مثّلت مصادر التشريع في الدستور الجديد والجدل حول الشريعة خاصة محور مناظرة جرت مساء أمس الأول بين عضو المكتب السياسي لحركة «النهضة» سامي الطريقي ومنسّق شبكة «دستورنا» جوهر بن مبارك.
سامي الطريقي : لا خوف من الشريعة على مدنيّة الدّولة
أكّد الطريقي خلال المناظرة أنّه «لا خطورة لتبنّي الشريعة كمصدرية للدستور على مدنية الدّولة» معتبرا أنّ «المحكمة الدستورية هي الضامن، وإذا حصل اختلاف أو اصطدمنا بنزاع لن نلتجئ إلى جماعات من خارج المنظومة القانونية بل إلى مؤسسات داخل هذه المنظومة». وأضاف الطريقي مطمئنا «لا خلاف حول مدنية الدّولة ونحن جميعا ضدّ تيوقراطية الدّولة، فضلا عن أنه لا توجد دولة تيوقراطية في الإسلام... قد تحتكر الدولة مفهومها للدّين ولكن ذلك لا يعني أنها دولة دينية». وأوضح الطريقي أنه «عندما نتحدث عن الوقائع القانونية هناك ما يُسمّى الأثر الكاشف وإذا اعترفنا بأنّ من مصادر التشريع في القانون التونسي ما الذي يُخيف من أن نكشف قاعدة هذه المصدرية؟» مشيرا إلى أنّ القواعد القانونية في أغلبها مرتكزة على الشريعة، بما في ذلك مجلة الأحوال الشخصية. واعتبر عضو المكتب السياسي لحركة «النهضة» أنّ القول إنّ إثارة الشريعة يقوّض العملية برمتها فيه خلل في مفهوم المصدرية واعتبار هذا الأمر خارجا عن النظم القانونية غير صحيح... يمكن أن نثير الشريعة مصدرا من المصادر أو مصدرا أساسيا أو مصدرا وحيدا... وعلى الأطراف التي تريد دراسة مصادر التشريع أن تعرض ذلك على المجلس التأسيسي». وحسب الطريقي فإنّه «عندما نقول شريعة فهذه قناعات الشارع التونسي أمّا ما نختلف حوله فهو كيفية تصريف الكشف عن هذه المصدرية، أي هل أنّ الشريعة المصدر الوحيد أم المصدر الأساسي أم مصدر أساسي؟» وعرّف الطريقي الشريعة بأنّها «جملة القواعد القانونية التي يضعها مجتمع ما من أجل صياغة تمكّنه من بناء الحياة العامة في جميع جوانبها، فالشريعة استنباط للأحكام وفق قواعد أصولية» مشيرا إلى أنّ «عدّة قواعد في القانون التونسي اليوم تُستلهم من الفقه الإسلامي، وبالتالي نحن لسنا أمام واقع جديد». وتابع الطريقي قوله «إذا بقينا هكذا نفكّر هل سنعتمد الشريعة في الدستور أم لا سنضيع وقتا طويلا... يجب ألا نُخيف الناس من إدراج هذا الموضوع في الدستور».
جوهر بن مبارك : اعتماد الشريعة يقتضي محكمة «دستورية فقهية» و يتعارض مع مبدإ سيادة الشعب
في المقابل اعتبر جوهر بن مبارك أنّ الاعتماد على الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع «قد يتعارض مع مبادئ مدنية الدّولة وسيادة الشعب الذي قام بالثورة حتى لا يُفرّط في هذه السيادة لفائدة مجموعة تنصّب نفسها ناطقة باسم الإرادة الإلاهية» حسب تعبيره. وأضاف بن مبارك «أنّ مصادر التأثير على المشرّع اليوم عديدة ومتنوعة، فإلى جانب الشريعة الإسلامية لا يمكن بأي حال التغاضي عن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ومقتضيات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة». وحسب بن مبارك فإنّ «المسألة ليست مسألة تأويل قواعد قانونية» موضحا أنّ «وظيفة المحكمة الدستورية هي إثبات ما إذا كان القانون صالحا ومتطابقا مع الدستور، أمّا عندما يكون لدينا في أحد فصول الدستور تنصيص على أنّ الشريعة هي المصدر تصبح المسألة متعلقة بمدى تطابق النص القانوني مع القواعد الشرعية وليس مع الدستور، وهذا يقتضي أن يكون أعضاء المحكمة الدستورية من فقهاء الشريعة». وتابع بن مبارك قوله «ما يقلقني عدم الاستقرار على فهم معيّن للشريعة كمصدر من مصادر التشريع، فالشريعة باعتبارها موجودة في نص قانوني ستكون مُلزمة ولن تكون مجرد مصدر إلهام او استلهام» متسائلا «هل أنّ الاستلهام من الدساتير والقوانين المقارنة يُلزمنا بأن نخضع مثلا لضوابط القوانين التي نستلهم منها تشريعاتنا كالقانون الفرنسي أو الإيطالي أو غير ذلك؟» وفي سياق آخر تساءل بن مبارك «بأية صيغة سيتم تضمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الدستور الجديد؟» معتبرا «أنّ الدستور الذي يُكتب بعد 14 جانفي دون التنصيص على الحق في الشغل سيكون دستورا فاشلا». ونبّه بن مبارك إلى «ضرورة أن تتفطّن الدولة إلى ما يترتب عليها من التزامات قانونية في حال عدم التزامها بتوفير الشغل للمواطنين، فالإخلال بالالتزام يقتضي التعويض، فهل أنّ الدولة التونسية اليوم جاهزة لهذا الاستحقاق؟ وهل قامت بالدراسات اللازمة للنظر في إمكانية تحمّل العبء المالي لتضمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الدستور»؟