لماذا يجبر التوانسة جبرا على اختيار شخصية لرئيس الحكومة المؤقتة القادمة من كشف اسماء كلهم من الأرشيف ؟ هل أصبحت تونس عاقرا و ليس لها من بين سياسي اليوم و لا من الشباب من عنده الإشعاع الكافي لهذه المهمة السياسية في هذه المرحلة الانتقالية ؟ ام ان شدة "التعصب" و اتساع "مسافة الهوة" بين المتحاورين هو السبب... انا شخصيا أميل الى ان هذا التفسير الأخير هو السبب الفعلي للعودة الى الأرشيف .... و سترى تونس بحول الله في مستقبل أيامها و عندما تسكن العاصفة و يستتب الامر رجالا و نساءا من شباب اليوم من سيكون لهم إشعاع سياسي كبير.... و اذا تجاوزنا اشكالية ان الحوار الوطني تأسس أصلا على "فهم خاطئ" او لنكون اكثر دقة على "بداية خاطئة"، حيث كان من المفروض ان يكون هناك حوار وطني حتى يتم بحث الآليات التي تؤدي الى إنهاء الفترة الانتقالية سريعا و الوصول الى انتخابات سليمة و شفافة و صادقة و كان من المفروض ان يكون هذا هو أساس الحوار الوطني و ليس تعيين رئيس وزراء مؤقت و حكومة انتقالية مؤقتة اخرى ليس لها من الوقت ما يمكنها ان تنجز فيه شيئا أفضل او أحسن من الحكومة الحالية المؤقتة.... اذن فالحوار الوطني مؤسس أصلا على "مغالطة" او على "جرف هار" لا يمكن ان يعول عليه للحركة فضلا عن الانتقال من مرحلة مؤقتة الى اخرى نهائية او دائمة ... اقول اذا كان هذا التحليل بخصوص الحوار الوطني سليما فان المسار بدا خطا و مهما كانت الأسباب فان كل الذين اتفقوا على الحوار الوطني من رعاة الحوار الى المعارضة الى الحكومة الى شخصيات المرحلة الى كل المستشارين لهؤلاء و هؤلاء قد وقعوا جميعا في فخ لا يخدم البلاد و لا العباد، باستثناء من كان ذلك هو هدفهم أصلا و بذلك فقد دفعوا الشق الاخر الى الخطأ دفعا، و كان من المفروض على هذا الشق المدفوع ان يصمد و يعلن على الملأ لكي يعلم الشعب انه يختار ان يكون للحوار الوطني هدف واحد يتمثل في الاتفاق على آليات الخروج من المرحلة الحالية الانتقالية المؤقتة الى المرحلة القادمة و لذلك فانه يقترح ان يكون الحوار الوطني من اجل: - الاتفاق على آلية الانتخابات القادمة. - الاتفاق على موعد الانتخابات. - الاتفاق على موعد إنهاء المجلس التأسيسي لمهمته الاساسية: الدستور. ..... نقطة و ارجع الى السطر....... .... و لكن اذا تجاوزنا هذا التحليل، لانه "قد فات الفوت الان" و مهما يكن من امر فانه (ليس بالإمكان أفضل مما كان) و "ما فات فات" خاصة و نحن نعلم انه من الصعب ان لم نقل من المستحيل ان يتم التراجع الان على ما قد تم البدء فيه كاساس و "كخارطة طريق" للحوار الوطني بعد ان تم الاتفاق عليه بل تم التوقيع عليه و قد أخذ هذا الحوار شوطا و أياما حتى وان اتضح هذا الخطأ للعيان كما حللنا - لا أتصور ان يكون هناك من بين المتحاورين من له الشجاعة - ان يقول "خلينا نعدل بوصلة الحوار" لا لشيء الا لان "العقليات التي تتحاور" تتربص شرا ببعضها و تتوجس خيفة من بعضها البعض و قبل ذلك كله ان شقا كبيرا من المتحاورين كان ذلك هدفه من الحوار أصلا ... اذا اخذنا ما ناقشنا أعلاه بعين الاعتبار فان القارئ سيفهم إلحاح النهضة على ان تكون الشخصية المختارة لحمل هذه المسئولية شخصية ذات صفات معينة أهمها "الاستقلالية و الأمانة" و اخر همها "الكفاءة و السن" لان موضوع الكفاءة و ان كان مغالطة من أساسه لكون الذي يعمل هو "دولاب" بأكمله و ليس شخص رئيس الحكومة، و الجميع يعلم ذلك و ليس سراً لان الادارة دولاب قائم متواصل في دورانه و إنما كبار الساسة من رئيس الدولة الى رئيس الحكومة الى الوزراء لهم ادوار اخرى هامة ذات إشعاع خارجي اكثر منه داخلي، و لذلك فان تصور رئيس الحكومة الذي يعمل اربع عشرة ساعة في اليوم هو و لا شك تصور خاطئ و كلام اقل ما يقال فيه انه يراد به مأربا اخر غير الحقيقة. ان تركيز السكة لقطار الديمقراطية و الحرية في تونس الغد ليس بالأمر السهل او الهين و لكن ذلك يتطلب حزما و مصارحة لان الامر في النهاية لا يخص حزبا بعينه و لا شخصا لوحده مهما كثر اتباع ذاك الحزب و مهما علا شان ذاك الشخص، الامر يهم الشعب بأكمله و لذلك كان لزاما ان تتم العودة للشعب من ان الى اخر حتى يتم إتمام تجهيز السكة و ينطلق القطار... د/ابراهيم ميساوي