لكل عبادة في الإسلام غاية و مقصد، فالعبادات وسائل أعطانا و رزقنا إياها الله للتقرب إليه و التطهر وتزكية النفس بها و نماء عطائها لما فيه خير الفرد و المجموعة، والحديث عن الفوائد و النتائج الإيمانية التي تحققها العبادات حديث لا ينتهي فكلها خير و نفع خاصة إذا ما خلصت من شوائب الشرك و الرياء وكانت متقنة خالصة لوجه الله تعالى، وهذه الأيام يهل علينا شهر رمضان شهر أوله مغفرة و أوسطه رحمة وخاتمته عتق من النيران، ولكل عبادة أركان ومباني فقهية و معاني إيمانية و روحية وأهداف ونتائج أخلاقية واجتماعية، و لا يتوقف المؤمن الذكي و الفطن عند حسن المباني و الأشكال بل يطلب بعد ذلك محاسبة نفسه و تقييم أمره ، و هذا الرسول صلى الله عليه و سلم يؤكد أن الله ليس بحاجة إلى صلاة امرئ لا تنهاه عن فحشاء أو منكر، وهكذا تقيّم كل عبادة بأثرها على تهذيب الخلق و تزكية النفس وتحسين المعاملة مع الخلق،و ما انتشر الإسلام يوما لكثرة تهجد و قيام وكثرة عبادات الأولين من الصحابة والمسلمين لا يعلمها إلا الله، بل انتشر الإسلام و قويت الدعوة الإسلامية بالقدوة الطيبة و بحسن الأخلاق والرفق بالناس و الاهتمام لأمرهم و مساعدة ضعيفهم و نصح قويهم و البر بكبيرهم، وكل ذلك أمر بمعروف ونهي عن منكر و في ذلك خيرية أمتنا فهي خيرية تكليف و مسؤولية بها تحي الأمة، إذا تركت العمل بهذه الخيرية تنكبت بها الطرق و ضاقت أحوالها وساء أمرها و تكالبت عليها المحن والبلاءات،لأن حيوية هذه الأمة في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فان تركتها صارت جسدا بلا روح كثرة بلا معنى و غثاء كغثاء السيل، وهب الله لنا هذه العبادات وهو العليم بما يصلح النفوس وما يقويها على الصبر و العمل الصالح و تذكر السبب من الوجود، فالمؤمن مستخلف ليقيم العدل و يشيد العمران في معادلة متوازنة لا تفرط إحداها على الأخرى أن تعمل لدنياك كأنك تعيش الأبد و تعمل لأخراك كأنك تموت غدا و دنيا المسلم دين و دينه دنيا لا فواصل و لا حدود جغرافية، فالأمر كله لله. و قد كان شهر رمضان شهر انتصارات المسلمين وشهر فتوحاتهم و شهر إشعاعهم بالخير على الناس أجمعين، و في رمضان عبرات و عبرات لمن له نظرات متبصرة وقلوب واعية،لهذا يجب أن نعمل على استعادة المعاني الحقيقية لشهر رمضان ، فهو شهر للانتصار على شهواتنا و تكالبنا و حرصنا على الدنيا وشهر تهذيب نفوسنا بتعلم الصبر ،فرمضان مدرسة الصبر وهو صبر و ليس خضوع و استسلام لواقع الحال، بل هو صبر على مشقة الجهاد من أجل أوطاننا متحررة من الاستعمار و الاستبداد، و صبر عمل و علم و ليس صبر جهل و تواكل وإرجاء،فالمؤمن الذي لا يغضب و لا يهتم لحال وطنه و أمته و لحال الإنسانية الرازحة تحت سياط المستبدين و الناهبين من كل مكان هو مؤمن عليه مراجعة أمره و مساءلة نفسه و إيمانه،فالله لا يرضه لعباده الكفر و لا يرضه لعباده الظلم و لا يرضه لعباده إلا الخير، فأين لإسلام الحرية و محاربة العبودية ؟ و أين لإسلام مكارم الأخلاق و العدل و قطع البغي و تجريم الإفساد في الأرض؟ و أين لهذا الإسلام الذي جعل حقوق الله و حدود الله هي حقوق عباده؟ أين لهذا الإسلام من أحاديث ضعيفة وموضوعة و تفاسير و فهوم لا تتناسب و لا تليق بروح الإسلام و مقاصده و دوره التحريري والتنويري؟ وشهر رمضان فرصة تأتي إلينا كل سنة فهلا تزودنا فيها بالتقوى و بالصبر و بالإخلاص بدل التزود بالإسراف والإفراط في شهوات البطن؟ فزاد المؤمن الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر يكون بالصبر و الإيمان و التوكل على الله ، و المؤمن مطالب بالاجتهاد في الأخذ بكل الأسباب ما لم تتعارض مع دينه من أجل إصلاح دنياه، و على المؤمن استنفاد الجهد اجتهادا و جهادا في سبيل أمته و تحقيق الخيرية المأمورين والمكلفين بها، أما النتائج فهي بيد الله و ما التوفيق إلا من عند الله، وما ضمن أحدنا حياته لأيام قليلة قادمة، ولذلك أيضا ما علينا التفريط في أنفاسنا، المحاسبين عليها بين اللهو و العبث.. وشهر رمضان شهر الدعاء، و الدعاء عبادة ذكر و تفكر و تأمل، و خير الدعاء ما تتطابق مع مقتضيات الحال فلا يكون ألفاظا بلا معاني و مقاصد،لأنه يكون عندها مشحون بالصدق فيكون الإنسان أدعى للإخلاص فيه بمجامع الجوارح و الروح، وتكون الاستجابة قد حصلت فتقوى النفوس على العمل و تتفتح أفاق جديدة لشحذ الهمم.. وشهر رمضان شهر القرآن، فيه ليلة خير من ألف ليلة، و القرآن الكريم كتاب الله الذي لا ريب فيه و الذي ما إن تمسكنا به لن نضل أبدا، لكن الأمة أضلت الطريق و المسلمون أضلوا الطريق،بالأمس كان القرآن حي يمشي بين الناس و مع الناس في كل مكان، إليه التحاكم و به التخاصم و التراحم، و اليوم القرآن حضرت ألفاظه على الألسنة و غابت معانيه عن القلوب و الصدور ..هذا القرآن الذي لو انزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله سيرناه كتاب بلا سيرة،ألفاظ تزين الألسنة و آيات معلقات للزينة،ووصفات للدجالين و العرافين، وللتبرك به صباحا في المحال التجارية، وبعد ذلك يطوى و تبد أ مسيرة اليوم من الغش و التحيل و الكذب، وكتاب يقسم عليه الرئيس و يتزوج بحرمته المسلم،لكن بعد ذلك يطوى أيضا،فلا هو في الدولة و لا في المجتمع لا هو في سياسة الدولة و لا في سياسة المجتمع،السياسة مدنسة يجب أن نبعد الدين عنها، عجبا و الله؟ السياسة موضوعها مصالح الناس وإدارة شانهم بالعدل وبالحق تصبح مجال للدنس و للتزوير و للخداع والمكر و التنافس الذي يبيح كل الوسائل !! انها ميكيافيلية تخفي خلفية أن السياسة اليوم صارت من اجل التنافس على نهب الثروة و المناصب وعلى بيع الأوطان في أسواق النخاسة العالمية.. الحكم وضعي مدني بشري و الدين يوحي بالتيوقراطية واستبداد الكهنة ،حجة أخرى حاضرة و لكنها متهالكة مدحوضة أمام التاريخ الإسلامي فكرا و فقها و ممارسة،ليس في الإسلام رجال دين ، و ليس في الإسلام وسائط بين العبد و خالقه و لم يقع المسلمون في مأزق بين العلم والدين،أيام نهضتهم أو نكبتهم كما عرفه الغرب، و لم يخل عصر لم يكن فيه للفقهاء و المصلحين شأن مع سياط الملوك لأنهم عارضوا استبدادهم و ظلمهم، لكن للأسف صرنا أحيانا نعيش دون وعي منا إشكاليات وهمية مستوردة و زادتها بعض النخب المتغربة لبسا و التباسا و تلبيسا في زمن الجهل بالدين و العلم، ورغم كل هذا فان حجة وضعية و بشرية الحكم لم تمنع قيام الأنظمة الكليانية والشمولية و الفاشية والعنصرية و التي قهرت الإنسان و جعلت أنفاسه تحت مراقبة ومتابعة كهنة القصور ورجال المخابرات ووزارات الداخليةن و أعدم الشرفاء و الأحرار في كنائس القضاء و محاكم التفتيش عن المخالفين والمعارضين للزعماء التاريخيين هؤلاء المنن الربانية و الاستثنائية و التي لولاها لتيتمت الشعوب وذهبت ريحها، و أقصيت مقاصد الشرع لأجل أن تحل محلها مقاصد و هوى السلاطين و الحكام المرضى بالزعامات والكراسي التي لم تخلف لنا سوى المآسي. رمضان الذي يعلم المؤمن أن لا يكون عبدا لبطنه و فرجه و شهواته أحرى أن يفهم منه المؤمن أن لا يكون عبدا لغير ربه، و أن تكون عبدا لله فهذا يعني أن تكون مملوكا لله فقط لا شريك له في ذلك ، وهذا يعني أن تكون حرا في الأرض من أغلال الاستغلال و الاستعباد و من كل القيود ما عدى قيود الاستخلاف و ما هي بقيود.... فرمضان شهر الحرية بامتياز يعلمنا إياها الصيام و القرآن و الدعاء، والحرية هي باب قوة الأمة و مفتاح نهضتها و لذلك كان المسلمون دوما منتصرين في رمضان لأنهم كانوا أقوياء...أحرار...فهل نفهم؟ ورمضان يرتبط بالصدقات و الزكاة و الاطعام،شهر يعمل على ترميم علاقات التضامن و التراحم والتوادد بين الناس،عبادات مترابطة،لا معنى لعبادة دون أخرى،لأن المعنى واحد وان تعددت أشكاله وأساليبه وطرقه،الايمان واحد و شعبه متعددة،الخير واحد و مجالاته لاتنتهي ما أحاطت بصالح و صلاح الفرد والمجتمع...فهل نستوعب؟