بدا موضوع تضمين الشريعة في الدستور المقبل يثير جدلا في الساحة التونسية. ولعل اول المتأثرين بهذا الجدل هو التحالف الثلاثي المشكل للحكومة التي يقودها السيد حمادي الجبالي. فهذا التحالف قد يتفكك على قاعدة الاختلاف المحتمل بين اقطاب الترويكا الحاكمة، قبل ان تنتهي المدة المحددة لإعداد الدستور، والمقدرة بنحو عام ونصف العام. النهضة تبحث الصيغ الأنسب لتضمين الشريعة في الدستور. وهي تفكر في صيغ عديدة بينها اعتبار الشريعة المصدر الأساس للقوانين، وبينها صيغة ان لا تتناقض القوانين مع الاسلام. ولعل الصيغة الثانية هي الأنسب اليوم. فالصيغة الاولى التي تجعل الشريعة المصدر الأساسي للتشريع موجودة في العديد من الدول العربية والإسلامية. ولم تمنع هذه الصيغة واقعا وجود قوانين تتناقض مع الشريعة ومع مصالح الناس في العديد من الدول التي أخذت بهذا الاختيار. الصيغة الثانية تبدو انسب كثيرا لتونس اليوم. فهي تعني ان المرفوض هو القوانين التي تتعارض مع الاسلام روحا ونصوصا ثابتة. وهذه الصيغة لا تمنع الانفتاح على الحضارات والثقافات والقوانين في العالم باسره اذا قدر المشرع انه امام قوانين مفيدة ونافعة، شرط ان لا تتعارض مع نص ديني ثابت الورود واضح الدلالة. والصيغتان لا تعنيان انه سيتم الان تطبيق الشريعة. فالظروف التونسية غير ناضجة لذلك في هذه المرحلة. والمهم بالنسبة للدستور انفتاحه على الشريعة، واستحضارها باعتبارها ما يقدم الاضافة للتشريع التونسي، وذلك على الرغم من اننا نعلم ان الأغلبية الساحقة من المنظومة التشريعية التونسية منبعها الشريعة الاسلامية، حتى وان أخذت من القانون الفرنسي المتأثر هو الاخر كثيرا بالشريعة الاسلامية. تطبيق الشريعة لن يتم اليوم. فالنهضة لا ترى فرض الشريعة على الناس. هي تؤمن ان الزمن كفيل بتحقيق ذلك. فالشريعة لن تطبق الا عندما يتزايد الطلب عليها شعبيا وتكون باختيار التونسيين في أغلبيتهم الساحقة. وفي هذه المرحلة يكفي تضمين عدم تناقض التشريع من روح الاسلام ونصوصه، في انتظار نضج الظروف التونسية وتحول الشريعة لاختيار شعبي عارم. ففي الديمقراطية بوسع الشعب ان يختار المرجعية التشريعية والقانونية التي تتناسب مع دينه وثقافته وتاريخه. على شركاء النهضة في الائتلاف الحاكم ان يدركوا اليوم بعد الثورة ان الهوية العربية الاسلامية لتونس ليست محل خلاف ولا تنازع، وانه لا مجال في ظل الثورة للعودة الى الوراء في موضوع الهوية. وعليهم ان يدركوا انهم بين اختيارات ضيقة وقليلة، فأما الشريعة بفهم عصري منفتح قابل بالاستفادة من الاضافات الحضارية في العالم اليوم، وأما مناكفة الشريعة ومعاداتها اليوم والاضطرار لتطبيقها غداً بفهم ضيق منغلق متزمت. وليعلم هؤلاء الشركاء وغيرهم ان اي أضعاف للنهضة لن يكون في صالحهم ولا في صالح المكاسب العصرية. فالنهضة اليوم صمام أمان امام التزمت والفهم الضيق للإسلام.. كانت كذلك من قبل وهي كذلك اليوم، واليوم الحاجة اليها اعمق واكبر واشد. وليعلم الجميع، وخاصة إخواننا في الوطن من العلمانيين، ان إرادة الشعب التونسي في معانقة دينه لا يمكن ردها الى الوراء.. الحل هو الاعتراف بالواقع، ومساعدة التونسيين على التطور في اتجاه فهم منفتح للاسلام، لا يعزل تونس عن عالمها ومحيطها، ويحافظ في المقابل على تراث تونس العقلاني والانساني الرائد في فهم الاسلام والعيش في ظلاله.