أيّام الحروب الصليبية كان المسلمون العرب في شقاق وتناحر، منقسمين إلى ملوك وطوائف، كلمتهم مشتّتة وجمعهم عسير، وكان الملوك النّصارى يجمعهم الصليب والرغبة الحاقدة في الاستيلاء على مقدّرات الشعوب الإسلامية والقضاء على دين التوحيد، إلى أن خطب أحد الملوك الصليبيين في جيشه وأقسم يمينا ليدخلنّ الحرم النبوي الشريف وليُؤذيّن محمدا صلى الله عليه وسلّم في قبره، فهاجت مشاعر المسلمين، وقام فيهم المجاهد صلاح الدّين الأيّوبي خطيبا يرسل المكاتيب إلى الأمراء والملوك العرب، يحثّهم على الجهاد ومقاتلة المشركين نصرة للإسلام وغيرة على الحرم النبوي الشّريف، وأقسم بدوره يمينا إن مكّنه الله من هذا الملك الفاجر ليقتلنّه بيده، فتوحّدت الطوائف ونسي الملوك خلافاتهم إلى حين، وهلّلت الشّعوب وكبّرت، وانطلقت الجيوش موحّدة تحت راية واحدة، راية الإسلام، فكانت معركة حطين، وانتصر المسلمون وتقهقر الصليبيون، وكان من ثمار ذلك تحرير فلسطين... واليوم، اليهود والإنجيليون الأمريكان وغيرهم يهيئون ويحاولون إعادة أجواء الحروب الصليبية، فقد نادى بوش بحرب صليبية ضد المسلمين في العالم إثر أحداث 11 سبتمبر، ثم تتالت الاعتداءات على مقدسات الإسلام (حرق لكتاب الله.. تجسيد لذات النبي وتشويهها برسوم سيئة وماسخة...) وهاهم منتجون أقباط ومخرج يهودي وناشر أمريكي يعمدون الى عرض فيلم يدّعون فيه أن الإسلام دين صنعه لمحمد ورقة بن نوفل، فجعله خليطا من التوراة والإنجيل وآيات موضوعة ومكذوبة، وتهكّموا ب"الله أكبر" وبشعار "القرآن دستورنا"... إن الإسلام وأمة الإسلام تخيفهم حتى وهى تعيش حالة من الضعف لا تملك سلاحا ضاربا ولا علما مهيمنا ولا اقتصادا قويا ولا قرارا مستقلا، فلا ينفكّون عن حِبك المكائد ودس الدسائس... فالقرآن يخيفهم لأنه كتاب الهداية والنور، وهم يريدون الظلام لشعوب يرومون نهبها والسيطرة على مقدّراتها... ويخيفهم محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ما أحبه مؤمن وما كرهه كافر، لأن محمدا نبي وقائد عظيم حرّر الإنسان من عبودية الإنسان، وارتقى بالبشرية الى أرقى منازل التكريم والتفضيل... إنهم يرسمون صورة جديدة لحرب صليبية شاملة، فإن كان ذلك كذلك فسيكون كل مسلمي العالم صلاح الدين.