حين أدخل إلى الجامع لأقوم بأداء فريضة الصلاة أسئلة كثيرة تجول في خاطري ولم أهتد إلى جواب من شأنه أن يرضي فضولي. فأنا أستحي أن أبدي رأيي في أمور تخصّ شؤون الجامع، فأهل مكة أدرى بشعابها. هذه الأسئلة أحيلها إلى فضيلة مفتي الجمهورية التونسية علني أجد جوابا مقنعا وشافيا، يتبين لي من خلاله إن كنت على صواب أم على خطإ؟ فالذي زاد في حيرتي هو أن أرى لجنة الجامع يأخذون الأموال من عند أهل البر والإحسان، فيعملون على تجهيز وتزيين وزخرفة المسجد الجامع. إن ما يقومون به هؤلاء الأفاضل من صيانة لبيوت الله لشيء جميل يذكر فيشكر ويدعونا إلى تزكية أعمالهم ومباركتها والتنويه بها لدى القاصي والداني. ولكن الشيء الذي لم يستطع عقلي تقبله هو هذه الصيانة المفرطة والمبالغ فيها والتي دعتني بالفعل للحيرة. إذ أن هناك بعض لجان المساجد يجدون في أخذ الأموال من أصحاب الخير والحال أن بيوت الرحمان في غاية الروعة والجمال فهي جاهزة كأشد ما يكون لاستقبال زوارها للقيام بهذه العبادة في ظروف طيبة. فالجدران مطلية بالطلاء، والزرابي مبسوطة ونظيفة والمحراب مبني بالرخام. إذ بإمكانك أن تشاهد نقوشا مرصّعة بآيات قرآنية داخل قبة الجامع. أما الميضة ودورات المياه فلا تسأل عن نظافتها. واليوم يستطيع المصلي أن يغتسل في الميضة، ويتوضأ بالماء الساخن كذلك. فلا توجد نقائص في عدة مساجد من حيث الصيانة والتجهيزات ومع هذا فإن لجنة كل مسجد لا يتوانون في أخذ الأموال من الناس الذين يريدون الأجر والثواب قصد إعادة البناء وتشييد المسجد من جديد علما وأن حالته جيدة كما ذكرت ولا تستدعي إعادة وترميم الجامع. إن ما يقوم به لجان المساجد اليوم يوضع في خانة سوء التصرف فقد كان بإمكانهم أخذ هذه الأموال التي تسند إليهم إلى مساجد أخرى في أمس الحاجة للبناء والصيانة. فإن لم يجدوها ولم يعثروا عليها ألم يكن أجدر بهم أن يعطوها إلى مستحقيها من ذوي الاحتياجات الخصوصية كالفقراء والمساكين وفاقدي السند أو في المنشآت العمومية التي من شأنها أن تعود بالنفع على البلاد والعباد. إن تزيين المساجد المبالغ فيه أحيانا لهو في نظري يعتبر سوء تصرف من قبل اللجان وأضعه في خانة التبذير الذي استنكره رب العزة جل شأنه فقال «إن المبذّرين إخوان الشياطين». هل يعقل أن يكون لجان مساجدنا إخوانا للشياطين. لذا أدعو وزارة الشؤون الدينية أن تتدخل في الحال وتمنع هؤلاء اللجان من التصرف مستقبلا في هذه الأموال. وأن تستغلها الوزارة كما ينبغي فيتم صرفها والاستفادة منها وفق استراتيجية مدروسة ومن قبل مختصين في هذا المجال مع توخي سياسة الأهم قبل المهم. وعلينا أن نتذكر كيف أن جامع القصر الكائن بباب منارة وجوامع الزيتونة وعقبة بن نافع وغيرها من المساجد التي شيد بناؤها إبان الفتوحات الإسلامية. فهي لعمري لم تتغير ولم تتبدل. فأنا أذكر أنني دخلت يوما إلى مسجد قد أسس دعائمه شخصا اسمه بن جدو. فعندما أدخل باب المسجد وأسوي الدعاء المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك» أتذكّر أيام زمان يوم كنت صبيا أزاول تعلّمي بالمدرسة الابتدائية بحي الزهور الرابع. فهو كما عهدته منذ الصغر. هكذا أريد أن تكون مساجدنا مهدا لذكرياتنا. فيصل البوكاري تونس