جمعت 3 وزارات.. جلسة عمل للوقاية من حرائق الغابات والمزارع لصائفة 2024    المنصف باي.. الكشف عن عملية سرقة باستعمال النطر والإحتفاظ بشخصين    كرة اليد.. الترجي يحقق فوزه الاول في بطولة إفريقيا للأندية الفائزة بالكأس    استكمال تركيبة لجنة إعداد النظام الداخلي بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم    المنستير للجاز" في دورته الثانية"    جندوبة: حجز أطنان من القمح والشعير العلفي ومواد أخرى غذائية في مخزن عشوائي    عبد الكريم قطاطة يفرّك رُمانة السي آس آس المريضة    منوبة: حجز طُنّيْن من الفواكه الجافة غير صالحة للاستهلاك    بنزرت: القبض على تكفيري مفتش عنه ومحكوم ب8 سنوات سجنا    «لارتيستو»...الفنانة خديجة العفريت ل«الشروق».... المشهد الموسيقي التونسي حزين    ابداع في الامتحانات مقابل حوادث مروعة في الطرقات.. «الباك سبور» يثير الجدل    فضيحة في مجلس الأمن بسبب عضوية فلسطين ..الجزائر تفجّر لغما تحت أقدام أمريكا    بعد القبض على 3 قيادات في 24 ساعة وحجز أحزمة ناسفة ..«الدواعش» خطّطوا لتفجيرات في تونس    أخبار الترجي الرياضي .. أفضلية ترجية وخطة متوازنة    وزير الشباب والرياضة: نحو منح الشباب المُتطوع 'بطاقة المتطوع'    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    القصرين..سيتخصّص في أدوية «السرطان» والأمراض المستعصية.. نحو إحداث مركز لتوزيع الأدوية الخصوصيّة    توقيع مذكرة تفاهم بين تونس و 'الكيبيك' في مجال مكافحة الجرائم الالكترونية    هزيمة تؤكّد المشاكل الفنيّة والنفسيّة التي يعيشها النادي الصفاقسي    تعاون تونسي أمريكي في قطاع النسيج والملابس    عاجل/ محاولة تلميذ الاعتداء على أستاذه: مندوب التربية بالقيروان يكشف تفاصيلا جديدة    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    ماذا في اجتماع وزيرة الصناعة بوفد عن الشركة الصينية الناشطة في مجال إنتاج الفسفاط؟    عاجل/ هذا ما تقرّر بخصوص زيارة الغريبة لهذا العام    المعهد الثانوي بدوز: الاتحاد الجهوي للشغل بقبلي يطلق صيحة فزع    عاجل/ تعيين مديرتين عامتين على رأس معهد باستور وديوان المياه    النادي البنزرتي وقوافل قفصة يتأهلان إلى الدور الثمن النهائي لكاس تونس    حالة الطقس خلال نهاية الأسبوع    الوضع الصحي للفنان ''الهادي بن عمر'' محل متابعة من القنصلية العامة لتونس بمرسليا    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    سيدي بوزيد: وفاة شخص وإصابة 5 آخرين في اصطدام بين سيارتين    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    عاجل/ كشف هوية الرجل الذي هدّد بتفجير القنصلية الايرانية في باريس    عاجل/ انتخاب عماد الدربالي رئيسا لمجلس الجهات والأقاليم    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    برنامج الجلسة العامة الافتتاحية للمجلس الوطني للجهات والأقاليم    نقابة الثانوي: وزيرة التربية تعهدت بإنتداب الأساتذة النواب.    انزلاق حافلة سياحية في برج السدرية: التفاصيل    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    عاجل/ بعد تأكيد اسرائيل استهدافها أصفهان: هكذا ردت لايران..    عاجل: زلزال يضرب تركيا    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    بطولة برشلونة للتنس: اليوناني تسيتسيباس يتأهل للدور ربع النهائي    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المياه العربية في خطر ... الحلقة الرابعة
نشر في الفجر نيوز يوم 17 - 08 - 2009

ينظر كثير من الخبراء والمراقبين إلى أزمة المياه المتفجرة حاليا في العديد من مناطق العالم العربي باعتبارها واحدة من أخطر وأهم أسباب التوتر الدائر حاليا بين دول المنبع من جهة، ودول المصب من جهة أخرى، ولا يستبعد هؤلاء وجود طرف ثالث يقف دائما وراء خلق تلك الحالة من التوتر الذي ما إن يختفي عن السطح حتى يعود ليطل برأسه من جديد، بهدف تحقيق عدد من الأهداف في مقدمتها الحصول على نصيب وافر من تلك الغنيمة، حتى لو تطلب الأمر إشعال حروب وإراقة أنهار من الدماء، وتلعب “إسرائيل” في منطقتنا العربية دوراً خطيراً في هذا الاتجاه من حيث السعي المستمر للاستحواذ على المياه العربية وسرقتها، أو محاولة العبث بمصادر مياه أخرى كما في حالة نهر النيل، حيث تعمل على تحريض دول إفريقية لتجاوز اتفاقات تحدد نصيب دول المنبع والمجرى والمصب . وتنظر كثير من الدول الأطراف في هذا الملف ومن بينها مصر، إلى المياه باعتبارها “قضية أمن قومي” و”خطاً أحمر” لا يتعين تجاوزه أو العبث به، وهو الأمر الذي يشير بوضوح، حسبما يرى العديد من الخبراء الاستراتيجيين الى أن أزمة المياه التي تضرب العديد من المناطق في العالم الآن قد تكون هي السبب الرئيسي وراء اندلاع العديد من الحروب خلال القرن الحالي، ما لم تصل الدول الأطراف على مائدة المفاوضات إلى “قسمة عادلة” ونصيب وافر من اكسير الحياة.وتتجلى تلك الأزمة خلال العقد الأخير في العديد من بلدان العالم العربي، فعلى الرغم من جريان العديد من الأنهار في المنطقة العربية، إلا أنها تصنف على أنها واحدة من أفقر المناطق في مصادر المياه العذبة، إذ لا يتعدى نصيبها أكثر من 1% فقط من كل الجريان السطحي للمياه، فضلا عن 2% من إجمالي الأمطار في العالم .في هذا الملف تسلط “الخليج” الضوء على أزمة المياه في المنطقة العربية والمخاطر التي تهدد الدول العربية جراء مشاريع مشبوهة ومحاولات مستمرة لسرقة المياه العربية .
مياه لبنان في مرمى الأطماع "الإسرائيلية"
يقدم لبنان مثالا صارخا عن الدول التي تملك ثروة مائية مهدرة وغير مستغلة بسبب غياب الادارة الرشيدة لها، ولأسباب سياسية مختلفة أهمها الأطماع “الإسرائيلية” في هذه المياه، المقرونة بتهديدات واعتداءات . لكن ما يميز لبنان عن سائر الدول العربية، أنه رغم خسارته لكميات هائلة من الماء سنويا يستطيع في الوقت الراهن التعويض عنها بوجود مخزون ضخم من المياه الجوفية وعدد هام من الانهار والينابيع . هذا الغنى لن يدوم برأي الخبراء اذا لم يحسن هذا البلد استثمار مياهه السطحية، فيتعرض في حدود العام 2025 الى أزمة مياه حقيقية .
ثروة ولكن . .
ويؤكد رئيس لجنة الطاقة والمياه في البرلمان اللبناني النائب المهندس محمد قباني أن لبنان يملك ثروة مائية جيدة، ولكنها تضخم في وسائل الإعلام اذ يقال إن لبنان بلد عائم على المياه . وهذا غير صحيح . كل ما في الامر أننا نسبيا من البلدان المحظوظة من ناحية المياه الجوفية، التي تفجر ما يزيد على 40 من الجداول والأنهار الرئيسية (من بينها 17 من الأنهار الدائمة)، وأكثر من 2000 من الينابيع . وبالرغم مما يبدو من وفرة في الموارد، وعلى عكس المفاهيم الحالية عن المياه في لبنان، فإن بلدنا يواجه مشاكل خطيرة كماً ونوعاً وهو سيقع في أزمة عجز في المياه في غضون عقدين من الزمن، اذا لم نبادر فورا الى تحسين استثمارنا للمياه الموجودة، واتباع سياسات سليمة وجذرية في إدارة المياه . والتفكير منذ الآن بمصادر جديدة للمياه .
بالنسبة للشق الاول، يجب التركيز على استثمار المياه السطحية من خلال اقامة السدود على الانهار بدلا من اللجوء الى الحل الاسهل، ولكنه خطير للغاية، أي حفر الآبار الارتوازية وسحب المياه الجوفية، والتي يجب أن تبقى احتياطا للمستقبل والاجيال المقبلة . كما أن لبنان يهدر ملياراً ومائتي مليون متر مكعب من مياه المتساقطات (الامطار والثلوج)، فتذهب الى البحر .
يضاف الى ذلك أن ظاهرة الاحتباس الحراري والتحولات المناخية العالمية أثرت على لبنان أيضا، من جهة تناقص كميات الثلوج المتساقطة وسرعة ذوبانها من دون أن تتاح للارض فرصة امتصاص كميات هائلة من المياه، ما يحرم الخزانات الجوفية من التخزين لمواسم الشح . وقد أشارت التقارير إلى أنّ لبنان قد خسر خلال العقود الثلاثة الماضية حوالى ألف وستمائة مليون متر مكعب، اي ما يعادل 500 مليون متر مكعب في السنة الواحدة، معظمها بسبب التغيرات المناخية التي ضربت الكرة الأرضية ورفعت من حرارتها .
أزمة مرتقبة
ويضيف النائب قباني: ان الدلائل على قرب حصول أزمة مياة في لبنان أصبحت واضحة للعيان، فالينابيع التي كانت تلبّي بين 40 و50% من مياه الري والشفة، تبدو قاصرة اليوم، ما سيدفع إلى البحث عن مصادر أخرى لتلبية الطلب الاستهلاكي، مثل الآبار الارتوازية لأنّ حصة الفرد السنوية من المياه تقارب 1000 متر مكعب من المتساقطات حالياً مع أنّ تقديرات الأمم المتحدة كانت تشير إلى أنها كانت في السنوات السابقة حوالي 1400 متر مكعب سنوياً . وهذا التوجه أكده البنك الدولي حيث قال إن منطقة الشرق الأوسط هي أكثر مناطق العالم شِحّةً في الموارد المائية، وقد انخفض متوسط نصيب الفرد السنوي فيها من المياه المتاحة في السنوات الأخيرة بدرجة كبيرة جداً .
أرقام وحقائق
وللتأكيد على ذلك يورد قباني مثال بيروت الكبرى (العاصمة وضواحيها) حيث يعيش أكثر من نصف سكان لبنان . ويتوفر لها حاليا 139 مليون متر مكعب، وهي تحتاج الى 184 مليونا . وفي العام 2025 ستحتاج بيروت الى 237 مليونا لن يتوفر منها الا 137 مليونا . واذ وسعنا الصورة لتشمل كل لبنان يمكن تقديم الارقام التالية: إن المعدل السنوي العام للمياه على مختلف الأراضي اللبنانية في سنة متوسطة الأمطار يبلغ نحو 8200 مليون متر مكعب . يتسرب من هذه الكميات إلى باطن الأرض 1500 مليون م3 في حين يبقى 6700 مليون م3 على سطح الأرض . وفي المياه المتسربة إلى داخل الأرض يجري 685 مليون م3 إلى فلسطين والبحر، ويتبخر 250 مليون م،3 فيما يبقى في جوف الأرض 565 مليون م3 كحد أقصى من المياه القابلة للاستعمال .
أما كميات المياه السطحية والتي تبلغ 6700 مليون م3 فيذهب منها إلى سوريا 450 مليون م3 عبر نهر العاصي و220 مليون م3 إلى فلسطين عبر الوزاني والحاصباني، وتبلغ الكميات التي تتبخر 3850 م3 ويبقى قابلاً للاستعمال 2200 مليون م3 . وتقدر كميات المياه التي يمكن استعمالها إن في جوف الأرض أو على سطحها ب 2767 مليون م3 يستخدم منها حالياً 1300 مليون م3 ويهدر 1467 مليون م3 في البحر .
وتظهر هذه الأرقام أن المياه التي تعبر أنهر وسواقي وأراضي لبنان وتصب في البحر، تتعدى حجم المياه التي تستخدم للشفة (350 مليون م3) والصناعة (70 مليون م3) والري (900 مليون م3) في وقت يعيش فيه العديد من المدن والقرى والمناطق شحاً وتقنيناً في المياه طوال السنة وحتى في أيام الشتاء . من جهة أخرى أشارت دراسة وطنية قامت بها منظمة اليونيسف عام 1990 إلى أن 60 إلى 70 في المائة من مصادر المياه والشبكات في لبنان معرضة للتلوث الجرثومي . وتزيد نسبة هذا التلوث بنحو 10 في المائة في موسم الجفاف . وهذا التلوث موجود في جميع المناطق اللبنانية . لذا فإن لبنان ومع بقاء مصادر المياه كما هي مهدد كسواه من الدول العربية بنقص في المياه بحلول عام 2015 مما يوجب إعطاء الأولوية لسياسة مائية وبالتالي خطط ومشاريع للاستفادة من المياه المتاحة، وإيجاد مصادر جديدة لتلبية الحاجات .
الحلول ممكنة
وعن الحلول الممكنة يقول قباني: عقدنا في فبراير/ شباط 2009 ورشة عمل أذيعت نتائجها من مجلس النواب . وكانت تهدف إلى وضع استراتيجية متكاملة لقطاع المياه بإشراف لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه التي أترأسها، ووزير الطاقة وعدد من المعنيين من الرسميين وممثلين لقطاع المجتمع المدني . وحددت التوصيات الصادرة عن ورشة العمل مسؤوليات الأطراف المختلفة في الدولة من برلمان وحكومة ووزارة طاقة ومياه، لكن هذه التوصيات لم تسلك طريقها للتنفيذ . وتركز التوصيات على اقامة الميزان المائي على غرار الميزان التجاري لمعرفة حقيقة ما لدينا من مياه وذلك من خلال معرفة كمية المياه المتساقطة (مطر وثلج) وجريان الانهر وتدفق الينابيع والتبخر والتسرب الى الطبقات الجوفية وذلك على أساس معطيات كاملة وجديدة ناتجة عن قياس المتساقطات ودراسة التبخر، وقياس تدفق المياه في الأنهر والينابيع، وقياس مستوى المياه الجوفية وذلك عبر شبكة آبار ومحطات رصد حركة المياه (سهل البقاع والسواحل، والجبال) لمتابعة حركة المياه الجوفية وتغير مستواها مع الوقت وللتمكن من متابعة أي تعد على هذه المياه الجوفية من قبل العدو “الإسرائيلي” . هذا بالإضافة الى الحرص على اعادة التحريج لما لذلك من أهمية في الدورة المائية والميزان المائي . وكل ذلك يوجب استعمال التقنيات العلمية الحديثة لمتابعة تطور الميزان المائي مع الوقت .
وفي جانب آخر يجب الحد من التلوث والمحافظة على نوعية المياه، من خلال إكمال الخطة المتكاملة للصرف الصحي والسعي الى تعميم محطات التكرير الفردية لخدمة المناطق الريفية وذلك بهدف تعميم تكرير المياه المبتذلة على كافة الاراضي اللبنانية، وتأمين صيانة وتشغيل المحطات المنفذة لمعالجة المياه المبتذلة، والطلب من الإدارات المعنية متابعة موضوع التلوث الصناعي وفرض انشاء محطات تكرير خاصة في المصانع وتقديم حوافز مادية لمساعدة الصناعيين في هذا المجال، وحل قضية النفايات الصلبة (المنزلية والصناعية والطبية) التي تلوث المياه السطحية والجوفية والتربة والبحر، ومكافحة تملح المياه الجوفية على السواحل عبر ترشيد استعمالها وذلك تحت إشراف وزارة الطاقة والمياه .
وبعد اقامة الميزان المائي يمكن تحديد الحاجات للمياه، من خلال وضع مخطط إنمائي عام، ومتوازن لجميع المناطق اللبنانية، يمكّن من تحديد الحاجات الى المياه الآنية والمستقبلية، في جميع المناطق وفي كافة القطاعات، وإعطاء الاولوية لاستعمال المياه السطحية قبل المباشرة باستعمال المياه الجوفية بواسطة الآبار، العمل على الحد من الاستعمال غير المنظم للثروة المائية وخاصة الآبار غير المرخصة .
ويخلص قباني الى القول ان الحكومة العتيدة مطالبة بوضع المياه كأولوية في برنامجها السياسي والإنمائي . ويجب النظر في انشاء وزارة خاصة للمياه والصرف الصحي، أو تأليف هيئة وطنية عليا تحدد السياسة العامة للمياه في لبنان، وتساهم في تحديد الخيارات المستقبلية الكبرى في هذا القطاع .
مشاريع مائية مؤجلة
يشرح المدير العام السابق لمشروع نهر الليطاني المهندس ناصر نصرالله أهمية هذا المشروع لتأمين الري من مياهه بدلا من هدرها في البحر . ويقول: الليطاني أهم الأنهر اللبنانية، تبلغ مساحة حوضه 2168 كلم2 وطول مجراه 170 كلم وتصريفه الوسطي عند المصب 793 مليون م3/سنة . ويشكل هذا النهر العصب المائي للبنان وترتكز عليه مخططات الإنماء المائي - الزراعي المتكامل لمناطق البقاع الجنوبي وجنوب لبنان لري مساحة 54 ألف هكتار ولتزويد 264 بلدة وقرية يبلغ مجموع سكانها الحالي 794 ألف نسمة، أي نحو خمس سكان لبنان . ولقد جرى تجهيز واستثمار القسم العادي من هذا النهر بإنشاء سد القرعون (220 مليون م3) ومجموعة مساقط الطاقة الكهربائية الثلاثية المرتبطة به منذ الستينات في القرن الماضي . ويتابع لبنان تنفيذ مشروعات الري ومياه الشرب المخططة من مصادر الليطاني العليا هذه، وأهمها تجهيز القسم الأوسط بإنشاء سد الخردلة (128 مليون م3) ومشروع الري التابع له . ويضيف: وضعنا مشروعا تحت عنوان “القناة 800 متر” يمكن أن يروي 13225 هكتاراً، تشمل 12 منطقة زراعية موزعة على أقضية البقاع الغربي ومرجعيون وحاصبيا وبنت جبيل وصور، وذلك عن طريق نقل نحو 110 ملايين متر مكعب سنوياً من مياه النهر عبر مأخذ على نفق أسفل سد القرعون إلى الجنوب وتوفيرها لأغراض الريّ والشرب والاستهلاك الصناعي .
ويردف قائلاً: لقد تأخر هذا المشروع لأسباب مختلفة سياسية ومالية . اذ بعد اندحار الاحتلال “الإسرائيلي” عن جنوب لبنان في العام ،2000 عاد المشروع الى واجهة الاهتمام وحصلت الحكومة اللبنانية في عام 2001 على قرضين بقيمة 165 مليون دولار للبدء بتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع نقل مياه الليطاني إلى الجنوب (المعروف باسم مشروع ريّ الليطاني على منسوب 800 متر)، وظنّ الجنوبيون أن هذا المشروع قد انطلق بعد انتظار عقود طويلة من الزمن، إلا أن ذلك لم يحصل، ولا سيما لجهة تنفيذ الاستملاكات . وتم تقدير كلفة هذه المرحلة الأساسية بنحو 265 مليون دولار (من أصل كلفة المشروع الإجمالية البالغة نحو 500 مليون دولار)، وجاء التمويل المتاح من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (100 مليون دولار) والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية (65 مليون دولار)، على أن تبلغ حصّة الدولة اللبنانية من التمويل نحو 100 مليون دولار، منها 52 مليون دولار لتنفيذ الاستملاكات . ولكن سرعان ما تبيّن أن هذه الحماسة ظاهرية، أمّا الحقيقة فكانت غير ذلك، إذ لم يجر إنجاز أي خطوة عملية إلا في عام ،2005 أي بعد 4 سنوات من توفير التمويل المطلوب، وتمت الدعوة إلى مناقصة لتنفيذ الأشغال في عام ،2006 ولم تُبتّ نتائجها حتى الآن، علماً بأنه كان يجب الانتهاء من تنفيذ الأعمال المشمولة بها بعد 4 سنوات .
حق لبنان
أما ما يتعلق بنهر الحاصباني فإن ما فعله لبنان في العام 2001 اقتصر على إقامة مشروع محدود على أحد روافده ( نهر الوزاني ) هو لمياه الشفة وايصال المياه إلى المنازل لهذه الغاية، فهو قد درس لأن يكون لمياه الشرب فقط، ولم تتجاوز الكمية المستثمرة 11 مليون متر مكعب . وذلك بانتظار تنفيذ مشروع الليطاني وتأمين المياه . وبرأينا لا يوجد أي عائق قانوني أو دولي لدمج نهري الحاصباني والليطاني .
وعن التهديدات “الإسرائيلية” بشأن الحاصباني والوزاني يقول نصر الله: ان احتساب حق لبنان في حوض الحاصباني الوزاني ينبغي أن ينطلق من حقه الطبيعي في الانتفاع من المياه التي تجري على أرضه بشكل منصف، لتلبية حاجة السكان والأراضي والمؤسسات الموجودة ضمن هذا الحوض وتأمين اكتفائهم مائياً، ما يعني بلغة الأرقام أن حصة لبنان من مياه الحوض تبلغ 55 مليون م3 كحد أدنى . ويلفت إلى أن عدم تنفيذ مشروع الاستفادة من مياه الحاصباني الوزاني قبل 40 عاماً بسبب الاعتداء “الإسرائيلي” السافر كبّد لبنان خسائر بمليارات الدولارات التي تراكمت عبر السنين لأن عائدات الأرض المروية تتجاوز عائدات نظيرتها غير المروية بستة أو سبعة أضعاف وتساعد على دوران الحركة الاقتصادية وتوسعها من خلال تثبيت الناس بأرضهم .
“إسرائيل” ومياه لبنان
يؤكد الدكتور وليد عربيد أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية ان “إسرائيل” تراقب عن كثب ملف المياه اللبنانية وتعتبر هذا الملف ثروة يجب الاستفادة منه لا سيما ان المياه تذهب هدرا الى البحر . والواقع هناك اسئلة كثيرة تطرح نفسها بالتزامن مع انعقاد المؤتمر العالمي حول المياه الذي ترعاه الأمم المتحدة في ستوكهولم . بالتأكيد ان مسألة المياه هي القنبلة الموقوتة في الشرق الأوسط، وهي - مسألة المياه - ستصبح عاملا جيو- سياسيا بامتياز الى جانب النفط في المنطقة، وسنصل الى اليوم الذي سيصبح فيه ليتر الماء يساوي ليتر النفط ان لم يكن أكثر .
عامل صراع
ويعتبر الخبراء أن المياه اللبنانية عامل رئيسي له أبعاد استراتيجية في اي صراع مستقبلي للسيطرة على المياه في المنطقة . وتذكرنا هذه التساؤلات بالتصريحات العنيفة الذي ادلى بها رئيس الحكومة “الإسرائيلية” الأسبق أرييل شارون في العام 2002 مهددا بالحرب على لبنان بسبب تنفيذ مشروع جر مياه نهر الوزاني إلى القرى والبلدات المحررة في جنوب لبنان . وكذلك تصريحات شمعون بيريز، وزير الخارجية آنذاك، قائلاً: “إن “إسرائيل” ترى في مساعي لبنان لتحويل مجرى مياه الحاصباني عملا خطيرا واستفزازا لا يمكن تحمله” . كما أكد مفوض المياه السابق في “إسرائيل” دان زاسلافسكي أنه “ينبغي علينا الآن أولا إيقاف تزويد قرى جنوب لبنان بالمياه، وإعلان أنه في اللحظة التي يخرج فيها أول متر مكعب من مياه الحاصباني فإننا سنقوم بتدمير الآلات، إن قضية الوزاني لا تحتاج إلى مفاوضات واتصالات وإنما الى دبابة تقوم بتدمير المنشآت اللبنانية على النبع” .
قد يفهم من هذه التصريحات أنها جزء من حرب نفسية أو دعائية لثني لبنان عن التصرف في مياهه كيفما يريد، ولكنها تعكس فضلا عن ذلك ما تمثله قضية المياه من أهمية إستراتيجية ل”إسرائيل”، بحيث يصبح الخيار العسكري لحسم هذه القضية هو الخيار الأول لدى القيادة “الإسرائيلية” . ان قضية المياه بالنسبة ل”إسرائيل” هي قضية استراتيجية، وخير دليل على ذلك أن مؤسسة “نيكوروت” Nikorott التي تدير قطاع المياه في “إسرائيل” تابعة لوزارة الدفاع وليس لوزارة مدنية، كما هو الحال في كل الدول .
سوابق تاريخية
وهل من سوابق “إسرائيلية” في سرقة المياه اللبنانية؟ يؤكد الدكتور وليد عربيد أن لبنان وجنوبه، شهدا محاولات متكررة من الكيان الصهيوني في التهديد المتعدد الوجوه للسطو على مياه نهر الليطاني . وهذا النهر وفقا للقانون الدولي هو نهر لبناني بحت لأنه ينبع ويجري ويصب داخل الاراضي اللبنانية . وقد عملت “إسرائيل” خلال احتلال جنوب لبنان لفترة طويلة من الزمن، على شفط المياه من جسر الخردلي وضخها عبر انابيب الى بحيرة طبريا، خصوصا ان البحيرة ازدادت نسبة الملوحة فيها اكثر من ستين في المئة واصبحت بحاجة ماسة الى مياه عذبة .
لقد شكلت الفوائض المائية في لبنان دائما، ولا سيما في حوض الليطاني، موضوعاً لمشاريع من أجل تصدير المياه إلى الجنوب، وذلك منذ بدء البحث في مشاريع لاستغلال مياه المنطقة، وضعت “إسرائيل” تصوراً للاستفادة من مياه الحاصباني لتوليد الطاقة الكهربائية ومن مياه الليطاني واستغلالها كهرمائياً أو نقلها إلى حوض الأردن عن طريق بحيرة طبريا، وصولاً إلى بداية قناة الغور .
أطماع تاريخية
والأطماع “الإسرائيلية” في المياه ليست وليدة الحرب الدائرة الآن بين “إسرائيل” وحزب الله ولا حتى وليدة العقدين الأخيرين وإنما هي أطماع تاريخية موجودة منذ ما قبل قيام دولة “إسرائيل”، ففي الخطاب الذي وقّعه حاييم وايزمن باسم الحركة الصهيونية عام 1919 والموجه لرئيس الوزراء البريطاني دايفد لويد، أشار وايزمن صراحة إلى حاجة “إسرائيل” إلى سد جزء من احتياجات المناطق الشمالية اعتمادا على المياه اللبنانية، فكتب يقول “نحن نعتقد أنه من الضروري أن تشمل الحدود الشمالية لفلسطين سهل الليطاني لمسافة 25 ميلا والمنحدرات الغربية والجنوبية لجبل الشيخ وذلك لحاجة مناطقنا الشمالية للمياه من أجل الزراعة والصناعة والطاقة . وبعد قيام دولة “إسرائيل” أقدمت عام 1965 على تدمير مشروع تحويل مجرى نهر الحاصباني والوزاني الذي كان يتم تنفيذه وفقا لقرار القمة العربية التي عقدت في القاهرة عام 1964 والقاضي ب”التصدي ل”إسرائيل” في محاولاتها سحب مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب وذلك من خلال قيام الدول العربية (لبنان وسوريا والأردن) بالسيطرة على روافد نهر الأردن وتحويل هذه الروافد تحت حماية قيادة عسكرية وعربية موحدة”، وقد بررت غولدا مائير رئيسة الوزراء “الإسرائيلية” آنذاك هذا التدمير بقولها إن المياه بالنسبة ل”إسرائيل” هي بمثابة الدم في العروق . ومنذ بدء المفاوضات “الإسرائيلية” - العربية في مدريد في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1990 كان المفاوضون “الإسرائيليون” يؤكدون على أولوية الأبحاث التقنية ومنها مشكلة المياه، غير أن سوريا أكدت على ضرورة إجراء تسوية حقوقية دولية بادئ ذي بدء بالنسبة إلى المعضلات الثنائية القائمة . ومن الواضح أن مسألة المياه تشكل تحدياً استراتيجياً يتعلق بالأمن الوطني، عدا أنه يشكل عدة تحديات اقتصادية وجيو-سياسية .
المياه ليست للتفاوض
وهل يمكن التفاوض على اقتسام المياه في الشرق الأوسط وخصوصا في لبنان أم انها ستبقى سبباً لنزاعات جديدة؟ يجيب الدكتور عربيد: بالنسبة إلى لبنان فإنه يعارض كل اقتراح يقضي بتصدير مياه الليطاني، خصوصاً وأنه يعاني حالات شحّ متزايدة عاماً بعد عام، بينما كل مشاريع تحسين حوض الأردن المدعومة من قبل “إسرائيل” هي حتى الآن داخلة في مسألة الليطاني .
ومنذ العام 1982 إثر الغزو “الإسرائيلي” للبنان، يؤكد لبنان الرسمي على أن موارده المائية ليست قابلة للمساومة، بينما يؤكد الخبراء اللبنانيون أن البلاد واقعة في عجز مائي متفاقم باستمرار . إن “إسرائيل” ترغب من دون شك في العودة لتثبيت سيطرتها على منابع نهري الحاصباني والوزاني، حتى وإن كان ذلك يؤدي إلى حروب جديدة في جنوب لبنان .
دفاعا عن المياه
وبالعودة الى آخر مثال لمحاولة لبنان استثمار مياهه قامت الحكومة اللبنانية في العام 2001 بإنشاء خط انابيب يصل نبع الوزاني ببعض القرى وذلك بعد مرور سنة على خروج الجيش “الإسرائيلي” من جنوب لبنان . وفي سبتمبر/ أيلول من العام 2002 شرعت الحكومة اللبنانية في توسيع قطر الأنبوب حوالى 16 إنشاً وجعلت سعته من 4 إلى 10 ملايين متر مكعب سنوياً . وقد سبب هذا الأمر قلقاً في “إسرائيل” حيث أن كل متر مكعب من المياه تسحبه القرى اللبنانية من الموارد المشتركة، يعني حصول “إسرائيل” على نسبة أقل من المياه . هذه الخطوة كانت كافية ذات يوم بالنسبة إلى رئيس الوزراء “الإسرائيلي” أرييل شارون لاعتبارها حجة لإعلان الحرب . كانت تل أبيب تخشى أن يأخذ لبنان مبادرات جديدة كهذه، لذا، كان لا بد من التحرك سريعاً . وجاءت ردة الفعل “الإسرائيلية” على إنشاء المحطة المائية لتحول هذه المسألة إلى قضية سياسية مهمة في لبنان . والجدير بالذكر أن رئيس الوزراء اللبناني السابق الشهيد رفيق الحريري كان شكّل لجنة من الخبراء اللبنانيين برئاسته قامت بإعداد ملف للدفاع عن القضية أمام الأمم المتحدة، كما أرسلت الأمم المتحدة مبعوثها تيري رود لارسن إلى بيروت للبحث في تطورات هذه المسألة . وعلى الرغم من الوضع المتوتر اللبناني - “الإسرائيلي” قام لبنان في السادس عشر من شهر اكتوبر/ تشرين الأول عام 2002 بافتتاح منشآت المياه بحضور رسميين من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، مشكّلين درعاً بشرية للحؤول دون قيام “إسرائيل” بأي هجوم عسكري خلال الاحتفال . هذا بالنسبة لنهر الحاصباني والوزاني أما عن نهر الليطاني الذي يعتبر كما يصفه خبراء المياه في لبنان العمود الفقري للتنمية المائية، فقد عرقلت “إسرائيل” كما سبق وذكرنا، جميع المشروعات الهادفة إلى الاستفادة منه وذلك إما بمنع التمويل أو منع التنفيذ بالقوة المسلحة . مما لا شك فيه ان “إسرائيل” تسعى دائماً غير مكترثة بالقانون الدولي ولا بالأسرة الدولية الى انتهاك السيادة اللبنانية في محاولة للسيطرة على منابع المياه . وقد شكلت الحرب الأخيرة في شهر يوليو/ تموز عام 2006 مثالا على الالتحام اللبناني جيشا ومقاومة وشعبا للدفاع عن المياه اللبنانية .
الخليج:الاثنين ,17/08/2009
بيروت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.