لا أعتقد بأن حركة النهضة كانت سعيدة بتسلم السلطة في ظروف اقتصادية وسياسية وامنية وثقافية صعبة للغاية رغم سعادتها بثقة الشعب بها. الحكومة المؤقتة لم تحقق وعودها في التنمية بسبب قلة الخبرة من ناحية وبسبب التعطيلات المفتعلة التي قابلتها بها أطراف عديدة،ولكنها أثبتت قدرة على تحمل النقد بل والسخرية برحابة صدر تأكيدا على إيمانها بحرية التعبير بما تجاوز ضوابط الحرية حتى استضعفها الحمقى والمخنثون والمعطوبون. مبادرة السيد رئيس الجكومة حمادي الجبالي بخصوص حكومة تكنقراط أحدثت فعلا صدمة سياسية وامتصت حالة الإحتقان المستولدة من جريمة غدر الفقيد شكري بلعيد. المبادرة استطاعت اجتذاب أحزاب عديدة من خصوم الحكومة وفتحت فرصا للحوار والتهدئة. ولكن يبدو أن تخوفات النهضة تحديدا من حكومة تكنقراط معقولة بالنظر إلى مستوى حقد بعض الأطراف ومستوى تآمرها وكيدها...تلك الأطراف ظلت تستهدف الحكومة منذ اللحظات الأولى لتشكلها وجندت ضدها العامة والقاصرين وذوي الإحتياجات الذهنية ورفعت في كل مناسبة شعار "إسقاط الحكومة" في 9 أفريل 2012عيد الشهداء في عيد الشغل غرة ماي2012 في أحداث الجهات وأخيرا في جنازة المرحوم شكري بلعيد. كنتُ كتبت نصا بعنوان "تداعيات حكومة تكنقراط" قلت فيه يُخشى أن يقع اختطافها من قبل أطراف لها تجربة في تجييش الشارع فتصرفها عن مهام التنمية والأمن نحو هدف وحيد وهو محاسبة الحكومة السابقة. الليلة وأنا أتابع حوارا على القناة الأولى كان زعيم الجبهة الشعبية يُخفي أمرا طيلة الحصة ولكنه لم يستطع أن يغادر البرنامج دون التعبير عنه: مساءلة حمادي الجبالي عن "الرش" في سليانة. أعتقد أنه ثمة طرف أو أكثر لا يريد لا توافق ولا ائتلاف ولا كفاءات ولا محاصصة ولا شرعية ولا حتى ديمقراطية وإنما يريد تسلم السلطة بأي وسيلة وهو نفسه الذي عبر في اجتماع وقبل غدر المغدور بلعيد بثلاثة أيام "نحن جاهزون لتسلم السلطة" كتبت يومها فقرة بعنوان "انقلاب" تساءلت لمن يوجه هذا الزعيم تطميناته؟ الشعب لم ينتخبه.. فهل لأطراف خفية فاعلة في الداخل والخارج؟ من حق النهضة بل من واجبها عدم التفريط في الشرعية وعدم ترك أهم وزارات السيادة أو في أسوء الحالات وزارة الداخلية حتى لا تصبح رهينة لدى أطراف يُعادونها ويتجاوزون كل آداب الإختلاف نحو أساليب الإجتثاث وقد تدربوا عليها مع شريكهم في "الحرب" القذرة... وسيطالبون عاجلا أو آجلا بمحاسبة وزراء النهضة وسيشددون على ذلك وخاصة وزراء السيادة ورئيس الحكومة والملفات جاهزة...وإذا لم ينجحوا الآن فسبفعلون إذا نجحوا في الإنتخابات القادمة ...وثمة من يدربون حناجرهم على شعار: "النهضاوي هرب" ...وثمة من يتدرب على ممارسة لعبة الليل " يا شعب تونس النهضاوي هرب.... رابطات حماية الثورة تحتاج تكوينا وتهذيبا وتوجيها ولا يمكن حلها. وزارة الشؤون الدينية لا يمكن تحييدها بالمعنى الذي يطالب به بعض السياسيين فلا يمكن تسليم الوزارة لتكنقراط أو لشخصية غير مسلمة والأئمة لا يمكن أن يكونوا محايدين في دورهم الأساسي "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ومجالات هذا الدور سياسية وثقافية وأسرية وتجارية ورياضية ... فهي مجالات دنيوية يشتركون فيها مع الجمعيات والأحزاب والرابطات. نعم لمرونة من أجل التوافق وتجاوز حالة الإنشداد والإحتباس ولكن حذار من تسليم الرقاب ...فاللعبة لم تعد سياسية وإنما وجودية.