استقال السيد حسين الديماسي من منصبه كوزير للمالية لأنه كان يعتقد أن قرار إقالته قد أصبح وشيكا وشعاره في ذلك "بيدي لا بيد عمرو". هذه الاستقالة تبدو عادية للرأي العام ولكن الذي ليس عاديا بالمرة هو هذه الزوبعة والفتنة التي أحدثها هذا الأخير عبر وسائل الإعلام والتي أظهرته وكأنه في موقف بطولي لكنها أحرجت الحكومة. ووجه الاختلاف حول سنّ قانون تفعيل العفو التشريعي العام الذي يمكّن من خلاله العائلات والأسر المنكوبة والتي موريس عليها القمع والظلم والاستبداد وتقييد الحريات لأسباب سياسية صرفة من الحصول على تعويضات مادية من شأنها أن تكفكف دموعها وتحدّ من آلامها. ولن تستطيع هذه التعويضات أن تسكت عويل الثكالى ولا بكاء الأيتام الذين حرموا رؤية آبائهم الذين قبعوا داخل أسوار السجون وهناك منهم من قتل تحت وطئة التعذيب. والمثل يقول «ما يحسّ الجمرة كان الّي يعفس عليها» وصاحبنا وزير المالية هو بالتأكيد لم يكتو بنار فقدان عزيز عليه ولم يبت ولو ليوم واحد بعيدا عن فراشه الوثير الدافئ ودفء عائلته الذين يعيشون أرغد العيش. أعلم أنه سيقال إن هناك أشخاصا سياسيون ممن ظلموا في العهد السابق أمثال حمّة الهمامي وغيره وهم لا يريدون جزاء ولا شكورا من أحد ولا يريدون تعويضات مادية على نضالاتهم. لمثل هؤلاء أقول إن جميع التونسيين يعلمون جيدا أن ويلات العذاب والملاحقات والمداهمات على البيوت التي طالت حركة النهضة هي عبارة عن إبادة جماعية وليست شخصية من قبل النظام البائد إلى درجة أن الأخ يومئذ تبرئ من أخيه المسجون ظلما وقهرا داخل سجون بن علي. أما بقية أحزاب المعارضة فكانت قبضة بن علي الحديدية تطال رموزهم وأمناؤهم العامون فقط لا عائلاتهم. فالمعارض الذي رفض التعويض المادي هو بالتأكيد يريد من جرّاء ذلك أن يربح تأييدا شعبيا وأصواتا إضافية داخل صناديق الاقتراع. والشعب التونسي قد بلغ من النضج ما جعله يميّز بين من هو وطني يعمل لصالح بلاده ممن هو عدو للثورة والشعب والبلاد ويعمل في خدمة أجندا خارجية والجميع يعلم بذلك. إن الذي لم يرد جزاء من أحد على نضالاته مثله كمثل ملك أراد أن يمتحن صديقين حميمين وما مدى متانة هذه الصداقة؟ فأسرّ لأحدهما بالقول : "أطلب ما شئت فإنّي سأكافئ صديقك ضعف ما تطلبه" فأطنب الصديق في التفكير ثم قال للملك "إفقأ لي عين" وهو يريد من هذا الصنيع أن يفقأ لصديقه عينين وحديثنا قياس. ربما نسي وزير المالية الذي أقال نفسه أن الشعب التونسي يعلم أن من أهداف الثورة تحقيق العدل بين الناس ولا شيء غيره. ومن العدل إعادة الحقوق إلى أصحابها ومستحقيها لأنه ما ضاع حق وراءه طالب. وهو ما طالب به أهالي وضحايا النظام السابق المنكوبين. ولا ننسى بالمناسبة مناشدة الحكومة حتى تنهي نهائيا ملف شهداء وجرحى الثورة. فيصل بوكاري تونس