في أول خطاب له بعد انقلاب 3 جويلية 2013 ، بمناسبة تخريج دفعة جديدة بالكلية البحرية وكلية الدفاع الجوي ، أعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسي ، نائب رئيس الوزراء في حكومة الانقلاب ، ووزير دفاعها ، والقائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية ، ومن وراء نظارات سوداء تحجب نظراته المرتبكة ، وعينيه الغائرتين ، انه لم يغدر ولم يتآمر ولم يخن وإنما كان أمينا في تقديم النصح للرئيس الدكتور محمد مرسي وذكر أنه قدم له ثلاثة تقديرات استراتيجية للموقف حذر من خلالها من أنّ الأمن القومي المصري يتعرّض للخطر بسبب وجود خلافات سياسية داخليه واستقطاب حاد كما ذكر انه عرض علي الرئيس مرسي المبادرة قبل الجميع . ولإضفاء مزيد من براءة الذئاب على خطابه تكلم بلهجة تنم على حدة أزمة الثقة في النفس التي يمر به نظام الإنقلاب في مصر مستدرا عطف المصريين الذين بدأت صحوة الضمير عند بعضهم ، واكتشافهم لفداحة الخدعة التي أوهمهم الجيش وإعلام مبارك بها تجعل الآلاف منهم يلتحقون بميدان رابعة العدوية نصرة للشرعية ورفضا لحكم العسكر ، حيث خاطبهم قائلا : (إياكم ان تظنوا أنني خدعت الرئيس مرسي فالجيش المصري علي مسافة واحده من كل الفصائل وتحت قيادة الشرعية وليس تحت أي قيادة أخري سيحاسبنا الله جميعا ولا نستطيع أن نخدع الله ) ، بل وأقسم ( والكل يدرك دلالة اللجوء للقسم ) أنه (والله العظيم كنت أعرض علي الرئيس كل البيانات قبل صدورها ) وأنه لايقول كلامه هذا تباهيا ، وإنما ليكون الشعب المصري فخورا بجيشه ،، فنحن نخاف الله – على حد قوله – ولعل الجزء الأول من الخطاب حمال لدلالات عدة أهمها أن السيسي متوتر للغاية ( النظارة السوداء ، وعدم القدرة على إنهاء الخطاب المرتجل ) كما أن اللجوء للقسم وتكراره يدل بوضوح تام عن حدة أزمة الثقة بالذات أما تأكيده على انه كان دائم النصح للرئيس فمن الواضح أنه ناتج عن الإحساس بذنب الخيانة والخديعة والالتفاف على شرعية اول رئيس مصري منتخب . أما الجزء الثاني من الخطاب فقد عبر فيه السيسي عن معان خطيرة للغاية ، تتناقض تماما مع خارطة الطريق التي أعلنها في خطاب الانقلاب ، وتتمثل في دعوته للمصريين – الشرفاء ، الأمناء - ( ويقصد بهم طبعا فلول مبارك ، والبلطجية وأنصار الانقلاب ) للخروج في مسيرات مليونية يوم الجمعة القادم لإعطائه تفويضا لمواجهة العنف والإرهاب ، أي أنه يبحث عن تفويض بممارسة العنف والتقتيل وإرهاب الدولة ( وإذاكان قد طلب اليوم هذا التفويض فمن أين استمد التفويض للقيام بانقلابه ؟ ) وبهذه الدعوة ، يضع السيسي مصر على صفيح ساخن ، يمكن ان يؤدي بها إلى حرب أهلية يكون الخاسر الأكبر فيها الشعب المصري ويكون فيها العدو الصهيوني أكبر الفائزين . كما تمثل دعوة للمصريين لخوض حرب أهلية لحماية الإنقلاب الذين ادعى سابقا ، ولاحقا أنه قام به من أجل حمايتهم من الحرب الأهلية . ويظل الوضع بعد هذا الخطاب الخطير مفتوحا على عدة احتمالات منها فض اعتصام رابعة العدوية ، وميدان النهضة ، وبقية ميادين مصر بالقوة ، وماسينتج عنه من إهدار للأرواح والدماء ، كما تبقى هناك إمكانية لإعلان حالة الطوارئ أو الأحكام العرفية التي يتم تحت غطائها تنفيذ الاغتيالات والزج بأنصار الشرعية في السجون . إنها منتهى العجرفة ، والاستهتار بهيبة أكبر دولة عربية ، وزج بأبنائها في مواجهات قد تكون لها انعكاسات خطيرة على وحدة البلد والأمة . أرض الكنانة ، وخلال الثماني والأربعين ساعة المقبلة مفتوحة على كل الاحتمالات ، ويظل الأمل معقودا في أصحاب الحق والشرعية الذين لم ترهبهم البلطجة ، ولاعدد الشهداء الذين سقطوا في مذبحة الحرس الجمهوري ،و وانبروا ينافحون عن شرف الأمة في ملحمة سوف تدونها لهم صفحات التاريخ ، لأنه لو كان للانقلاب أنصار لأيدوه على حد قول عصام العريان . مدون وناشط سياسي / القصرين* 24/ 7 / 2013