجاه الحرص على «ترويض» السلطة ودفعها تدريجيا للإصلاح طبقا لما جاء في بيان السابع من نوفمبر وفي نص الميثاق الوطني الذي ساهمت في تحريره.
طبعا التعامل السياسي يتضمن المد والجزر... التواصل والانفصال وهي طبيعة الأسلوب السياسي .
ج) استمر هذا التعامل بيني وبين بن علي إلى مراحله الأخيرة أي محاولات الترويض والاستدراج.
ح) أعترف بالنسبة إلي أنني أخطأت التقدير ولذلك إعتذرت لمناضلي حركتنا حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ومن خلالهم إلى الشعب التونسي وقواه الديمقراطية.
أنه إجتهاد خاطئ.... ولكنه إجتهاد وليس إنتهازية.
ومن إجتهد وأصاب فله أجران ومن إجتهد ولم يصب فله أجر واحد.
خ) هنالك سؤالان يفرضان نفسيهما على كل متابع للشأن الوطني خلال هذه المرحلة وهما :
1) من كان يتوقع حدوث ما وقع منذ إستشهاد البطل محمد بوعزيزي بمن في ذلك هؤلاء الثوراجيون الجدد؟
2) من كان يتوقع حدوث ما حدث يوم 14 جانفي 2011... بمن في ذلك الرئيس السابق نفسه ... وشهادات العديد من أبرز المسؤولين وفي مقدمتهم السيدان فؤاد المبزع ومحمد الغنوشي لأكبر دليل على ذلك.
«ح د ش» اليوم تعاني من انقسامات على خلفيّة تلك المواقف السابقة الداعمة للنظام السابق؟ وهل من الممكن أن تستعيد ح د ش موقعها المركزي في المشهد السياسي الوطني وتكون قادرة على تحقيق توازن مطلوب في العملية السياسيّة والديمقراطيّة؟
بالنسبة إلى حركة الديمقراطيين الاشتراكيين فإن قياداتها ومناضليها ومناضلاتها يبذلون جهودا صادقة هذه المدة لتوحيد الصفوف حتى تقوم حركتنا بدرها الوطني المطلوب في هذه الظروف الدقيقة والخطيرة التي تمر بها البلاد.
ومن ناحيتي فإنني أساهم معهم قدر المستطاع تأكيدا لموقفي الذي عبرت عنه منذ سنوات : «لست معنيا بتحمل أية مسؤولية في الحركة ولكنني معني بالمساهمة في توحيد صفوفها بجميع مناضليها ومناضلاتها دون إستثناء» وأنا متأكد من أن جهود المناضلين الحالية ستحقق أهدافها الوطنية النبيلة في الوقت الملائم.
ما هي قراءتكم لجملة التحولات الجارية على المستوى العربي؟ وهل ستقدر حركات الإسلام السياسي على القيادة الحكيمة وانتاج أنظمة ديمقراطية ومسار تداول على السلطة؟
إنّ المتابع للتحولات العربية الحالية يلاحظ فوز الحركات الإسلامية المعتدلة في الإنتخابات... من تونس إلى مصر إلى المغرب إلخ.... كما ان الثورات الشعبية المتواصلة في سوريا واليمن وبقية البلدان العربية تشارك فيها بفاعلية حركات إسلامية متنوعة.
وأعتقد بحكم متابعاتي الفكرية والسياسية لواقعنا العربي أن الإسلام السياسي المعتدل هو الذي يحتل ثقة أغلب الجماهير الشعبية العربية. إنها مرحلة هذا التيار لأسباب عديدة أبرزها فشل التيارات الأخرى القومية واليسارية بسبب فشل أنظمة الحكم التي تولت السلطة بإسم هذه التيارات واختياراتها الإيديولوجية ، وكذلك الأنظمة التي رفعت شعارات ديمقراطية زائفة.
حسب رأيكم ما هي أسباب فوز حركة النهضة في الانتخابات الأخيرة؟
فوز حركة النهضة في تقديري لم يأت عرضا بل كان نتيجة لعوامل عديدة أهمها :
1) التضحيات الجبارة التي قدمتها هذه الحركة وما عاناه مناضلوها ومناضلاتها من قمع وتشريد وتعذيب ... وهو ما رسخ حضورها الشعبي وانتشارها في مختلف الأصناف الاجتماعية والجهات.
2) قدرة تنظيمية محكمة مما جعلها الحزب السياسي الوحيد الذي له حضور وتمثيل شعبي متميز.
3) قيادة فكرية وسياسية ذات كفاءة عالية وفي المقدمة رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي.
وبحكم نشاطي الفكري والثقافي والسياسي في الساحة العربية وتحملي لمسؤوليات قيادية في أبرز التنظيمات الفكرية العربية فإنني أؤكد المكانة المتميزة التي يحتلها الشيخ راشد الغنوشي في هذه التنظيمات وفي مختلف مراكز الأبحاث العربية والإسلامية.
وللتذكير فإن قيمة أي تنظيم سياسي ترتبط بقدرته التنظيمية وحضوره الشعبي وقيمة قياداته وإطاراته.
وتجدر الإشارة إلى أن تطورا ملحوظا حدث ومازال يحدث داخل حركات الإسلام السياسي نتيجة التفاعل مع الأحداث والاحتكاك من خلال الهجرة بالمجتمعات الغربية وبثقافاتها وتفاعلاتها الديمقراطية.
يضاف إلى ذلك تطور آخر حدث داخل أنظمة الحكم الغربية ومؤسساتها الرسمية والشعبية ومواقف أبرز مفكريها... هذا إضافة إلى تصور الغرب البراغماتيكي الواقعي... فإن الدول الغربية أصبحت لا تهمها المواقف الإيديولوجية بقدر ما تهمها مصالحها ومصالح مؤسساتها الاقتصادية والمالية.
الموقف الغربي من الثورة التونسيّة ومسار الانتقال الديمقراطي، في نظركم هل هو مبدئي ويُمكن التعويل عليه أم أنّه مصلحي يرمي كما يقول البعض إلى ترويض الشعوب العربية عبر الحركات الإسلاميّة؟
إن تعامل الدول الغربية أنظمة ومؤسسات مع تونس في هده المرحلة من حياتها هو تعامل إيجابي ملحوظ ذلك أن نجاح مرحلة الانتقال الديمقراطي وتحقيق التنمية الشاملة بتونس أن يساهم في إنجاح النماذج الديمقراطية العربية وبالتالي استقرار المنطقة وتجنيبها أخطار التطرف بمختلف أشكاله وتوجهاته.
ولذلك فإننا نعتقد أن مساهمة جميع الأطراف والتنظيمات السياسية والإجتماعية والثقافية دون استثناء ببلادنا في إطار ما أسماه المفكر المغاربي والعربي الكبير المرحوم الدكتور محمد عابد الجابري ب«الكتلة التاريخية».
وهو في نظرنا الأسلوب الوحيد الذي يضمن الاستقرار والتنمية واستمرار الانتقال الديمقراطي بنجاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.