فحوى لقاء سعيّد بوزيري الشؤون الاجتماعية وتكنولوجيات الاتصال    سعيّد يؤكد لدى استقباله رئيسة الحكومة: لا أحد فوق المساءلة والقانون    انعقاد جلسة عمل اللجنة القطاعية للبيئة في إطار إعداد المخطط التنموي 2026-2030    ارتفاع أسعار النفط وسط تصاعد المخاوف من اضطراب الإمدادات    وزير أملاك الدولة يعلن عن الانطلاق في إعداد المخطط التنموي للفترة الممتدة بين 2026-2030    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي    هجوم إيراني جديد على تل أبيب وأميركا تنفي المشاركة بالقتال    السفارة الأمريكية تعلن تعليق عملها وتعذر إجلاء مواطنيها من إسرائيل    ملتقى تونس الدولي للبارا العاب القوى (اليوم الاول) : العناصر التونسية تحرز 9 ميداليات من بينها 5 ذهبيات    ماكرون.. ترامب أبلغ زعماء مجموعة السبع بوجود مناقشات للتوصل إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل وإيران    فوكس نيوز: ترامب طلب من مجلس الأمن القومي الاستعداد في غرفة العمليات    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية لفريق فلامينغو في مواجهة الترجي    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    بالفيديو: مطار طبرقة الدولي يستعيد حركته ويستقبل أول رحلة سياحية قادمة من بولونيا    القيروان: إزالة توصيلات عشوائية على الشبكة المائية في الشبيكة    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    بعد تسجيل 121 حريقا في 15 يوما.. بن الشيخ يشدد على ضرورة حماية المحاصيل والغابات    انطلاق عملية التدقيق الخارجي لتجديد شهادة الجودة بوزارة التجهيز والإسكان    ميناء جرجيس يستقبل أولى رحلات عودة التونسيين بالخارج: 504 مسافرين و292 سيارة    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    أخبار الحكومة    بورصة: تعليق تداول اسهم الشركة العقارية التونسية السعودية ابتداء من حصّة الإثنين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    طقس الليلة    إسناد العلامة التونسية المميزة للجودة لإنتاج مصبر الهريسة    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    "تسنيم": الدفاعات الجوية الإيرانية تدمر مقاتلة إسرائيلية من طراز "إف 35" في تبريز    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    العطل الرسمية المتبقية للتونسيين في النصف الثاني من 2025    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    عاجل/ آخر أخبار قافلة الصمود..وهذه المستجدات..    عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق سنية الدهماني..    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    فجر الثلاثاء : الترجي يواجه فلامينغو وتشيلسي يصطدم بلوس أنجلوس: إليك المواعيد !    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الإسلاموفوبيا (5)طارق الكحلاوي
نشر في الفجر نيوز يوم 14 - 03 - 2009

الكتاب الأول الذي نشره «ابن الوراق» والذي جمع فيه الدراسات الأكاديمية عن التاريخ الإسلامي كان بعنوان «أصول القرآن» (1998). جميع المقالات -باستثناء مقالين- كتبها الجيل القديم من المستشرقين الذين اهتموا بموضوع «الدراسات القرآنية» وهو ما يفسر العنوان الفرعي للكتاب «مقالات كلاسيكية للكتاب المقدس للإسلام». من بينها مقال المستشرق الألماني ثيودور نولدكه (Theodor Nöldeke) والذي لخص فيه سنة 1891 دراسته الكلاسيكية المنشورة سنة 1860 «تاريخ القرآن» والتي أسست لجميع الرؤى الاستشراقية الأولية حول موضوع «الدراسات القرآنية»، وحصل مقابلها على جائزة «أكاديمية النقائش والآداب» الفرنسية. نجد كذلك دراسة لأبراهام غايغر (Abraham Geiger) الذي كان من مؤسسي تيار «اليهودية الإصلاحية» في ألمانيا وكتب دراسة سنة 1832 حول «الأصول اليهودية للإسلام»، كما نجد أيضا دراسة الأمير الإيطالي ليوني كايتاني (Leone Caetani) والذي نشر دراساته حول التاريخ الإسلامي في بداية القرن العشرين، ونفس الأمر بالنسبة للأب اليسوعي هنري لامانس (Henri Lammens) الذي نشر في الفترة نفسها، والبريطاني الأب سانت كلير تيسدال (W. St. Clair Tisdal) رئيس البعثة التبشيرية ل «كنيسة إنجلترا» في إيران نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. الأفكار الأساسية التي دافع عنها هذا الجيل من المستشرقين ذات العلاقة بالقرآن هي «الأصول المسيحية واليهودية للقرآن» وتفنيد أي تميز فيه عما سبقه.
قدم هذا الجيل المؤسس من المستشرقين إضافات أكاديمية على مستوى المنهج، خاصة في نقد المصادر الإسلامية بما في فيها الإخبارية ومدونات الحديث ومساءلة روايتها (كما فعل أحيانا كايتاني على سبيل المثال)، وحتى ملامسته للإسلاموفوبيا من أسس أكاديمية (مثلما هو حال لامانس مثلاً كما سأذكر أسفله) لا يمكن مقارنتها بسطحية وهشاشة «الإسلاموفوبيا الأكاديمية» الخاصة ب «إسلاموفوبيي الخدمة» والتي هي بالأساس استنساخية مثلما هو حال «أعمال» ابن الوراق. لكن استحضار هذه الدراسات وإعادة تجميعها من قبل الأخير ليس مجرد مصادفة، فمن الضروري التوقف هنا عند نقطة أساسية وهي أن الرؤى العامة لهذا الجيل من المستشرقين لم تحقق قطيعة على مستوى نقاط التركيز والمضمون عن الرؤى التي سيطرت خلال الفترة القروسطية على الكتابات المسيحية عن الإسلام. فرغم التعمق المنهجي والمعرفي لهؤلاء المستشرقين الرواد وغالبيتهم من الذين قاموا بمقاربات لغوية بوصفهم متفوقون في «اللغات السامية» (عربية وعبرية وأرامية- سريانية) فإن الإشكاليات المدروسة وبالتحديد موضوع «أصول القرآن» (في إشارة خاصة إلى «أصوله المسيحية واليهودية») وكذلك المضمون الذي يتميز بشكل دائم ب «التشاؤمية» و «التشكيك المنتظم» (مثلما يشير «ابن الوراق» في مقدمته) في الرواية التاريخية الإسلامية وإدعاء تقديم بديل راديكالي عنها هي ذاتها مميزات الكتابات المسيحية القروسطية عن الإسلام. وتسنى للباحثين الآن الاطلاع بشكل أكثر دقة على هذه الكتابات القروسطية من خلال دراسات جديدة مثل كتاب توماس بورمان (Thomas Burman) حول «قراءة القرآن في المسيحية اللاتينية 1140-1560» مما يمكننا من مقارنتها مع الدراسات الاستشراقية التي بدأت منذ القرن التاسع عشر والتي تم النظر إليها تقليدياً بأنها تمثل قطيعة مع ما سبقها. إذ يفصل بورمان في كتابه والذي اعتمد على دراسة ممنهجة لقائمة طويلة من المخطوطات غير المنشورة كتبت في القرون الوسطى في الأديرة الأوروبية هيمن الاهتمام فيها بموضوع «أصول القرآن» وبالتحديد من زاوية سجالية تنطلق منهجياً من مسلمة «ضلال القرآن» وتضع مسبقاً نصب أعينها إثبات «الأصول المسيحية» أو «التوراتية» عموماً للقرآن ومن ثمة «تزييفه» للمسيحية.
الاستعداد المبدئي لإثبات خلو الإسلام (عبر القرآن) من أي تميز وأنه مجرد «نسخة مزيفة» من المسيحية أو اليهودية هي مقاربة الجيل الأول من المستشرقين نفسها بما يمثل تواصلاً مع الرؤية القروسطية الصادرة من أوساط دينية. وفي هذا السياق لا يبدو من الصدفة أن عدداً من أقطاب الجيل المؤسس من مستشرقي القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين هم رجال دين مسيحيون ويهود وبعضهم كان جزءاً من التركيبة الاستعمارية أو شبه الاستعمارية الأوروبية في الربع الأول من القرن العشرين (مثلا لامانس في لبنان وتيسدال في إيران). كما أنه ليس من الصدفة أن أول اتهام مسجل تاريخياً ب «الإسلاموفوبيا» كان موجهاً لأحد أقطاب هذا الجيل من المستشرقين ورجال الدين أي الأب لامانس إثر نشره كتابه حول سيرة الرسول في بداية عشرينيات القرن الماضي. وهنا يجب استحضار مقاربة إدوارد سعيد لاستشراق القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لفهم هذا الجيل من المستشرقين بالنظر إلى الخلفية الكولونيالية لاستشراقهم. فرغم صحة الانتقادات التي وجهت إلى سعيد خاصة حول الارتباط الميكانيكي بين جنسية المستشرق والانخراط الاستعماري لبلده وحول خلو عمله من أي تركيز على دراسات المستشرقين الألمان (في إشارة إلى باحثين مثل نولدكه وغايغر) واقتصاره على مستشرقين من أقطار مارست الاستعمار مثل بريطانيا وفرنسا، فإن ذلك لا يعني أن رؤية سعيد العامة من دون أساس. الأصول الألمانية لبعض رموز الجيل المؤسس من المستشرقين لا تعني عدم تميزهم بنفس ميزات «الاستشراق الكولونيالي» لمعاصريهم الفرنسيين والبريطانيين. ليس لأنه كان هناك تواصل معرفي واضح بين المستشرقين العاملين ضمن هذه الفضاءات الجغرافية (مثلما هو واضح في مثال نولدكه مثلاً)، بل لأن الجامع هنا بينهم ليس الخلفية الجيوسياسية، بل الخلفية الثقافية «المسيحية اللاتينية»، والتي تفسر تشابه اهتماماتهم بدراسة الإسلام من خلال مسائل مثل «أصول القرآن».
إذ من الممكن أن نرى أن الإشكال المنهجي الرئيس بالنسبة لرؤية إدوارد سعيد في موضوع الاستشراق هو تركيزه على الخلفية الكولونيالية الحديثة وطابعها السياسي بمعزل عن أصولها الثقافية المؤسسة قروسطياً. ومن هذا المنظور أيضاً يجب النظر إلى محاولات الإحياء لأطروحات ومقاربات «الاستشراق الكولونيالي» التي استرجعت قواها بشكل خاص مع سبعينيات القرن الماضي، وللمفارقة في نفس المرحلة التي عرفت التأسيس للنقد المنهجي ل «الاستشراق الكولونيالي». إذ على هامش الرؤى الاستشراقية العامة السائدة في الفترة ما بعد الكولونيالية وبعد تعرض السرديات الخاصة ب «الاستشراق الكولونيالي» لانتقادات قوية منذ بداية ستينيات القرن الماضي من مستشرقين مثل مكسيم رودنسون وبرنارد كوهن استرجع بعض المستشرقين الآخرين، خاصة في السياقين الأنجلوسكسوني (خاصة البريطاني) والألماني أطروحات واهتمامات الجيل الأول من المستشرقين. فالمنشورات الاستنساخية لابن الوراق ليست سوى محاولة توظيفية لعمليات الإحياء هذه، وهو ما ينعكس في احتواء كتاب «أصول القرآن» على مقالين لرمزين من مدرسة «المراجعة» الجديدة هذه والمتواصلة إلى اليوم: أرثور جيفري (Arthur Jeffrey) وأندرو ريبين (Andrew Rippin). في المقابل سيرد «الاستشراق ما بعد الكولونيالي» (المؤسس على أنقاض «الاستشراق الكولونيالي») على ذلك من خلال التأكيد على الطابع «التشاؤمي» بشكل غير مبالغ فيه لهذه المقاربات الجديدة تجاه المصادر التاريخية الإسلامية وأيضا الخلفية «المعادية للإسلام» و «السجالية» لبعضها. كما ستركز على الفارق بين موضوع «الدراسات القرآنية» واختزال الأخيرة في إشكالية «أصول القرآن»، وهو ما سنفصل فيه في المقال القادم.
أستاذ «تاريخ الشرق الأوسط» في جامعة روتغرز
العرب
2009-03-15


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.