لمّا نبّهنا إلى البطء و التردّد في تفكيك منظومة الإستبداد فإنّنا أردنا نقل ما يشعر به أبناء الثورة الذين قاوموا الدكتاتورية و صنعوا ملحمة الثورة المجيدة و التي كان من أهدافها القطع مع الماضي و رموزه الذين كانوا أدوات الفساد في الإدارة و القضاء و الأمن و الإعلام . بدأت حملة التطهير بعزل 82 قاضيا في مرحلة أولى في انتظار أكثر من 40 آخرين و شمل التغيير الديوانة التي تشكّل لوحدها ملفّا ضخما تتمعّش منه القطط السّمان أمّا الإدارات العمومية و التي يمسك بمفاصلها أزلام التجمّع الذين كانت الترقيات حكرا عليهم دون غيرهم من الموظّفين الأكفاء و ما أكثرهم في الإدارة التونسية لكنّهم في الثلاجة بعدما كانت الجدارة تقاس بالولاء و ليس بالكفاءة فركبها الإنتهازيون الذين تضخّمت ثرواتهم بشكل ملفت للإنتباه خاصّة لمّا نعلم الدخل الشهري لمن يشتغل بالوظيفة العمومية.و التطهير شمل أيضا البنك المركزي بإعفاء مصطفى كمال النابلي و تعويضه بالمنصف شيخ روحه , فهل يعقل ألآ ينسّق البنك المركزي في السياسة النقدية مع الحكومة و يصدر تقارير تمسّ بالأمن الإقتصادي الوطني بدعوى الإستقلالية , و قد ذكر السيد حسين الديماسي وزير المالية بأن الدول الأروبية العريقة في الديمقراطية لا توجد بها استقلالية مطلقة للبنك المركزي , و أين كانت شجاعة هؤلاء في العهد البائد ؟ و يلاحظ المتابعون حالة القلق صلب موظّفي البنك المركزي من سلوك و أداء محافظ البنك و توجّهاته خاصّة في هذه الفترة الحرجة التي تمرّ بها بلادنا و ما تتطلّبه من تغليب للمصلحة الوطنية بعيدا عن المحاباة . كما بدأ الإعداد لمشروع قانون صلب المجلس التأسيسي من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية لإقصاء التجمعيين بعدما عادوا للظهور بكلّ وقاحة في المنابر الإعلامية و فتح لهم أزلامهم الأبواب التي ظننّا أنّها لن تفتح لهم أبدا بعدما أجرموا في حقّ هذا الشعب.و انطلقت الزيارات الميدانية لأعضاء الحكومة بعد المصادقة على قانون المالية التكميلي إلى الجهات الأقل حظّا في التنمية بدءا من سليانة ثمّ القصرين و سيدي بوزيد فقفصة للإنطلاق الفوري لإنجاز المشاريع و إنعاش الحركة الإقتصادية . و عندما ترى سمير ديلو يودّع بعض جرحى الثورة في المطار في رحلة علاج و يقولون له " تونس أمانة في أعناقكم " وسط زغاريد ذويهم , و يجوب وزير النقل البلاد للتحاور مع المضربين و المعتصمين و لا يجلس إلا نادرا في مكتبه ثمّ يطير إلى كوريا الجنوبية لجلب باخرة عملاقة لتعزيز النقل البحري , و تتمّ مصادرة أملاك عائلة و أصهار المخلوع {أورنج- جيان- مونوبري}وهو ما سيوفّر مداخيل إضافية للدولة. فإنّنا نثمّن هذه القرارات و الخطوات التي تدلّ أنّ الحكومة قرّرت المرور إلى السرعة القصوى و القطع مع التردّد و أنّ المسار الثوري و القرارات الثورية تثبت أنّ التغيير قادم و أهداف الثورة بدأت تتحقّق تدريجيا فالمعركة مع رموز الفساد و أخطبوط الإسبتداد المتغلغل في مفاصل الدولة ليست بالسهولة التي يتصوّرها البعض بحكم ارتباط هذه الفلول التي تشكّل رأس الثورة المضادة بمنظومة الإعلام النوفمبري التي زرعها عبد الوهّاب عبد الله و تدعّمه رموزالفساد المالي لكن الحسم ضروري رغم تكاليفه الباهضة لأنّ رسالة الشعب التونسي في الإنتخابات هي التغيير بعد فساد منظومة استمرّت قرابة الستّين عاما. و قد ظهرت آثار هذه التكاليف في ما حصل في سوق المنصف باي فكلّما اقتربت من القطط السّمان تشتعل الأوضاع و ترى العربدة الإعلامية لأبواق النظام القديم الذين يثبتون كل يوم حجم الحقد و الكراهية التي لا ندري كيف تتّسع صدورهم لها بعدما بدأت تنضب الإمتيازات و المنح التي سرقوها من قوت الشعب , وصاروا اليوم كالدمى بأيادي بارونات المال الفاسد لبث سمومهم رافعين شعار الحرية التي لم نسمع عن نضالاتهم من أجلها عندما عزّ النضال. طبعا سترتفع الأصوات من هنا و هناك لرفض هذه التغييرات من أطراف صمّت آذاننا في السابق بالدعوة إلى التطهير و تحقيق أهداف الثورة , و سيشكّكون في التوقيت و الأهداف و الإنتماءات الحزبية بل بلغت تعاسة البعض برفض إقصاء التجمعيين, و قد صار التونسي فطنا لكلّ هذه الخطابات التي لا تخلوا من أهداف سياسية لأنّ أجندة البعض هو إرباك الحكومة حتّى لا تتحقق أهداف الثورة لإيجاد منفذ لضرب الترويكا في الإنتخابات القادمة أما التشغيل و إنجاز المشاريع و بؤس العاطلين فلا تعني لهم شيئا . لقد أصبح الكل يزايد على المطالب الإجتماعية و يتحدّثون عن التداين الخارجي و هم أوّل من يعلم من زمان أنّ أكثر من نصف ميزانية بلادنا مصدرها القروض الخارجية. أمّا الملف الأخطر فهو محاكمة قتلة الشهداء و جرحى الثورة و الذي يجب التسريع فيه و لعلّ تطهير القضاء هو البداية , إنّه مخاض عسير يسبق الولادة , ولادة تونسالجديدة الديمقراطية المدنية. كاتب و محلل سياسي