أطلق باحِث فرنسي بارز، دعوة لمراجعة الموقف الأوروبي المتوجِّس من الحركات الإسلامية في المغرب العربي، وحثّ على التحاور معها انطلاقا من أن "تشجيع الإعتدال هو أفضل ضمانة للإستقرار وأقوى حاجز أمام التطرف والعنف". تحتاج هذه الدّعوة غير المألوفة، إلى تسليط الضوء على مضامينها وفهْم أبعادها، خصوصا أنها تُعزِّز مواقف مُماثلة، صاغها خبراء ألمان، فضلا عن كونها تتقاطع مع رؤية الإدارة الأمريكيةالجديدة. صدرت الدراسة، التي تقع في 71 صفحة وتحمل عنوان "المغرب العربي: كيف نقضي على الخوف من الديمقراطية؟"، عن معهد الدراسات الأمنية التابع للإتحاد الأوروبي، وحرّرها الباحث الفرنسي لوي مارتيناز، وهو مدير دراسات في مركز "سيري" CERI وباحث مشارك في معهد الدراسات الأوروبية. ومارتيناز معروف بمنهَجه النّقدي المتمرِّد على القوالب المألوفة وباطِّلاعه الواسع على الشؤون المغاربية، إذ كتب عدّة مؤلفات عن المنطقة، منها "الحرب الأهلية في الجزائر" 1998 (بالفرنسية) و"المفارقة الليبية" 2007 (بالإنجليزية)، بالإضافة لمشاركته في كِتاب جماعي بالإنجليزية عن ظاهرة العُنف الإسلاموي. لكن ما مغزى أن معهد الدراسات الأمنية الأوروبي، هو الذي طلب هذه الدراسة؟ مهمّة المعهد الأساسية هي إعداد دراسات ووضع توصِيات للإتحاد الأوروبي من أجل بلوَرة السياسات الأمنية والدفاعية الأوروبية. فهو يقوم بدور همْزة الوصْل بين الخُبراء وصنّاع القرار الأوروبيين في كافة المستويات. واللافت، أن الأفكار التي تُطرَح من خلاله، ليست رُؤىً ذاتِية أو تهويمات شخصية، وإنما تناقش الأوراق عادة في "سيمينار" (ندوات) أو من قِبل مجموعة من الباحثين الذين يجيزونها ويعتبرون نشرها عُنصرا مُساهما في النقاش، ما يعني أن المعهد يمكن أن يُدرج ضمن مطابِخ القرار الأوروبي العديدة والمتنوعة. وأطلِق على سلسلة الأوراق اسم "كرّاسات شايو" (في إشارة إلى قصر "شايو" بباريس الذي يحتضن المركز)، وهي أوراق مُنفصلة تتناول كل واحدة منها قضية بعيْنها ويُحررها عادةً باحث من العاملين في المعهد أو باحثون آخرون، يتم اختيارهم لمهمة محددة. واللافت أيضا، أن مدير معهد الدراسات الأمنية ألفارو دي فاسكنسيلوس، تساءل في المقدمة الجسورة التي وضعها للدراسة "هل تخاف أوروبا من الديمقراطية في المغرب العربي؟ فبعد 15 سنة من ندوة برشلونة، ما زال الفعل الأوروبي من أجل الديمقراطية غير بارز بما فيه الكفاية، إذا ما وُضع في إطار مُجمل حصاد العمل الأوروبي، وهذا ما أثبته مارتيناز في دراسته، فهو يُبرز كيف أن الهدف الذي حظِي بالأولوية لدى الأوروبيين، ليس الديمقراطية، وإنما الإستقرار. مزالق الانفتاح لكنه يؤكِّد في ردٍّ على المُحذّرين من مزالق الإنفتاح على التيارات الأصولية، أن الديمقراطية لا تتناقض مع الإستقرار، بل على العكس هي مفتاحه، "فالإستقرار يحتاج إلى تنفيذ إصلاحات ديمقراطية عميقة لإسناده"، على ما قال في الدراسة. وحتى الإصلاحات الإقتصادية لا يمكن السير فيها، إن لم يكن وراءها قادة شرعيون "يحظَوْن بالمصداقية، لأنهم مُنتخبون ديمقراطيا". وأكد الأكاديمي التونسي عمر بوبكري، أن أوروبا تنحو فِعلا هذا المنحى في سياستها المغاربية والمتوسطية عموما. وقال ل swissinfo.ch إن الإتحاد الأوروبي تبنّى في البداية مواقف الحكومات العربية تُجاه الحركات الإسلامية من دون تحفُّظ، وهو ما أدّى إلى إقصائها من مشاورات الشراكة والتعاون، بناءً على نظرة ترى في تلك الحركات تهديدا للمصالح الأوروبية الإستراتيجية في مناطق النفوذ التقليدية، لكن أحداث ما بعد 11 سبتمبر 2001، أظهرت الحاجة بالنسبة للأوروبيين إلى التّمييز بين الحركات الإسلامية الجهادية والحركات السياسية. وتابع بوبكري مُستخلصا، أنه "كان لابد من التعامل مع التيارات الأصولية كحركات سياسية، بغضِّ النظر عن الأيديولوجيا الإسلامية التي تقوم عليها، واتّجهت بالتالي، إلى تمييزها عن الحركات الجهادية التي تستعمِل العُنف وسيلة لتحقيق أهدافها. وتدعم هذا الأمر استنادا لما أثبتته الأحزاب الإسلامية من قُدرة كبيرة على تعبِئة الرأي العام، خاصة أثناء بعض المحطّات الانتخابية، التي ساهمت فيها بشكل ناجع. كما أكّدت الاستطلاعات، التي أصبحت تهتم بالرأي العام العربي منذ بضع سنوات، أن تلك الأحزاب تحظَى بمساندة حقيقية وواسعة من شرائِح عريضة في المجتمعات العربية. واعتبر بوبكري، وهو أستاذ القانون في جامعة سوسةالتونسية، أن تلك التطورات مهّدت لقبول الإتحاد الأوروبي بفكرة التعامل مع الحركات الإسلامية المعتدلة، لكن الإشكال المطروح، على رأي الباحث، "يتمثّل في تحديد الحركات المعتدِلة من عدمها". وهنا، فضّل الإتحاد الأوروبي ثانية الاحتكام إلى الحكومات العربية، التي أصبحت المرجع في تعريف الاعتدال، لتُصبح الحركات التي تقبل بها هذه الحكومات هي المعتدلة، وبالتالي، فهي التي يمكن للإتحاد الأوروبي التعامل معها، وأقصت بذلك الحركات التي تستبعِدها تلك الحكومات، بغضِّ النظر عن كون الدّوافع الحقيقية للإقصاء، غالبا ما تعود إلى رفض هذه الأخيرة (أي الحكومات) لكل مزاحم حقيقي لها على السلطة، "وهو ما يؤدّي في آخر المطاف إلى مساهمة الإتحاد في تأبيد الوضع السياسي الحالي، عِوضا عن مساهمته في دفع التنمية السياسية في جنوب المتوسط"، مثلما أوضح بوبكري. الجمود يُولد القلاقل ويرى مارتيناز في دراسته أن المغرب العربي يُواجه تحدِّيات ضخمة ولا يمكن التصدّي لها من دون تعاون بين الحكّام والمجتمعات الأهلية. فالديمقراطية هي السبيل للتغلّب على التحديات. ويُظهر الباحث كيف أن القضاء على الخوف من الديمقراطية، هو أساس بناء العلاقة الجديدة التي تمرّ طبعا عبْر تجاوز الخوف من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية. ويتساءل في هذا المضمار: ألا تُولد المحافظة على الوضع الرّاهن عدم الإستقرار في المستقبل، نتيجة القضاء على النقد الصريح والحرّ والعلني؟ كذلك ألا يؤدّي رفض التعاطي مع تلك الحركات إلى حملها على مزيد من التشدّد؟ "فالدفاع عن الوضع القائم سيدفعها إلى الغلو بسبب إخراج القوى المنتقِدة والإحتجاجية من المجال السياسي (الشرعي)". ويُرجح مارتيناز الخيار الديمقراطي انطلاقا من المرتكزات الأربعة الآتية: - نجاعة الديمقراطية، باعتبارها الإطار السياسي الأقدر على مجابهة خطر الإرهاب. - ضرورة الديمقراطية بوصفها مَمرّا إجباريا للتنمية الإقتصادية والإجتماعية في المغرب العربي من أجل مجابهة البطالة، وخاصة في صفوف الشباب والإستفادة من التغييرات السكانية. - تفوق الديمقراطية بصفتها اللاّزمة للخيارين السابقين، وخاصة في مجال مكافحة الجريمة العادية. - دورها في تحقيق التكامل الاقتصادي، الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة. وشدّد الباحث في باب مهِم من الدراسة، على أن الديمقراطية أداة فعّالة من أجل درء خطر الإرهاب، لأنها تُنتزَع من أصابع التنظيمات المتطرِّفة، الذرائع التي تمكِّنها من تجنيد العناصر التي تتعرّض للتّهميش والإقصاء، كما أنها تمكّن من استيعاب الحركات المعتدلة التي تشكِّل أفضل سياج أمام التطرف والعنف، وهي أيضا الأقدر على التصدّي لتحريف تعاليم الإسلام. "فمن أجل إفشال الإرهاب، لابد أن تُقنع الحكومات شعوبها بشرعية ما تفعله، وهي تحتاج في الوقت نفسه إلى ثقة مواطنيها فيها". ومن هذه الزاوية، اعتبر مارتيناز أن مشاركة "حزب العدالة والتنمية" في المسار السياسي المغربي أنعَشت آمالا كثيرة في المغرب العربي بأسره، لكنه أبدى أسفه، لأن الوضع لم يسِر في الإتجاه نفسه في بلدان أخرى، مُشيرا إلى أنها أقنعت الإتحاد الأوروبي باسم مكافحة الإرهاب، بأن الإنفتاح الديمقراطي ينطَوي على مخاطِر جمّة مُعتمدة في ذلك على الفوز المحقّق للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الإنتخابات التي أجريت في الجزائر في ديسمبر 1991، لكن مارتيناز نبّه إلى أن الجزائر لم تعرِف قبل تلك التجربة مسارا ديمقراطيا مُتدرجا قائما على توافق بين القوى السياسية. وحاول الباحث الفرنسي أيضا ترسيخ الفكرة القائِلة بأن الديمقراطية هي الشرط الضروري لمواجهة التحدِّيات الإجتماعية، وبخاصة البطالة والمعضلات المرتبِطة بها، ولاحظ في هذا السياق أن هناك أخبارا مُفرحة في المنطقة. فمن جهة، حافظت الإقتصادات على نِسبة مرتفعة من النمُو منذ سنة 2003، بينما تراجَعت نسبة الولادات مُحدِثة نوعا من الثورة السكانية، غير أن نسبة العاطِلين، وخصوصا بين الشباب، ظلّت مرتفِعة. فإحصاءات البنك الدولي، أظهرت أن على البلدان المغاربية أن تُوجد 16 مليون فرصة عمل بين سنتي 2000 و2020 لاستيعاب المقبلين الجُدد على سوق العمل. كما أكّد مارتيناز، استنادا دوما إلى توقعات البنك الدولي، أن على تلك البلدان أن تؤمِّن 22 مليون فرصة عمل خلال العقدين المقبلين لامتصاص البطالة التي تتجاوز نسبتها 20% من حجم القِوى العاملة وتشغيل العاطلين الحاليين، وكذلك الذين سيفِدون إلى سوق العمل. أما التحدّي الثالث، فهو المتمثل في مكافحة الجريمة، وهو عمل يحتاج إلى تحقيق تقدّم في تكريس دولة القانون، التي هي روح الديمقراطية. فصلابة الأنظمة تُقاسُ بطريقة تَعاطيها مع المجرمين، بمن فيهم الإرهابيين، لأن السير الجيِّد لدواليب دولة القانون، هو الذي يُعطي الثقة للعناصر الإجتماعية المؤثرة ويُطمئِن المستثمرين. وفي السياق نفسه، اعتبر مارتيناز أن تعزيز التعاون الإقليمي، بات مسألة جوهرية لتحقيق التنمية الإقتصادية ومجابهة الجريمة المنظمة، إن كانت إرهابية أم لا. كما أن صِغر حجم السوق المغاربية، يجعل منها أسواقا مقطّعة الأوصال، لا تستقطب المستثمرين الأجانب، سوى لقطاع الطاقة. ورأى أنه، بإقامة سوق مغاربية عند أبواب أوروبا يصل حجمها حسب تقديره إلى 75 مليون مستهلك، سيُصبح التعاون الإقتصادي الإقليمي عنصر دفع هام للتنمية والإستثمار. وكما أثبتت تجارب عديدة، بما فيها التجربة المغاربية، لا يمكن للتعاون الإقليمي أن يُفضي إلى التكامل، ما لم يكن هناك التِقاء سياسي على قاعدة الديمقراطية. ويجب التصحيح هنا، أن عدد سكان المغرب العربي ببلدانه الخمسة، تجاوز 90 مليون ساكن، وحتى لو اختزلناه في البلدان الوسطى الثلاثة (الجزائر والمغرب وتونس)، فإن عدد السكان لا يقل عن 80 مليون ساكن. وربما جاز التساؤل هنا أيضا عن مُبرر اعتماد مارتيناز على التجربة المغاربية للتدليل على الترابط العضوي بين التكامل الإقتصادي من جهة، وضرورة الإلتقاء حول المرجعية الديمقراطية من جهة ثانية، فلديه تجربة أقوى وأنصع، لا ندري لماذا غفل عنها، هي مسار الوِحدة الأوروبية، وخاصة في أعقاب انهيار الأنظمة الإستبدادية في كل من إسبانيا واليونان والبرتغال في سبعينات القرن الماضي، ثم الأنظمة الشيوعية السابقة في أوروبا الشرقية والوسطى في العقد الأخير منه. هدف ذو أولوية وبالإعتماد على مُعاينة التّفاوت في مستويات تطوّر الأنظمة السياسية المغاربية، نصح مارتيناز بلدان الإتحاد الأوروبي بجعل تعزيز الجهود الرامية إلى إحلال الديمقراطية في المغرب العربي، هدفا ذو أولوية في سياسة الجوار الأوروبي. وشدّد على ضرورة اقتناع الأوروبيين بأن الديمقراطية هي طريق الإستقرار في المغرب العربي، أسْوة بتجربة أوروبا الشرقية والوسطى، على أنه أوضح أن الديمقراطية ليست منظومة جاهزة ومكتملة، وإنما "هي سلسلة متواصلة من الإصلاحات السياسية والإنفتاح التّدريجي الذي تكون العناصر الداخلية هي المؤثرة فيه وينخرط فيه الأفراد والمؤسسات والدولة والمجتمع". غير أن كثيرين في العالم العربي يُشكِّكون في قدرة الأوروبيين على مراجعة موقِفهم من الديمقراطية في الجنوب انطلاقا من المكانة الضّئيلة التي منحوها للديمقراطية في "الإتحاد من أجل المتوسط". ويحق التساؤل هنا عن مدى تجاوُب صنّاع القرار الأوروبيين مع التوجّهات التي يُرجِّحها الباحثون والمخططون، وكذلك عن وسائل الضّغط المُتاحة لدى الإتحاد الأوروبي، لحمل شركائه في الدول المغاربية على انتهاج الخيارات نفسها، انطلاقا من أن الحوار مع التيارات الإسلامية المعتدلة، هو مصلحة أوروبية قبل أن يكون مصلحة مغاربية؟ وما يترك السؤال عالِقا، أنه لم تُعرف ردود الفعل الأوروبية على ورقة مارتيناز. في هذا الإطار، أشار الدكتور بوبكري إلى أن "دعم الديمقراطية لم يحظَ في مشروع الإتحاد من أجل المتوسط بالمكانة التي يستحقّها، على عكس ما تطلّعت إليه عديد القوى السياسية في ضفّتي المتوسط"، وعزا ذلك إلى عدّة أسباب مُرتبطة بظروف إنشاء الإتحاد والأطراف، التي كانت وراء نشأته، إذ جاء مشروع الإتحاد في ظرف اتّسم بتزايد المشاكِل المرتبطة بالهجرة من جنوب المتوسط نحو أوروبا، إضافة إلى التحدِّيات الأمنية التي تطرحها "الحرب على الإرهاب"، لذلك، توخّت دول شمال المتوسط نهْج البراغماتية السياسية لتحقيق نتائج ملموسة في هذه الملفات الحساسة والحاسِمة في المحطات الانتخابية، وفضّلت بناءً على ذلك، تدعيم الأنظمة القائمة جنوب المتوسط، مقابل التِزام هذه الأخيرة بالتعاون في موضوعَيْ مقاومة الهجرة ومحاربة "الإرهاب". واعتبر أن هذا التوجّه ساعد على فوز عدد هام من الأحزاب اليمينية في أوروبا بالإنتخابات في السنوات الأخيرة، وخاصة فرنسا، وهي أحزاب تُعطي الأولوية إلى تحقيق المصالح القومية على حساب الالتزام بالديمقراطية وحقوق الإنسان، كما قال. ورأى أن ذلك هو ما هيّأ المجال لتوافُق أوروبي حول مشروع الإتحاد بصيغته الحالية. تصدير الديمقراطية؟ غير أن مارتيناز أقرّ في دراستِه، بأن فرض الديمقراطية من الخارج، غير مُجدٍ، فضلا عن كونه مستحيلا. ورأى في المقابل، أن الأجدى هو دعم الخُطوات التي تُنجَز على طريق الإنفتاح والإصلاح، وجعل المكاسب التي تتحقّق في البلدان المنطلقة على درب الديمقراطية، "نوعا من العدوى التي تنتشِر في الجسم المغاربي بأسْره"، واعتبر اتفاق الإتحاد الأوروبي والمغرب على منح الأخير منزلة الشريك المُميّز، أول اختبار لهذه الطريقة، التي تتمثّل في إدماج داخلي في الإتحاد، لكن من دون الوصول إلى مرتبة العُضوية، إلا أنه اشترط التخلّي عن الخوف الأوروبي من تكريس الديمقراطية في بلدان الضفّة الجنوبية للمتوسط، أي الذُّعر من احتمال أن تُسفِر صناديق الإقتراع عن بُروز قِوى إسلامية، مثلما كان الشأن في الإنتخابات البرلمانية الفلسطينية لعام 2006، التي أفضت إلى فوز حركة "حماس" الإسلامية بالأكثرية في المجلس التشريعي الفلسطيني. لكن التخلّص من ذلك الذُّعْر، يبدو غير ممكن في الأمَد المنظور، فلا يُمكن تصوّر زعماء، مثل شيراك أو خليفته ساركوزي يتبنّون هذه الرؤية، كما أن النُّخب الحاكِمة في إيطاليا أو إسبانيا، لا يمكن أن تُؤمن بهذا الخِيار المحفُوف بالمزالق، حسب رأيها، سواءٌ أكان حكّامها من اليمين أم من اليسار، عِلما بأن الإسبان سيتولّون رئاسة الإتحاد في مطلع السنة المقبلة. ونلاحِظ هنا تباعُدا في المواقف من هذه المسألة بين دول جنوب أوروبا (المطلّة على المتوسط) ودول الشمال، مثل السويد وبريطانيا وهولندا وألمانيا، التي تتطرّق علَنا لمسألة الديمقراطية في المغرب العربي، ولا تكتفي بالحديث عنها بصوت خفيض من وراء الستار. وما من شك، بأن دول الجنوب وضعت بصْمتها على مسار الشراكة بين أوروبا والبلدان المتوسطية، الذي همش قضية الإصلاحات الديمقراطية في بلدان الضفة الجنوبية. وفيما كان كثيرون يتطلّعون إلى أن يشكِّل الإتحاد من أجل المتوسط فُرصة لإبراز الإلتزام الجماعي الأوروبي بالدِّفاع عن الخِيار الديمقراطي، ظلّ الإتحاد يسبَح في خِلافات صغيرة أبعد ما تكون عن تلك الأهداف الكبرى. واستطرادا، يمكن القول أن الإتحاد ساهَم في تأبيد الأوضاع السياسية الحالية في بلدان الجنوب، عِوض المساعدة على دفع التنمية السياسية في جنوب المتوسط. تونس – رشيد خشانة – swissinfo.ch -------------------------------------