عاجل: كليات تونسية تدعو الطلبة الى احترام أوقات الدخول والخروج    قابس: تمكين 4250 طالبا وطالبة من السكن الجامعي    سليانة: قيمة اعتمادات مشاريع قطاع الصحة بلغت 13 مليون دينار    نقابة الصيدليات الخاصة تدعو الحكومة إلى تدخل عاجل لإنقاذ المنظومة    21% نمو في التأمين على الحياة... شنوة معناها ليك كمواطن؟    بلاغ مهم لمستعملي طريق المدخل الجنوبي للعاصمة – قسط 03    مجلس الأمن يصوّت اليوم على احتمال إعادة فرض العقوبات على إيران    نتنياهو يوجه رسالة للسائقين القادمين من الأردن    ترامب وشي يبحثان اليوم اتفاقا لإنقاذ "تيك توك" في الولايات المتحدة    شنية حكاية النظارات الذكية الجديدة الى تعمل بالذكاء الاصطناعي...؟    شنيا لحكاية؟..مريض في العقد الرابع ينجو بفضل أول عملية جراحية دقيقة على المخيخ بزغوان    بوعرقوب: متساكنون يستغيثون من اجتياح الحشرة القرمزية لمنازلهم    حملة تلقيح مجانية للقطط والكلاب يوم الاحد المقبل بحديقة النافورة ببلدية الزهراء    عاجل/ انطلاق 6 سفن يونانية لتنضم لأسطول الصمود العالمي لكسر الحصار على غزة..    البطولة العربية لكرة الطاولة - تونس تنهي مشاركتها بحصيلة 6 ميداليات منها ذهبيتان    كأس الكاف: الملعب التونسي والنجم الساحلي يسعيان لوضع قدم في الدور المقبل    الرابطة الثانية: الجامعة تسمح للفرق المستضيفة ببث المقابلات    وزارة الدفاع الوطني تفتح مناظرة خارجية لانتداب 7 مهندسين أولين اختصاص اعلامية    أغنية محمد الجبالي "إلا وأنا معاكو" تثير عاصفة من ردود الأفعال بين التنويه والسخرية    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    عاجل: توقف خدمات السجل الوطني للمؤسسات من الجمعة للاثنين.. شنو اللي لازم تعرفه!    عاجل : رئيسة قسم الأعصاب بمستشفى الحبيب بورقيبة تعلن عن نقلة نوعية في الصحة    النجم الساحلي يضم مدافع قوافل قفصة احمد الحرشاني    الملعب التونسي يتعاقد مع المهاجم السنغالي بوبكر جونيور كامارا    عاجل: قرار صادم من الفيفا يهدد''البافانا بافانا''.. من المستفيد؟    الكاف يوافق على تاجيل تصفيات شمال افريقيا المؤهلة الى كأس الأمم الإفريقية تحت 17 سنة    شهداء وجرحى بينهم أطفال في قصف الاحتلال عدة مناطق في قطاع غزة..# خبر_عاجل    هذه الشركة تفتح مناظرة هامة لانتداب 60 عونا..#خبر_عاجل    محرز الغنوشي يزّف بشرى للتوانسة: ''بعض الامطار المتفرقة من حين لاخر بهذه المناطق''    النفيضة: إصابات في حادث اصطدام بين عدد من السيارات    تحذير عاجل: تونس، الجزائر وربما ليبيا.. موجة أمطار مهمة في الموعد هذا...استعدوا للتقلبات الجوية    جريمة مروعة/ رجل يقتل أطفاله الثلاثة ويطعن زوجته..ثم ينتحر..!    طقس اليوم : سحب عابرة وحرارة بين 29 و 35 درجة    عاجل: فرنسا تغلي.. 94 إيقافاً في أولى ساعات الإضراب...شفما؟    في أحدث ظهور له: هكذا بدا الزعيم عادل إمام    تصدرت محركات البحث : من هي المخرجة العربية المعروفة التي ستحتفل بزفافها في السبعين؟    عاجل : شيرين عبد الوهاب تواجه أزمة جديدة    المعهد الوطني للتراث يصدر العدد 28 من المجلة العلمية "افريقية"    افتتاح شهر السينما الوثائقية بالعرض ما قبل الأول لفيلم "خرافة / تصويرة"    شيرين عبد الوهاب أمام القضاء من جديد على خلفية هذه التّهمة    البنك التونسي للتّضامن: نحو إعادة جدولة ديون الفلاحين الذّين يمرون ببعض الصّعوبات الظّرفيّة    سوسة: لدغة "وشواشة" تتسبّب في إيواء شاب بقسم الكلى بمستشفى سهلول    صابة التين الهندي تنهار أكثر من 40%.. شوف السبب...وهذه المنطقة تطلق نداء عاجل    سعيد: "لم يعد مقبولا إدارة شؤون الدولة بردود الفعل وانتظار الأزمات للتحرّك"    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    كيم يشرف على اختبار أداء مسيرات هجومية تكتيكية    التسامح أساس من أسس التعايش بين الناس    وخالق الناس بخلق حسن    خطبة الجمعة .. أخطار النميمة    صادرات القطاع الصناعي ترتفع ب1,9% خلال النصف الأوّل من 2025    اجتماع بمعهد باستور حول تعزيز جودة وموثوقية مختبرات التشخيص البيولوجي    الموت يغيب هذه الإعلامية..#خبر_عاجل    في بالك الى فما مكوّن سرّي في زيت الحوت... شنوة يعمل في جسمك؟    بلعيد يؤكد خلال الدورة 69 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذريّة حرص تونس على مواصلة التعاون مع الوكالة    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    وزير النقل يشرف على اجتماع لجنة القيادة لمنظومة التصرف في السلامة بالخطوط التونسية    القمة العالمية للبيوتكنولوجيا: وزير الصحة يعلن بسيول إطلاق مركز وطني للتدريب البيوطبي لتعزيز قدرات إفريقيا في إنتاج الأدوية واللقاحات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منتخبين ونوابا صاروا ''أمراء'' في امبراطورية التهريب نحو المغرب
نشر في الفجر نيوز يوم 20 - 08 - 2009

الجزائر:عاد الهدوء الحذِر، إلى مدينة الغزوات الساحلية، 70 كيلومتر شمالي مقر ولاية تلمسان، بعد الاحتجاجات والشغب، وقطع الطريق وتخريب واجهات بعض المرافق الإدارية مثل البلدية والمحكمة ووكالة الضمان الاجتماعي. وهي الاحتجاجات التي قادها عشرات الشباب عقب حادث المرور الذي أودى بحياة 16 ضحية، 11 منهم من عائلة عراب.
''الخبر'' عادت إلى مسرح الأحداث وجابت شوارع المدينة، واستعمّت إلى آراء المواطنين، وكان الإجماع عندهم أن مهرّبي الوقود وأصحاب المحطات، وبعض المرتشين من رجال الأمن يتحمّلون مسؤولية المأساة، لنكتشف بعين المكان أن منتخبين ونوابا صاروا ''أمراء'' في امبراطورية ''الحلاّبة'' أو السيارات المختصة في تهريب الوقود.
سيظل سكان الساحل التلمساني، وبمدينة الغزوات وما جاورها، يتذكرون لوقت طويل أول يوم لعطلة نهاية الأسبوع بالنظام الجديد، ''السبت الأسود 15 أوت ''2009، الذي قضى فيه آدميون نحبهم، وفيهم المرأة والرضيع والشاب، بأولاد ماحيو قرب حي سيدي عمر مدخل مدينة الغزوات، الذي تحوّل إلى مزار لكل من يسلك الطريق الوطني رقم 98 بين تلمسان والغزوات.
''إنها مذبحة'' هكذا قال لنا أحد المغتربين ممن وجدناهم هناك، مضيفا ''أنظروا هذه نعال الأطفال المتوفّون... وهذه قطع الخبز وشرائح البطاطا... والمظلّة الواقية من حرارة الشمس... لقد كانوا متوجّهين إلى الشاطئ... إلا أن رحلتهم كانت نحو الآخرة''.
امرأة أخرى قدمت من وهران لتقديم العزاء لإحدى عائلات الضحايا، قالت إن ''حياتنا على الطريق أصبحت مهددة، أكتبوا في ''الخبر'' أن السرعة الجنونية لشاحنات ومركبات تهريب الوقود نحو المغرب هي سبب المأساة التي قضت على أرواح بريئة، مثل الطفلة آية نجاري ذات 13 شهرا''.
وبمكان الحادث لازالت بقايا الشاحنة الصفراء تثير فضول وذهول المارة، من هول الاصطدام الذي قطع الشاحنة إلى ثلاثة أجزاء، في حين تحولت سيارة النقل الجماعي التي كانت متوجّهة إلى شاطئ سيدي يوشع إلى ركام. أما في مدخل مدينة الغزوات فلاتزال سيارات وحدات التدخل بعين المكان تراقب محطات بيع وتوزيع الوقود، وتراقب مداخل المرافق الرسمية من بلدية ودائرة ومحكمة.
رئيس البلدية في الدائرة ورئيس الدائرة في عطلة
كانت الساعة الثالثة زوالا حين توجهنا إلى مقر بلدية الغزوات، الذي كسّر المحتجّون واجهته الزجاجية، لنسأل رئيس البلدية عن الخسائر التي خلّفتها المواجهات، وعن التدابير المتّخدة لإعادة الهدوء إلى المدينة، فلم نجد أحدا من المسؤولين بمقر البلدية ولا منتخب واحدا، ''إنهم في الدائرة'' قال لنا الحاجب. مقر الدائرة تحوّل إلى مكان لتمركز عناصر مكافحة الشغب، سألنا عن رئيس الدائرة، إنه في عطلة! ويخلفه رئيس دائرة ندرومة، ويشرف على تسيير المدينة!
هذا الأخير أكد لنا أن الخسائر المادية التي خلّفتها الاحتجاجات لم يتم بعد تقويمها، وأن مصالح الأمن تتحكم في الوضع، كاشفا عن قرار بلدي باركته مصالح الدائرة والولاية، مفاده منع الشاحنات المقطورة ونصف المقطورة ذات حمولة عشرة أطنان وما فوق، من دخول محيط مدينة الغزوات من الساعة السابعة صباحا إلى الثامنة مساء؛ وبذلك سيحرم أصحاب الشاحنات المستعملة في تهريب الوقود، من التزوّد به في ساعات الذروة التي تعرف تزاحما كبيرا عند محطات التوزيع المنتشرة في المنطقة. وعن نجاعة هذا القرار، قال بعض المواطنين، إن الدولة قنّنت التهريب وأعطته مشروعية ستجعل المهربين يتحرّكون ليلا.
وفي غياب قرارات ردعية من أجهزة الدولة، تجاه الحلابة والمهرّبين، بدأ المواطنون يأخذون القصاص بأيديهم وفي رد فعل عنيف، رمى بعض الشباب سائق شاحنة يحترف تهريب الوقود، قرب حي الرملة، بحجارة كادت تودي بحياته. فهنا بمدينة الغزوات، يكاد يكون الرفض وبالإجماع وبصوت واحد مثلما كتبه الشباب على حائط بالشارع الرئيسي للمدينة ''لا للحلابة''.
''الحلابة'' دولة داخل دولة
بدأت تسمية ''الحلابة'' تعرف انتشارا واسعا منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وخاصة بعد قرار غلق الحدود الغربية بين الجزائر والمغرب، وأصبح يطلق على محترفي تهريب الوقود من الجزائر إلى المغرب، ويعود أصل التسمية حسب بعض سكان المنطقة، إلى اعتبار المازوت والبنزين المهربين حليب من ضرع آبار حاسي مسعود التي لا تنضب. نشاط تهريب الوقود يدر على محترفيه أرباحا خيالية، الأمر الذي جعل هذا النشاط يتحول إلى امبراطوريّة ودولة داخل دولة.
موظف سامي وجدناه يقدم العزاء عند عائلة عراب بحي الدمين بالغزوات، قال ''اذهبوا إلى تونان وبوكانون ولعشاش والسواني والزوية وباب العسة ومغنية وحتى ندرومة، هناك دولة ''الحلابة''، فمواطن بإحدى هذه القرى يملك ستة شاحنات تستغل كلها في تهريب الوقود. ولا تقل مداخيله عن ثلاثين مليون يوميا، وهو الراتب الشهري لنائب في البرلمان في الشهر. ومواطن آخر باع مخبزة وتحوّل إلى التهريب، واقتنى ثلاث شاحنات لهذا الغرض. إن محترفو تهريب الوقود انتقلوا إلى ممارسة السياسة للحصول على الحصانة والاحتماء بنظام الحكم، فصاحب محطة وقود على الشريط الحدودي، أوصلته أموال التهريب إلى مجلس الأمة، ونسج علاقات عنكبوتية مع وزراء وإطارات سامية في هرم الدولة، ليستمر في التهريب ليلا ونهارا. منتخب آخر في المجلس الولائي بتلمسان، استغل علاقته التاريخية برئيس الجمهورية المنحدران من نفس المنطقة (ندرومة) لينجز مشروع محطة، لبيع الوقود بمدخل مدينة الغزوات.
وحسب سكان المدينة فإن أصحاب المحطات متواطئون مع ''الحلابة''، حيث يقبضون رشاوي تصل إلى 1500 دج مقابل ملء خزان شاحنة. وبين 200 و400 دج للسيارة.
وتصل أرباح الحلابة عند إفراغ حمولة الوقود، بقرى الشريط الحدودي إلى مليون سنتيم عن الحمولة الواحدة، مع إختلاف الفارق حسب حجم وسعة الخزان. مع العل أن تهريب الوقود تحول إلى امبراطورية ومافيا مالية، تتواطأ معها جهات نافذة في هرم الدولة، وحسب النائب خنافو عبد الله المقيم بمدينة الغزوات وعضو البرلمان عن حركة حمس المشاركة في الحكومة ''فإما أن الدولة أصبحت عاجزة عن محاربة الظاهرة التي تزداد يوما بعد يوم، علما أن 300 ألف سيارة تشتغل في التهريب، وإما أن هناك تواطؤ رسمي وحماية غير معلنة للكبار المهربين''. النائب المذكور قال إن القضية نوقشت على عدة مستويات في المجالس المنتخبة، ويبقى القرار في يد الحكومة، لحماية الاقتصاد الوطني وحماية أرواح المواطنين''.
''الخبر'' في بيت عائلة عراب والشهيدة ''آية''
''إنها مجزرة، إنها مذبحة... لا الاستعمار ولا الإرهاب قتل إحدى عشرة فردا من عائلة واحدة...'' بهذه الكلمات استقبلنا عم الضحايا. عائلة عراب التي تنحدر من بلدية جبالة بأعالي ندرومة. مضيفا ''نحن لا نريد شيئا من الدولة كثر الله خير الوالي على الثلاثة خرفان التي ذبحناها لنستقبل المعزين. بل نريد من الدولة قرارات صارمة ضد الحلابة والمهربين، فكيف يعقل أن يمنع المازوت عن الفلاحين؟ ويُباع للحلاّبة بالرشوة والعمولة''. الشيخ عراب قال إنه أضاع 300 شجرة من اللوز بسبب انعدام الوقود. ''ماذا أقول لقد فقدنا عراب فريد (28 سنة) والذي كان يستعد لحفل زفافه بعد رمضان، وعراب إلياس (4 سنوات)، وعراب زين الدين (7 سنوات)، إلهام (13 سنة)، أمال (25 سنة)، سميرة (37 سنة)''. قائمة الضحايا حسب عمي عراب هي 18 وليس 16 لأن الضحيتين حياة ونجاة، كانتا حاملتين قبل أن يباغتهما الموت في رحلة ''سيدي أوشع'' الأخيرة. وبينما نحن نتحدث إلى أفراد العائلة تقدمت نحونا العجوز ''زفاي فاطنة''، خنساء عائلة عراب، وهي تحمل صورة الملاك ''آية عراب'' (13 شهرا) أصغر ضحايا الحادث.
ورغم هول الفاجعة، روت لنا كيف ودّعت فلذات أكبادها وتمنت لهم رحلة ممتعة مع أطفالهم. العجوز فاطنة زفاي وبشهامة نساء الريف والجبل، كانت تستقبل المعزين وتدعو بالرحمة لأبنائها وبناتها وتدعو الله أن يقتص من أصحاب الشاحنات والمهربين. سكان حي الدمين التفّوا حولنا وطلبوا نقل انشغالهم بخصوص وضعية الحي، لا ماء ولا غاز ولا طرقات في مدينة مرشحة لترتقي إلى ولاية منتدبة. ونحن نغادر الغزوات مساء عبر الطريق الوطني رقم 98 باتجاه تلمسان، كانت قوافل سيارات المصطافين تغادر شاطئ ''سيدنا يوشع'' أو ''سيدي وشع'' كما ينطق في المنطقة. وتقرأ في عيون الأطفال والآباء دعاء وتضرّعا إلى الله، بأن يصلوا سالمين إلى بيوتهم. وفي نفس الوقت كانت سيارات الحلابة أو المقاتلات، وشاحناتهم المدرعة، مستمرة في صناعة مشهد يشبه سباق الرالي. ولكنه رالي لا يعرف التوقّف ليلا ونهارا.


المصدرالخبر :تلمسان: ن. بلهواري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.