أفقنا ،بعد فسحة ثورية قصيرة،مثل الفسحات المتقطعة السجنية أو ما تسمى عند السجناء "بالآرية "، اظهر لنا تشكيلات وإكسسوارات متنوعة من الطوائف الحزبية. القديمة منها، فيها من هو مساره أقدم من خط سير الدولة الحديثة مع كم كبير من التحولات والتحويلات، وفيها من هي من ربائب وشقائق حزب الإدارة والدولة ، ومنها من كنا نسمع عنها "ولا منها" على استحياء عبر بعض المنابر الخارجية أو خفية عبر التواصل الشفوي وفق قاعدة فم –أذن و جملتهم كانوا يعدوا على الأصابع و حراكهم لم يكن يحدث ضجيجا ولا صخبا إلا لُمَمَا، بل إن ضجيج بعض المنظمات و الجمعيات كان اشد وقعا و أكثر بروزا وانفع تأثيرا،وقسمت هذه الحزيبات نفسها إلى معارضة وموالية وهو ابتكار نوفمبري خالص، وكان الوطن يئن من التجمع وحواشيه وخدمه كما يتفرج على بعض بهلوانات الكبسولة المعارضة . أما الحديثة أو الجديدة فهي خلايا حزبية تفرعت عن القديمة او منتج من الانقسامات المتعددة و المتتالية لها أو هي مشتقات من الانقسام النووي لهيكل المعبد الحزبي التجمعي وهي أكثرهم تعددا وعتادا ومؤنا و فيها بعض المكونات التي أرادت ان تجرب الحظ الحزبي لعلها تخطف كما يقال وتدخل الملعب السياسي التي غابت عنه طيلة عقود الدولة الوطنية الحداثية بنكهتها البورقيبية الثقافية و مذاقها الأمني الإستخباراتي الاستيلابي و الشديد الحموضة ، وكل هؤلاء حافظوا على نفس ملامح و خيارات وقسمات وجه القافلة الحزبية الأولى ولم تختلف عنها إلا بالنبرات الصوتية العالية أين ينتقل الصوت من الهمس والفحيح إلى الصراخ والضجيج و "العياط" و عوض أن تسبق الفكرة الصوت والسكرة أمسينا لا نرى إلا السكرة والصوت العالي، أن كان قرارا أو جوابا ، . و الأخيرة هي النيوحديثة أو ما بعد الحديثة "وليست ما بعد الحداثة" فقد تشكلت على عجل في غفلة من القوم او بتواطؤ من بعضهم وهي حديثة جدا جدا و حداثية أيضا جمعت بين ظهرانيها و في قاعاتها المشتقات و الفروع والتفرعات و العصبة الثقافية الموهومة والمريضة بفوبيا الهوية العربية،وفيها من هو قلبه مع علي وسيفه مع معاوية،وهدف النيوحديث الحديث في الغرف عن المفاصل الحقيقية للوطن أي الإدارة والمؤسسات. كل هؤلاء اتخذوا السياسة مرتعا والإعلام مسكنا و الإدارات مختبرا علهم ينالوا الرضى النفسي يوما ويتصدروا المشهد أو الفضاء العمومي ولو افتراضيا. وكلهم دون استثناء غالبا ما تسمع لهم ضجيجا اكبر من فعلهم وبرامجهم أما صخبهم الداخلي "بفعل المساحة الضيقة للحرية الداخلية أو بفعل الانقسامات المتعددة والمتتالية عبر كل الأمواج وفي كل الاتجاهات أو نتيجة التآلفات و الائتلافات و التركيبات و الانصهارات والذوبان التي تتم ضد الطبائع الفكرية والايديولوجية و انسجاما فقط مع طبائع الاستبداد". كل حزب أو حزيب أو تجمع أو جبهة أو تحالف بما لديه فرح ، وفي حراكهم الذاتي أو الداخلي كمن يمتهن المونولوج الفردي على شاكلة ألوان مان شو حزبي ضيق يقدم النكات و الماسي ليضحك وحده او يندب خده بيده ،تراهم يصارعون بعضهم قبل الائتلاف كما يصارع دون كيشوت طواحين الهواء و بعد التالف و الانسجام تجدهم يتشببون حد الشهوة القصوى والنزق و النزوة ،بالرغم من غياب الروابط السياسية والفكرية والإيديولوجية و الاجتماعية ،اي احمر على بنفسجي على اصفر على اسود على ازرق،وكل الألوان مباحة ما دامت في طور التجريب السياسي .و عند الاختلاف تجدهم يبذلون قصارى الجهد لوسم المقابل بأبشع النعوت ويختلفون حتى على جنس حبة فاصوليا و هل هي ذكر أم أنثى ،و يظهر البرنامج الحقيقي على الملا، و ترى بأم العين عند التحالف كيف يسبق التجميع والتجمع البرنامج و الرؤية التأسيسية . اما فيما بينهم" الأطياف السياسية المختلفة" فتراهم في البازار السياسي جميعا و قلوبهم شتى وكل منهم يغني على ليلاه الحزبي الضيق ويقدمون لحرفائهم سكاتشات ثنائية وثلاثية شعبوية يفرزون فيها ضغائنهم التراجيدية على المسرح الكوميدي في انفصام تاريخي نفسي يُضحكون فيه أنفسهم عوض مباشريهم. بحق هي مكونات تمارس بلذة المونولوج الحزبي "الانتارن" و السكاتش السياسي "الاكستارن" وهي حقا ساحة سياسية تونسية الملامح وثورجية بامتياز لم نلحظ فيها من يمارس السياسة على قواعدها ووفق منهجها الا الجمعيات و المنظمات و المؤسسات الإعلامية المتخفية وراء الاستقلالية والمهنية والحرية المعلوماتية ، أما التشكيلات المذكورة آنفا فهي تتقوت عبر هذه المنابر ،وعبرها تشتهر،يقزم عبرها من يصغر وينفخ في موقد من يراد له أن يكبر ،يقزم الصغير فيها تقزيما،والمتلاشي المشتت ثم المركب يحقن بالسليكون كي يبرز و يكبر . صورة يختلط فيها الحلو مع الحار مع المالح مع الحامض مع المعتدل وفي نفس الإناء ، أحزاب لا لون لها ولا رائحة يأتيها المخاض كل حين وتنجب مثل الأرانب النيوزيلندية أو الكاليفورنية ذات الأداء التناسلي العالي مع ابتعاث لروائح المخاض الكريهة، و المهم بالنسبة لحزيباتنا الوصول بأكبر قدر ممكن من التجميعات ثلاثية رباعية خماسية أو سداسية وحتى اثني عشرية الى الانتخابات القادمة و لا يضعوها كما أضاعوا التأسيسية من قبل وكما بعض أجدادهم التأسيسية الأولى، لذلك فحلم العرس الوطني القادم، وكل يتمنى ان يكون العريس،يدغدغ خيالاتهم ومخيلاتهم عله يصب في جرابهم . أما الشعب فاحسب انه ،صام ثم صام ثم قام ولما قامت ارادته لم يجد أمامه إلا بصيلات حزبية مركبة مستنسخة وهجينة . وكل استحقاق وأحزابنا تتجمع"خصلة التجمع الرفيعة". باحث