لقد ساهم شبابنا بجهد كبير في نجاح ثورتنا، وكان كلّ آماله أن تفتح أمامه الأبواب التي كانت موصدة في العهد البائد، ولكن سرعان ما تبخّرت كل تلك الآمال التي حلم بها في الهواء، لا لشيء إلاّ لأنّنا قد تخلّينا عنه أفرادا ومنظمات وأحزابا، ولم نأخذ بيده، ولم نلق له سمعا ولا بالا، ولم نبال بمشاغله وآهتماماته، ولم نكترث لمطالبه، وظلّ تعاملنا معه بنفس العقليّة الحزبيّة الانتهازية التي كانت تعامله بها سلطات العهد البائد، وحزب التجمّع المنحلّ، لذلك آثر القعود على الرّبوة بعيدا عن هذه الأحزاب التي هرمت وشاخت، وظلّت قيّاداتها التي تجاوز الكثير منها سنّ التقاعد، محتفظة بمواقعها في هياكل تلك الأحزاب التّنظيمية المغلقة، لا تمكّن الشّباب من فرص المساهمة الفاعلة في أنشطتها، ولا تمنحها مسؤوليّة رسم الاهتمامات، وصياغة السّياسات، وانجازالبرامج ، والمشاركة في اتخاذ القرارات، وصنعها، وإلاّ بماذا تفسّرون عزوفه عن العمل الحزبي، رغم أجواء الحريّة التى عرفتها البلاد بعد ثورة 14 جانفي 2012، وما رافقها من حريّة الانضمام والانخراط في الأحزاب، ولعلّ أجواء التّجاذبات السيّاسية الطاغية على الساحة السياسيّة اليوم، والاحتراب القائم بين الأحزاب السياسية على تبوئ الكراسي بكل الوسائل المشروعة وغيرها ساهم بقدر كبير في ابتعاد هذا الشّباب عن هذه الأحزاب، ووجد ضالّته في الأحزاب الغير معترف بها التي تدَّعي لنفسها امتلاك الحقيقة، والحلول السحريّة لفضّ مشاكله وتزعم أن الديمقراطية كفر وتتخذ العنف منهجا لتبليغ أفكارها، وإذ نؤكد على أنّ العيب ليس في شبابنا ولكنّه فينا نحن بدرجة أولى، لأنّنا نتحمّل مسؤوليَّة ارشاده وتوجيهه، ونحن مطالبون - كهولا وشيبا وحكومة وأحزاب- أن نعمل على تأطيره والأخذ بيده، والعمل على أن نكون له قدوة حسنة في فعل الخيرات، واجتناب المنكرات، والإخلاص للوطن وحبّه، والتفاني في خدمته، والمبادرة بآحتضانه، وتقويّة الصّلة به، والعمل على تقديم العون له، والمساهمة بصدق في مساعدته على تخطّى الصّعاب التّي تواجهه في حياته اليوميّة والعمليّة، وإيجاد الحلول لمشاكله، والمراهنة عليه لبناء تونس الغد، فمن المحزن والمؤسف أن نرى شبابنا اليوم يركب زوارق الموت، ليعبر إلى الضّفة الأخرى، أملا في حياة أفضل وأرقى، ويتعرّض إلى الغرق والموت وان نجا تبتلعه السجون، أو نراه ينخرط في أعمال العنف والتّخريب لممتلكات البلد، مستهينا بكل القيّم والقوانين والأعراف، فيتصرف بكل حماقة و طيش، فقد آن الأوان أن نفتح ملفّ الشّباب بكل صدق وجدية، ونشرّكه في تحديد السيّاسات ورسم البرامج التي تنهض به، وتحقق له مقوّمات العيش الكريم، فشبابنا يطمح كما يطمح غيره من شباب الأمم الأخرى، أن يكون له المسكن الواسع، والمركب الهنيء، والزوجة الصالحة أو الزوج الصالح والأولاد وهي طموحات مشروعة، وتحقيقها ليس صعب المنال، لو تضافرت جهود الجميع في الاتجاه الصحيح للإصلاح، فنزع الأنانية من قلوبنا، وحب الذات من تفكيرنا، وتغليب المصلحة العامة علي المصالح الفردية، والمصالح الحزبية الضيقة من البوادر الايجابية التى يجب الاسراع باتخاذها ومصارحة الشباب بها، حتى نعيد بناء جسور التواصل معه، ومن منطلق غيرتنا على هذا الوطن الذى ناضلنا جميعا من أجله لنراه حقا وطنا لكل التونسيين يتمتع فيه الجميع بكل الحقوق ويتحمل فيه الجميع كل الواجبات أن نتعاون جميعا على استيعاب شبابنا في الدورة الاقتصادية ونوفّر له العمل والشّغل، وكلّ فرص النّجاح، وكلّ من موقعه، وفى مجاله ولنعمل على تأهيله، وتدريبه وتمكينه من خبراتنا، ولننزع الأنانية من قلوبنا، وهو أمانة فى أعناقنا، سنسأل عنها أمام الله عز وجل فأي إنسان أتاه الله علما من علوم الدين أو الدنيا مثل الصنعة أو المهنة وكتمها عن شبابنا، وتهاون فى تمكينه من إتقانها، ولم يساعده على تنمية قدراته فيها، فانّ الله سائله يوم القيامة، ولنضع أمام أعيننا دائما قوله صلى الله عليه وسلم : "من كتم علما ألجمه الله بلجام من النار يوم القيامة" وليكن شعارنا فى انتدابه " من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" ولنقطع مع الحزبيّة الضيّقة والبغيضة التى عاني منها شبابنا أيام العهد البائد، والتّي كانت لا تعترف بكفاءة فرد ولا بعلمه، والتي كان شعارها دوما حزبنا ولا أحد .