ما أجمل لفظ وكلمة "الحوار" إذا كان المقصود منه عملية التواصل والتفاهم من أجل الوقوف على أرضية مشتركة والتعامل بقواسم مجمِّعة... حوار هذا هدفه لا يتخلّف عن المشاركة فيه عاقل في هذا العالم... فبالحوار - إذا توفّرت الإرادة - تقرّب الشقّة وبه تزال العقبات وبه يسود التفاهم والوفاق فيتحقّق الأمن وتُركّز الثقة في النّفوس وبين الأطراف المجتمعيّة أو الكيانات الإنسانيّة المنتشرة في هذا العالم ناهيك عن المجموعات الصغيرة الفاعلة كالعائلة (البيت) وموطن العمل ومنشط السياسة وغيرها... وعندنا نحن المسلمين "إنّ الدّين عند الله الإسلام"، أما الشرائع فهي مختلفة. ما ينفي وينسف مصطلح الأديان الرّائج بين النّاس. غير أنّ حرصنا على الحوار مع محيطنا ومع النّاس جميعا انطلاقا من المفهوم العام الذي جاء به الإسلام والمتمثّل في الدّعوة باعتماد الكلمة الطيّبة والجدال بالحسنى، دفعنا إلى الأخذ بهذا المصطلح وتجاوز شبهاته، ورأيناه نوعا من الحوار مع الكيانات غير المسلمة، فحاورنا بقلب مفتوح بغية الوصول إلى ما يجمع البشريّة على ما يخدم مصالحها!... فانخرط خيرة علماء الأمّة في هذا الحوار رغم مؤاخذاة المتمسّكين بالظاهر، أولئك الذين كفّروا وفسّقوا وآذوا بلا حدود ممن انخرطوا فيه!... وكان يمكن لعلمائنا استيعاب ذلك الأذى كلّه لو وجدوا في الحوار المسمّى "حوار الأديان" فائدة ولو صغيرة تعود على عموم النّاس في المعمورة، ولكنّهم لمّا رأوا انحرافا في الطرف الآخر المحاور وميلا منه إلى تغليب ما لا يستقيم، نأوا بأنفسهم عن حوار هُدف منه حسبما فُهم تطويع طرف لطرف بمفعول القوّة الماديّة دون رجوع إلى قوّة الحجّة العلمية والعقليّة... ممّا يجعل السؤال اليوم يتأكّد ويُرفع بصوت عالٍ؛ ما الفائدة من حوار قد عُرفت نتائجه سلفا، وما فائدة المسلمين بقبوله تحت هذه اليافطة وهم يعلمون - كما يعلم أصحاب الديانات السماويّة النّاجون من التحريف - ألّا دين عند الله إلّا الإسلام!!! علينا اليوم التوقف طويلا والتمهّل كثيرا لمعرفة المقصود والهدف من حوار يُعزم على البدء فيه أو استئنافه هنا ونهاك، حتى لا نُخدع فيه وبه كما خدع علماؤنا الأجلاء لمّا استجابوا للمشاركة فيه بحسن نية وإخلاص!... وقد يقول قائل، نحن أحوج ما نكون إلى الحوار في زماننا الحاضر من أي زمن مضى وانقضى خصوصا ونحن نعيش في بلاد الغرب بين ظهراني غير المسلمين من الملل والنحل من الملحدين أو ممّن يدّعون اتّباعا للمسيح عيسى وللنّبيّ موسى عليهما الصلاة والسلام، من النصارى واليهود، دون أن يكون لهم من ذلك نصيب!... وذلك واقع لا يتجاهله أحد... ولكن، دعنا نطرح بالمقابل سؤالا مُعادًا ومُكررًا مفاده ما هي الفائدة والثمرة المنتظرة من هذا الحوار، "حوار الأديان"، في الوقت الرّاهن والزمن الحاضر؟!... فإذا كان الهدف منه تذليل العقبات المعترضة سابقا والتي لا تذلّل إلّا باعتراف الطرف غير المسلم بعدم جدّيتهم السالفة واستعدادهم الحالي للمشاركة الفاعلة في الحوار بشكل يجعله خادما للإنسانيّة جمعاء، فإنّا لن نتردّد في ذلك البتّة، ولكن إذا كان مجرّد مواصلة ما بُدِئ بذات الوسائل والنّوايا والأفكار والعقلية، فقد وجب علينا اختيار ما ينفعنا وينفع الأمّة والإنسانيّة بدل المشاركة في حوار يكون انخراطنا فيه مجرّد وسيلة لإسباغ الشرعيّة والعالميّة عليه، ونكون نحن مجرّد وسيلة تلبيس على المسلمين وعلى النّاس!... لقد مرّ على الأمة الإسلامية منذ بعثة الرّسول الخاتم عليه الصلاة والسلام قرونا عدة والمخالفون يراوحون مكانهم بل يتقدّمون في الاتّجاه المعاكس، لا يرون الحقّ ولا ينشدونه ثمّ لا يقصّرون في استنباط ما يُبدُون به المسلمين مخالفين للحراك العالميّ!... يدّعون "حوار الأديان" ويجتمعون خارج موائده للتحريض على المسلمين كما فعلوا بوثيقة بروكسال لسنة 2012 المحذّرة من الإسلام والمسلمين والمعاقبة لكلّ مَن يعتبر أنّ الإسلام قد سبقهم إلى حقوق الإنسان، والتي عبّروا فيها عن عنصريّة مقيتة تحارب الفكر ناهيك عن الإسلام عقيدة وسلوكا(*). والشواهد قديما وحديثا تحدّث بعدم جدّية الطرف المقابل في الحوار، فنحن معه بين حروب صليبية مقدسة، وبين تصدير ديمقراطية تعتمد وسائل بعيدة كل البعد عن الحوار والإقناع من احتلال ومذابح ومؤامرات، كما نرى ذلك جلياً في أفغانستان والعراق وفلسطين والبوسنة والهرسك وكوسوفو وميانمار والفلبين وكشمير وغيرها من بلاد الإسلام!!!... نحن مع الحوار وقد نغفل عن شبهته "حوار الأديان" طالما كان في الحوار فائدة تحقّق للعالمين. وإلّا فلا سبيل إلى حوار يؤكّد علينا سطوة المنتصرين!... كتبه محمد هرار --------------------------------- (*):http://www.libertiesalliance.org/brusselsconference/2012-brussels-declaration/