يعلم الجميع أن ما يصطلح عليه بالمغرب العربي الكبير كان مشروع اندماج إقليمي يبشر بالخير، وكاد أن يكون خطوة جيدة وطموحة ومتقدمة عندما دخل حيز التنفيذ قبل 20 سنة تقريبا، لولا تخلف الأنظمة السياسية التي وقفت وراءه وانعدام بعد النظر عند الساسة المغاربيين، ناهيك عن الأسباب الموضوعية التي حالت دون نجاح مشروع الاتحاد الذي خُيل للبعض أنه سيكون بحجم تكتل الدول الأوروبية في إطار تجربة الاتحاد الأوروبي الناجحة، أو على الأقل مثل مجلس التعاون الخليجي، إلا أن الجبل تمخض فولد فأرا، وجاء الفأر شقيا إلى درجة أن مشاكله وخلافاته لا تكاد تنتهي، ففشل مشروع الاتحاد المغاربي بسبب الخلافات المستمرة والبرود في العلاقات بين بعض دول الاتحاد، إضافة إلى قلة المبادلات التجارية البينية. في ظل هذا الركود السياسي والاقتصادي الكبير تطفو على السطح من حين لآخر أزمات وخلافات ثنائية -خصوصا بين المغرب والجزائر- تؤثر على الاستقرار السياسي الهش في هذه المنطقة. آخر أزمة فاجأت الرأي العام المغاربي نشبت الأسبوع الماضي خلال احتفالات ليبيا بالذكرى الأربعين لثورة الفاتح من سبتمبر التي نجم عنها وصول العقيد معمر القذافي إلى السلطة في ليبيا بعد أن قاد انقلابا على الملك السنوسي. خلال هذه الاحتفالات ظهر فجأة محمد عبدالعزيز زعيم جبهة البوليساريو ورئيس الجمهورية الصحراوية المعلنة من جانب واحد مع الضيوف وأخذ مكانه في المنصة الرسمية فانسحب الوفد المغربي الذي كان يترأسه الوزير الأول عباس الفاسي بعد مشاورات مع الملك محمد السادس وقفل عائدا إلى الرباط. في المغرب تعاملت وسائل الإعلام مع هذا الحدث بجدية مبالغ فيها حيث اعتبرت بعض الصحف الواسعة الانتشار أن الأمر يتعلق بتصفية حسابات بين العقيد والنظام المغربي الذي لم يضغط كما يجب على المحكمة التي أصدرت حكما على ثلاث صحف مغربية بدفع تعويض لجبر الضرر للقذافي يناهز 300 ألف دولار عوض ال 9 ملايين من الدولارات التي طالب بها العقيد كتعويض عن المقالات التي اعتبرها قذفا وتطاولا على شخصه. المذكرة التي أصدرتها الجماهيرية الليبية وسلمتها لسفارة المغرب في طرابلس أكدت أن الأمر يتعلق بسوء تفاهم ناجم عن خلل في البروتوكول: «إن أي إزعاج لأشقائنا في الحكومة المغربية لم يكن ناجما سوى عن جوانب بروتوكولية خارجة عن الإرادة ومرتبطة بحجم الحدث وعدد المدعوين الكبير، مما تسبب في خلل، وهو أمر يمكن أن يحدث في مثل هذه المناسبات». البيان أوضح أن زعيم جبهة البوليساريو لم يكن مدعواً رغم حضوره في المنصة الرسمية، لأنه اغتنم فرصة وجوده في ليبيا التي انعقد فيها مؤتمر الاتحاد الإفريقي لحضور الاحتفالات. وبغض النظر عن الأسباب الكامنة وراء حضور محمد عبدالعزيز احتفالات الذكرى الأربعين لوصول القذافي للسلطة، فالأزمة ليست أزمة سياسية، بل هي أزمة أنظمة متخلفة وأشخاص يحكمون في دول لا تلعب فيها المؤسسات أي دور. من جهة هناك دبلوماسية مغربية متشنجة وانسحابية وشديدة الحساسية من حضور ممثلين عن جبهة البوليساريو في نفس التظاهرات التي يمثل فيها المغرب، رغم أن هناك مفاوضات مباشرة مع الصحراويين الانفصاليين تحت رعاية هيئة الأممالمتحدة، مما جعل المغرب يترك مقعده فارغا في منظمة الاتحاد الإفريقي ويتخلف عن المؤتمرات الدولية التي تشارك فيها جبهة البوليساريو التي أصبح زعماؤها يتقنون الدور المنوط بهم كورقة ضغط تستعملها الأنظمة التي لها خلافات مع المغرب بعدما تبين لهم صعوبة الوصول إلى حل نهائي لقضية الصحراء. أما النظام الليبي فهو أكثر الأنظمة المغاربية خضوعا لرؤية الحاكم الخاصة، أي أن العقيد قام بتحييد كل الفاعلين السياسيين أفرادا وجماعات وجعل من ليبيا مختبرا لفلسفته الخاصة التي جعلته يراهن تارة على القومية العربية وتارة أخرى على القارة الإفريقية، وجعلته يبارز الدول الغربية بطرق «فريدة» تارة ويتقرب إليها تارة أخرى. لقد تعاملت ليبيا مع قضية الصحراء وفق تقلبات العقيد الذي طلب سنة 1975 أن يشارك في المسيرة الخضراء ثم تبنى قضية البوليساريو حيث درب مقاتليها وزودهم بالمال والسلاح خلال حرب الصحراء قبل أن يعود ويغلق الباب في وجه جبهة البوليساريو بعد إبرامه لاتفاقية الوحدة مع المغرب سنة 1984. وخلاصة القول أن هذا النوع من الأزمات سيندلع من حين لآخر ما دام هناك اختلاف في طبيعة الأنظمة الديكتاتورية المغاربية، وما دام هناك تعامل مع القضايا العالقة حسب مزاج الحكام، وما دام هناك نزاع مفتوح حول الصحراء من شأنه أن يشوش على كل المبادرات المغاربية الجادة. هذا النوع من الأزمات ما كان ليندلع لو لم تكن هناك أنظمة مثل الأنظمة المغاربية وحركة «تحررية» لم تختف بسقوط جدار برلين رغم أنها نتاج الحرب الباردة والحسابات الجيوسياسية القديمة. ولقد وقع ما وقع خلال احتفال بالمكوث في الحكم كل هذه السنين دون أن يشعر المضيف وضيوفه بوخز في الضمير. 2009-09-08