فتح بحث تحقيقي ضد المنصف المرزوقي و من معه    حالة الطقس هذه الليلة    حماس تعلن موافقتها على مقترح قطري مصري لوقف إطلاق النار في غزة    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة 'سينما تدور'    لأول مرة في مسيرته الفنية: الفنان لمين النهدي في مسرحية للأطفال    وزير الداخلية يلتقي نظيره الليبي اليوم في تونس    الحمامات: القبض على إمراة أجنبية رفقة رجل تونسي وبحوزتهما أنواع مختلفة من المخدّرات    وفاة مقدم البرامج والكاتب الفرنسي برنار بيفو    رياض دغفوس: لا يوجد خطر على الملقحين بهذا اللقاح    زين الدين زيدان يكشف عن حقيقة تدريبه لنادي بايرن ميونيخ الألماني    المتحدثة باسم الهلال الأحمر: ان لم يتوفّر للمهاجر الأكل والخدمات فسيضطر للسرقة.. وهذا ما نقترحه    الكاف: برنامج للتسريع في نسق مشاريع مياه الشرب وتدعيم الموارد وايجاد حلول للمشاريع المعطلة    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    مدنين: استعدادات حثيثة بالميناء التجاري بجرجيس لموسم عودة أبناء تونس المقيمين بالخارج    عاجل : القاء القبض على السوداني بطل الكونغ فو    تصنيف اللاعبات المحترفات:أنس جابر تتقدم إلى المركز الثامن.    كرة اليد: المنتخب التونسي يدخل في تربص تحضيري من 6 إلى 8 ماي الجاري بالحمامات.    النادي الصفاقسي يتقدم بإثارة ضد الترجي الرياضي.    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة.    التحديث الجديد من Galaxy AI يدعم المزيد من اللغات    بداية من مساء الغد: وصول التقلّبات الجوّية الى تونس    تعرّض أعوانها لإعتداء من طرف ''الأفارقة'': إدارة الحرس الوطني تُوضّح    عاجل/حادثة اعتداء تلميذة على أستاذها ب"شفرة حلاقة": معطيات وتفاصيل جديدة..    ناجي جلّول يترشح للانتخابات الرئاسية    سليانة: حريق يأتي على أكثر من 3 هكتارات من القمح    الرابطة الأولى: البرنامج الكامل لمواجهات الجولة الثالثة إيابا لمرحلة تفادي النزول    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024    جندوبة: تعرض عائلة الى الاختناق بالغاز والحماية المدنية تتدخل    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    العاصمة: القبض على قاصرتين استدرجتا سائق "تاكسي" وسلبتاه أمواله    عاجل/ حزب الله يشن هجمات بصواريخ الكاتيوشا على مستوطنات ومواقع صهيونية    مطالب «غريبة» للأهلي قبل مواجهة الترجي    مصادقة على تمويل 100 مشروع فلاحي ببنزرت    جندوبة .. لتفادي النقص في مياه الري ..اتحاد الفلاحين يطالب بمنح تراخيص لحفر آبار عميقة دون تعطيلات    ثورة الحركة الطلابية الأممية في مواجهة الحكومة العالمية ..من معاناة شعب ينفجر الغضب (1/ 2)    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة السابعة    إسرائيل وموعظة «بيلار»    زلزال بقوة 5.8 درجات يضرب هذه المنطقة..    عاجل/ مقتل شخصين في اطلاق نار بضواحي باريس..    عمر كمال يكشف أسرارا عن إنهاء علاقته بطليقة الفيشاوي    أنباء عن الترفيع في الفاتورة: الستاغ تًوضّح    منافسات الشطرنج تُنعش الأجواء في سليانة    القيروان ...تقدم إنجاز جسرين على الطريق الجهوية رقم 99    اليوم: لجنة الحقوق والحرّيات تستمع لممثلي وزارة المالية    أهدى أول كأس عالم لبلاده.. وفاة مدرب الأرجنتين السابق مينوتي    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشريح كارثة ... (2-3) : إنيو


كتاب يفيض حقدا وكرها للعرب والمسلمين
تأليف: إنيو / عرض وترجمة: بشير البكر
تشريح كارثة ... (1-3) : إنيو
“تشريح كارثة: الغرب” الاسلام والحرب في القرن الحادي والعشرين” هو عنوان الكتاب الصادر حديثا في باريس عن دار “دونويل”.
لم تشأ المؤلفة أن تفصح عن اسمها. فوقعته باسم مستعار “إنيو”، أي إلهة الحرب عند الإغريق. وليس الاسم محض صدفة، فالكتاب دعوة للاستعداد لمعارك وحروب، وهذه المرة ليست ضد الآلهة وإنما ضد الإسلام أو الإسلامويين أو ضد الأصوليين الجدد أو ضد الإرهابيين (وكأن الاسلام وحده من يستحق هذه الصفة).
المؤلفة شخصية مرموقة في الاستخبارات الفرنسية،وهي بعد أن حصلت على دكتوراه في العلوم السياسية، مارست التدريس في الجامعة خلال سنوات عديدةُ،ثم دعتها حكومتها للالتحاق بالسلك الدبلوماسي، فتولت مراكز مرموقة في بلدان ذات ثقافة إسلامية قبل أن تعود لتشتغل في قسم الاستخبارات الخارجية في بلدها منذ سنة 2002. وبهذه الصفة تعمل حاليا في منظمة دولية ببروكسل.
المواجهة الأولى من أجل الهيمنة على المحلي والكوني على أنقاض الدولة
يتوجب من البدء تحديد الفرق ما بين حرب العصابات والإرهاب، وهو ما تعبّر عنه المؤلفة، التي نشتم من تعليقاتها مُسحة من عدوانية تجاه العرب والمسلمين: “الفرق ما بينهما يرتكز أساساً على تعريف حرب العصابات باعتبارها مجموعة ترفع إشارات تمييزية، متبنية منظّمة عسكرية وخصوصا سلطة حقيقية على فضاء محدود، حتى ولو كان بطريقة مؤقتة. وبهذا التعريف فمن الخطأ التحدث عن حرب عصابات مدينية لأن محاربي هذا النمط لا يحتفظون خلال فترة طويلة بحيّ أو بقطاع. في المدينة، تختار حرب العصابات، بسبب عدم إمكانية العمل بِحرية كما هو الشأن في الأرياف، العمل الإرهابي كتعويض عن عمليات الانهاك، من خلال اللجوء إلى عمليات تصفية فردية أو تنفيذ تفجيرات من دون تمييز، كما حدث أثناء حرب الجزائر”.
نلاحظ هنا الاتهام الذي توجّهه إلى جبهة التحرير الجزائرية، أثناء حربها التحريرية. وتمضي المؤلّفة في تصفيه الحساب مع التنظيمات المتمردة: “الحدود ما بين الذي يمارس حرب العصابات والإرهابي خفية الدّلالة، ومعظم المتمردين، وبشكل خاص في مجهودات تقرير مصير الشعوب المستعمرة، يلتجئون إلى الإرهاب باعتباره استراتيجية مُساعِدة: إن حرب العصابات والإرهاب لا يتعايشان بمحض الصدفة”، وستأتي المؤلفة بأمثلة لتشويه حركات التحرير الوطنية في العالم: “نقتنع بسهولة ونحن نفكر في مجازر الثوار الفيتناميين ضد 10000 من كبار السن من القرويين أو تصفية جبهة التحرير الوطني الجزائرية، في خضمّ التمرد ضد فرنسا، لأنصار مصالي الحاج”، وتضيف: “إن الانتقال من إرهاب يختار أهدافه إلى إرهاب أعمى حدث خلال القرن العشرين عن طريق الفوضوية الثورية ثم كفاح التحرير الوطني، التي تمزج، من حيث الجوهر، بين حرب العصابات والإرهاب”.
ومن الواضح أن المؤلفة تولي حيزاً كبيراً ل”تنظيم القاعدة”، وتقول إن تزايد التفجيرات ومحاولات التفجير المنسوبة إليه وانبثاقاتها المباشرة، يدلّ على الانغراس الدولي للمتعاطفين معها.ولكن الكاتبة سرعان ما ترى في “القاعدة” وفي ما سبقها من تنظيمات تستخدم العنف وسيلة لتنفيذ أهدافها، “ماركة” أو “تسمية”: “ما هي الجماعة الإسلامية، إن لم تكن فدرالية تطلق أمراء (زعماء حرب) يحاربون بصفة فردية؟ ثمّ ألا يمكن أن نقول الشيءَ نفسَه عن منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية، باعتبارها تجمعا لمنظمات متنافسة من حول القاسم المشترك الوطني الصغير؟ ابن لادن؟ هل هو اقتصادي كبير أم زعيم جماعة، بلا شكّ هو “مُسهّل”، ولكنه، بالتأكيد، ليس جنرالاً. إن تنظيم القاعدة بالنسبة للإرهاب هو ما للإنترنيت مع الاتصال...”. وتلتفت المؤلفة إلى مسألة تمتلك بعض الأهمية، وهي غياب الإعلانات المباشرة عن تحمل مسؤولية التفجيرات والعمليات العسكرية، وتنطلق من مثال تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001 وتكتب “إن أكثر ما يلفت الانتباه في تفجيرات 11 سبتمبر ضد نيويورك وواشنطن هو غياب الإعلان عن المسؤولية. والقرن العشرين طُبِع بالعديد من الأعمال الإرهابية المحرومة من كل توقيع يتمتع بمصداقية، وليس من أدناها تفجير طائرة بانام 103 سنة ،1988 والسيارات المخففة في بومباي سنة 1993 والشاحنة المفخخة في بوينس إيرس سنة 1994 أو أيضاً تدمير المقر الفيدرالي في أوكلاهوما سيتي سنة ،1995 إن هذا الصمت الذي يلتزمه أصحاب القرار وكذا منفّذو العمليات مرتبط بشكل عميق باختيار الدّم المُراق على تفسير قضيتهم، خلافاً لإرهابيي سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. إن هذه المنظمات تترك، من الآن فصاعداً، للضحايا الذين ظلوا على قيد الحياة ولحكوماتهم عناء فهم ظروف وملابسات الأحداث”.
ليس من شكّ أن الكاتبة مُحقة بعض الشيء في هذا الأمر، ولكن المؤلفة تنسى أو تتناسى أن أمريكا والدول الغربية هي الأخرى لا تتحمل مسؤولية العمليات القذرة التي تقوم بها وسائل استخباراتها من عمليات تصفية لقادة وزعماء وأفراد، والبعض منهم تم انتخابهم بطريقة ديمقراطية، على الطريقة الغربية، وليس سالفادور أليندي إلا مثالاً واحداً على ضلوع أمريكا (الذي ترفض الاعتراف به، على الأقل، على الصعيد الرسمي)، وكذلك محاولات اغتيال الزعيم الكوبي فيديل كاسترو.
ولأن تفجيرات 11 سبتمبر لا تزال لغزاً حقيقياً طالما أن المحاكمات لم تبدأ بعد لتحديد المسؤول وحجم المسؤوليات، ترى الكاتبة أن الذي يقع عليه شبه إجماع على مسؤوليته، لم يقل ذلك بشكل مباشر: “يعبر ابن لادن عن ابتهاجه لاصطدام الطائرات بالبرجين وأيضاً بالبنتاغون؛ لا يضع الأمر، في البداية، لحسابه، دافعاً بالمؤامرة إلى أبعد حدّ. لم يتم الإعلان عن مسؤولية 11 سبتمبر إلا في إبريل/نيسان ،2002 الغياب الأصليّ للخطاب مرتبط بزيادة القلق في مواجهة المجهول. وبعيدا عن الاكتفاء ب”البروباغاندا عبر العمل” وحدها، فإن العدميين الروس في القرن التاسع عشر ورجال 11 سبتمبر اختاروا أنْ يُضيفوا اللغز والغموض إلى المعاناة”. وتضيف “لقد استطاع تنظيم القاعدة بالفعل أن يُخلخل حتى قاموس الحرب.وهو ما ترى فيه الكاتبة نوعاً من “حرب الجميع ضد الجميع، في كل مكان”، وتقول “أصبح من الصعب، أكثر فأكثر، عدم اللجوء إلى لغة (مصطلحات) الحرب، حرب منحطة، حرب فقدت كل خاصياتها، ولكنها حرب حقيقة، من أجل تعيين حالة العالم مساء 11 سبتمبر ،2001 الحرب السيئة جاءت لتطرد الحرب الجيدة، أي الحروب التي تعوّد عليها الغربيون. الحرب التي تفرض، كما رأيناها، الصعود إلى أقصى الحدود، بينما الحرب التي يخوضها الإرهابيون فهي صراع حتى الموت، والحرب ضد الإرهاب هي صراعٌ من أجل البقاء”. وتستطرد الكاتبة “لقد نقلت حركة القاعدة وبعض التنظيمات التي يطلق عليها اسم الإرهابية الحرب إلى مستوى غير مشهود. أَلَيْس الإرهابيون طليعيين؟ إن خفض عتبة الدلالة السياسية للصراعات يفرض على الفاعلين البحث عن مرجعيات في مجموعات فوق دولتيّة، إلى درجة رفض كل علاقة مع الدولة من أجل شرعنة صراعهم. إن مصداقيتنا تكون أكبرُ حين نتقاتل من أجل القبيلة أو من أجل الإيمان، أكثر مما تكون حين نتقاتل من أجل البلد. وهكذا تجد الدولُ نفسها إزاء خيار: إمّا أن تنهي الصراع المنخفض الحدّة في الخارج ولكن في الداخل أيضا، وإمّا أن تموت”، وتضيف “الإرهابيون الدوليون يجعلون، من جديد، ممكنا حرب الجميع ضد الجميع، بفضل وضعيتهم كمواطني العالَم متميزين، انطلقوا في مهاجمة المدينة. ونفهم لماذا يشعر الرأي العام بالتهديد الذي يضغط على العقد الذي ينظم العلاقات ما بين المواطنين في الدولة وبين الدول، بينما الجرائم والحوادث تكلف غاليا في الأرواح البشرية”.
على إيقاع الاسلام
من يقرأ الكتاب وخصوصاً هذا الفصل حيث الإسلام هو الموضوع الأساس يتحسس الرفض أو العداء الذي بالكاد يخفي نفسه في كلمات المؤلفة.وتستعرض المؤلّفة، بكثير من الإطناب، ولكن بكثير من التفاصيل، وهو ما يشي باطّلاعها الجيد على الثقافة العربية الإسلامية وعلى تطور السياسة في العالم الإسلامي، إلى يومنا هذا، حيث العدوّ الأول أصبح يحمل عنوان: “القاعدة”.
يصبح كل شيء يشي بنا سيأتي، وهكذا في متواليات حتى نصل إلى ما نحن عليه الآن، من ما يسمّيه الغرب ب”الإرهاب الإسلامي”. ولا ترى المؤلفة إلاّ ظلال الإسلام في كل حركة سياسية في أي بلد إسلامي، كي لا نعود إلى الماضي البعيد كما فعلت المؤلفة فسوف نكتفي بتاريخنا المعاصر، أي في النصف الثاني من القرن العشرين: “قامت مصر بأسلمة دستورها ابتداء من سنة 1970. الشريعة، باعتبارها مصدراً رئيسياً للتشريع المصري، أصبحت تحت حكم السادات المصدر الرئيسي (تعلق المؤلفة ببعض سخرية على الأمر: ولكن ليس المصدر الوحيد، ومن هنا يأتي اغتياله، خلافا للفكرة السائدة والتي ترى أن اغتياله جاء لأنه أقام سلاماً مع “إسرائيل”)، بينما منح الرئيس المصري امتيازات للإخوان المسلمين، الذين كانوا يتعرضون، إلى وقت قريب، للاضطهاد، من أجل الحصول على دعمهم، ضد منافسيه. وتضيف، قبل أن يتعرض للانقلاب سنة 1977 ثم يتم قتله شنقاً سنة 1979 من قبل خلفه ضياء الحق، أعلن الرئيس الباكستاني ذو الفقار علي بوتو إرساء الشريعة في بلده بعد أن حرّم الخمر والقمار ووعد بإدخال اللغة العربية في المدارس. الحكّام الذين أتوا من بعده طبقوا هذا البرنامج بدعم من الجماعة الإسلامية، الحزب الذي أسّسه المودودي. في سنة 1980 قررت ماليزيا إدخال سياستها في قِيَم الإسلام وأرست ممارسات تمييز إيجابي لفائدة المسلمين من أجل الحدّ من التمدد السوسيو اقتصادي للهنود أو الصينيين. المحاكم الاسلامية أخذت بيدها أسلمة البلد. الجزائر من جهتها قامت باتباع هذا السبيل سنة ،1984 أمّا بنغلاديش فقامت بالأمر سنة ،1988 سنة ،1983 قام السودان قبل مجيء حسن الترابي، الزعيم الإسلامي الذي استقبل أسامة بن لادن بتطبيق القانون الإسلامي. أمّا العلماني صدام حسين فقد خاض حربه ضد إيران باسم الجهاد، وقامت إيران بنفس الشيء ضده. تركيا حررت الإسلام المخنوق من قبل كمال أتاتورك خلال مسار طويل أطلقه الجنرال إيفرين، الذي استخدم الإسلاميين مباشرة بعد الانقلاب العسكري سنة ،1980 ووضع أسس الأحزاب السياسية في نهاية القرن العشرين. بنيات الدولة لا تزال سليمة لكن أسلمة المجتمع التركي تتسارع وتيرتها منذ تلك الفترة. وحتى الهند منحت لمسلميها 130 مليون نسمة قانون الطلاق الإسلامي سنة ،1986 في سنة 1991 أرسى سوهارتو المساواة بين القانون المدني والإسلامي وأعاد للقانون الإسلامي سلطة إصدار أحكام القضاء حول الإرث....”.
المهم في الأمر هو أن الكاتبة ترى الإسلام والأسلمة في كل مكان. في الكويت وفي انتخابات العراق سنة ،2005 ولا تفلت المملكة العربية السعودية من اللوم.
تختتم المؤلفة هذا الفصل بمسحة متشائمة وقد رأينا في السابق كيف أنها تقود الكتاب حتى النهاية: في نهاية القرن العشرين، يظهر الإسلام باعتباره الدين الوحيد الذي يزداد أتباعه، الدين الوحيد الذي لم تستطع الثورة الغربية للأنوار وتأثيراتها التقنية أن تخترق ديناميته. العديد من الحركات الأصولية الجديدة تنجح ليس فقط في إعادة أسلمة الساكنة “الباردة الهمّة” في أرض الإسلام، ولكن في فرض أنماط الحياة الإسلامية “المطلقة” على المسلمين الأوروبيين والأمريكيين وفي تحويل الكفرة إلى الإسلام”.
صحيح أنّ أنصار هذا الاتجاه، كما تقول الكاتبة، يُعتبرون أقليّة في العالم الإسلامي، ولكن هؤلاء “يعلنون عن وضعيتهم باعتبارهم الطليعة، وهم يستندون، بصلابة، على نصوص كلاسيكية مختارة بعناية، ويتم تكرارها أكثر مما تُقْرأ”، والخاتمة هي أنّ “تعصب الأصولية الجديدة هو إسهال للإسلام يرتكز على تصور ذاتيّ، موروث من استشراقيي القرن التاسع عشر. ببساطة، يكتب الإسلامُ صفحة جديدة من تاريخه بعد صفحات الحداثيين والقوميين والإسلامويين. إنّ “هؤلاء المسلمين الجدد” يحيون جوهر الإسلام، أكثر مما يعيشونه من جديد، لا يمنحون سوى مصداقية سطحية للاستشراقيين. مصداقية سطحية لأن انبثاق التيار الأصولي الجديد، المحافظ دينيّا والراديكالي سياسياً، تبرهن إلى أيّ درجة عرف جسم العقيدة الإسلامية، خلاف عقود قليلة، تغيرات عميقة جداً أكثر مما كان طيلة القرون السابقة”.
إحراج الديمقراطية الاسلامية
السؤال الأول الذي تطرحه المؤلفة في هذا الفصل الجديد: هل استراتيجية الأصوليين الجدد التي ترمي إلى فتح الأرواح تتعلق بخيار مرحلي أم بممارسة إسلام مثالي؟ وتذهب الكاتبة إلى البدايات المؤسسة للدين الجديد، وتتحدث عن “البحث عن الوحدة الضائعة”، وهنا تتحدث عن مفهوم “الأُمّة”. هذه الفكرة التي ابتدأت من عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا، والتي عرفت تغيرات وتفسيرات وتهويمات لا حصر لها.. ولا شك أن الحركات الإسلامية تتحدث دائماً عن الأمة الإسلامية.. والعمل من أجل إرسائها.. ولكن مفهوم الأمة يظل مفهوماً عائماً وصعباً تنفيذه على الأرض ومن هنا ترى الكاتبة أن: “مفهوم الأمة الإسلامية الموحدة دحضه في القرن العشرين عدد من المتبحرّين في العلم، بسبب عدم تلاؤمها مع الأطر المفاهيمية لأنظمتهم. وبالفعل فإن “الأُمّة” لا يُمكن تحديدُها لا بالثقافة ولا بالمُكوّن الاجتماعي ولا بالتنظيم الفضائي ولا بالوحدة الإثنية.. ولكن هذا الدحض، لا تكترث به فكرة الأمة. إنها، أي فكرة الأمة، تنتمي إلى عالم العقل؛ إنها توجد وستظل موجودة طالما تَواجَد المسلمون”، وتضيف “إن وحدة “حضارة” إسلامية تفرض نفسها من تلقاء نفسها: إن التقويم (الهجري) والحفلات والمحظورات ومجموع الممارسات التي تشكّل التقوى تتعالى على الترتيبات المحلية”.
الحقيقة أن العالم الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، لا يُسهّل الأمر من أجل تفاهم مع العالم الإسلامي. “لأن الغربيين انتصروا بالقوة، فقد خلق المسلمون، كردّ فعل، احتقارا لأنفسهم. هذا الاعتراف بعنف منتصر يجد برهنته في النظام العالمي. فبعد سقوط كابول، في خريف ،2001 غادرت صورة أسامة بن لادن لبضعة أشهر عالم المنتصرين لتنتقل إلى عالم المنهزمين. وحين قررت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قلب نظام صدام حسين سنة ،2003 فقد اكتفت الحكومات الإسلامية بخطاب مألوف في الاحتجاج مُوجَّه إلى إرضاء التطلعات “الطبيعية” لشعوبها، ببساطة كي لا تبتعد عن معسكر المنتصرين”، وتواصل المؤلفة تشريحها للعالم الإسلامي وعلاقاته مع الغرب “إن تاريخ السلطة في أرض الإسلام ليست سوى متوالية من الأمثلة من هذا النمط”.
هو قدرُنا كعرب وكمسلمين: الخضوع وإلا السّحق. “ومن أجل الإفلات من مثل هذه العلاقات البشرية، فيتوجب مغادرة العالم، وهو ما تفعله الزوايا الصوفية، وما تجره من حذر مزدوج من السلطة ومن علماء الدين، وتتعرض في كثير من الأحيان لاضطهاد قاس”.
ولأن الكاتبة الفرنسية، لا يمكن أن تخرج عن الشرنقة الديمقراطية الغربية، فهي هنا تستحضر هذه الكلمة وتحاول أن تبحث عن تطبيقاتها في المجرة الإسلامية.وهي حين تتحدث عن الاسلام والديمقراطية لا تفلت من نزوع الإسقاط الغربي، وما يراه الغرب من “كونية الديمقراطية” إلى درجة تقترب من الدين.وتكتب: “في تاريخ الاسلام، باعتباره حضارة مدينية، لمْ تعط أية مدينة حرة أبدا وِلادةَ ديمقراطيةٍ بلديةٍ ولم تتمتع أية بورجوازية مدينية أبدا بوعيٍ حضريّ، على الصورة التي يحددها ماركس وفيبر. ولم يرَ النور، بصفة تلقائية، أيّ برلمان ولا أية غرفة تجارية...”، وتعقّب، ساخرة: “لا شيء (أي في المدينة الاسلامية) سوى السلطة وهي تُمارَسُ من القمة في اتجاه القاعدة. المدينة (الاسلامية) ليست سوى مكان ممارسة هذه السلطة وإدارتها”.
وتأتي الكاتبة بمسألة الملاءمة ما بين حقوق الإنسان والإسلام. تقول ساخرة: (كي لا نتحدث عن حقوق المواطن) وترى أنه لا يمكن أن نفهم الأمر على أنه أكثر من اتفاق على لفظ الاتفاق مع الشريعة (الاسلامية) كما نصت عليه البلدان الإسلامية المجتمعة في باريس في “الإعلان الاسلامي العالمي لحقوق الإنسان” سنة ،1981 وتسقط المؤلفة في تبسيطات مثيرة للشفقة. تأخذ مثال الرقّ (وكأنها ظاهرة شائعة الآن)، باعتبارها جزءاً من الأشياء التي تفرق بين الاسلام وبين أوروبا في حقوق الإنسان.
لا تختلف المؤلفة عن الساسة الغربيين، وخصوصاً الأمريكيين، وبشكل أخصّ المحافظين الجدد الذين يؤمنون بتصدير الديمقراطية. ولقد مارسوها مع الصين ولم يفلحوا وها هم يخرجونها كل مرة مع المسلمين. ولأن المسلمين لا ينجحون في التأقلم مع الديمقراطية الغربية فلأنه يوجد خللٌ ما في نظر الغربيين. الإسلامويون الذين يطالبون ب”السياسي”، ليس لهم سوى الاحتقار للديمقراطية، الذين يشعرون بها باعتبارها متجذرة في المادية المنحطة والفاسدة لِغَرْب محروم من المُقَدَّس: “إن الإسلام (كما يكتب المودودي، نقلاً عن جون ل. إسبوسيتو وجون أو فول، في كتاب “إسلام وديمقراطية” نيويورك، 1996)، إذا ما شئنا أن نتحدث بتعابير الفلسفة السياسية، هو النقيضُ، بامتياز، للديمقراطية الغربية (...)، إنه يدحض السيادة الشعبية ويبني مدينته على أُسُس سيادة الله والنيّابة الملكيّة للإنسان”، ومن هنا تزعم المؤلفة أنه لا يوجد فرق بين إسلامي معتدل وإسلامي متطرف”، ومن هنا بطلان المفهوم المنتشر جداً عن “الإسلاموي المعتدل”. ومن الأفضل أن نتحدث عن فُتور، فهؤلاء “المعتدلون” لا يُصدرون آراءهم إلا بخصوص إدانات ذات طابع أخلاقي. الأصوليون الجدد يُصفُّونهم من دون انتظار أن يكونوا في السلطة، حتى ولو أدى الأمر إلى أن يُحكم عليهم من قِبَل الأوائل. أحياناً يحدث العكسُ. هكذا طلب الرئيس المصري أنور السادات الإذن من جامعة الأزهر كي يبرم سلاما مع “إسرائيل”، وهي مُوافقة مُنِحَت له بشرط أن يستجمع قواه ويُهاجم الدولة العبرية من جديد”.
لسنا ندري من أين استقت المؤلفة هذه الأسرار بين الرئيس السادات وجامعة الأزهر.. والغريب في الأمر هو أن شيخ الأزهر الذي وافق يستطيع السادات أن يُطيح به في حالة رفضه، إذ هو موظّفٌ تعيّنه الدولة وتمنحه قوت يومه.. وإذا كان الغرب يلومنا على أننا نعيش دائماً حياتنا من خلال الإيمان بنظرية المؤامرة ونفسر انكساراتنا وهزائمنا الكثيرة من خلال نظرية المؤامرة.. والأمر هنا معكوس، ففي نظر المؤلفة لم يكن السادات جاداً في إبرام السلام مع “إسرائيل”، وهو الذي كان يتحدث عن السلام كاستراتيجية.
الكتاب لا يتوقف عن انتقاد الاسلام ومحاولة إظهاره منغلقاً على الآخر، الغربي، وعلى ابتكاره، الديمقراطية. “في الحقيقة، إنّ كل تأمل حول ملاءمة الاسلام للديمقراطية، على الطريقة الأوروبية أو الأمريكية تتعلق بِخُدعة مضحكة”، وهنا تستشهد الكاتبة بالكاتب داريوش شاييغان، الذي يوافقها الرأي، فتنقل عنه: “كي تكون ثمّة ديمقراطية، فإنه يتوجب أن يكون ثمة مُسبقاً علمنة العقول والمؤسسات، وأن يكون الفرد باعتباره فرداً موضوعاً مستقلاً للقانون وليس روحاً مجهولة ذائبة في كتلة هلامية تحمل اسم الأمَّة”.
يبدو وكأن المؤلفة تتأسف على ظهور مفهوم “وحدة الاسلام”، وهو ربما رأي تتقاسمه مع الغربيين الذين لا يعرفون جيدا الاسلام وواقع المجتمعات الاسلامية: “في حقيقة الأمر، ورغم البلاغة العنيفة من هذا الطرف أو ذاك، فإن السُّنّة والشيعة يتعايشون معا، في معظم الأحيان، في سلام، وقد سمح شيخ الأزهر محمود شلتوت بتدريس المذهب الشيعي في الأزهر سنة ،1959 ولو كان الانشقاقُ مصْدَرا لحقدٍ أبديّ بالنسبة للسنّة، ما كنّا لِنَجد شيعة في القوات العراقية أثناء الحرب مع إيران، وما كانت حركة حماس لتجد دعماً نشيطاً من قِبَل إيران منذ سنة ،1990 وما كان المؤتمر الاسلامي أن ينعقد في طهران سنة ،1997 وما كان للإخوان المسلمين أن يقتربوا من إيران”. هل يمكن الحديث عن اتحاد، أو وحدة، بالفعل؟
ترى المؤلفة أنه “ليس من الوارد أن نكتب هنا أن الأُمَّة تستعيدُ وحدَتَها، ولكن بالأحْرى إن المسار قد بدأ في عقول المسلمين وليس في ممارسة حُكّامهم. والمفكرون الحداثيون بأنفسهم، وبشكل خاص الشيخ جمال الدين الأفغاني، دعا إلى هدم الحواجز التي تفصل ما بين السنة والشيعة، من أجل جعل الوحدة ممكنة في الحضارة الإسلامية. وقد حقق المتطرفون المسلمون في نهاية القرن العشرين هذه الفكرة في مواجهة عدوّ مشترك.
وبالفعل، فقد اكتشف العلمانيون والدينيون، في بداية الثمانينات من القرن العشرين، المصالح المشتركة للأمّة. و”في العراق، وفي مواجهة قوات الاحتلال، خاض رجال صدّام ومقاتلو أبي العباس الفلسطينيون ورجال تنظيم القاعدة، في السنوات الأولى، نفس المعركة. ثم جاءت ساعة المواجهة ما بين حرب مقاومة وطنية تريد التعجيل برحيل القوات المتحالفة وحركة إرهابية كونية تريد لوحدها طرد الكفار خارج العراق. وهذه المواجهة هي التي لعب على أوتارها، وبمهارة، الجنرال الأمريكي بترايوس، ابتداء من سنة 2007”.
لسنا ندري من أين استقت المؤلفة معلوماتها عن دور مهم لعبته قوات أبي العباس.. خصوصاً ونحن نعرف المصير المأساوي الذي عرفه هذا المسؤول الفلسطيني.
وتواصل المؤلفة اندهاشها، من هذه التحالفات الغريبة، التي تقوّي في نظرها استحالة بزوغ علمانية عربية أو إسلامية. “ما أن قررت إيران إيجاد حزب الله واستخدامه في الضغط على الغرب وعلى “إسرائيل” حتى وُجدت روابط مع سوريا، وهي رسمياً دولة علمانية، مثل العراق. سلاح حزب الله يمرّ دائماً عن طريق المطارات السورية”، وتواصل الكاتبة بحثها الاستخباراتي: “في 15 يناير من سنة ،2004 أعلنت حركة حماس وكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح (“فتح” عرفات) عن مسؤوليتهما المشتركة عن عملية وقعت في معبر إريتز.. وفي مارس/آذار نشر السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله بياناً مشتركاً مع رئيس الدائرة السياسية لحماس، من أجل “تعزيز فعالية العمل ضد الإسرائيليين”.
لا ترى المؤلفة في مختلف الحركات السياسية الإسلامية سوى حركات ذكية بل و”ماكرة تتآمر”، كل واحدة بطريقتها من أجل الوصول إلى السلطة، وبعضها تستخدم الديمقراطية لتنفيذ برامجها. “الإسلامويون والأصوليون الجدد تحركوا في اتجاهين شبه متعاكسين: الأوائل تصدوا للدولة ولم يستطيعوا الاستيلاء عليها بسرعة، الآخَرون تجنبوا الدولة، ولكن من خلال تدجين الديمقراطية تحت شكل منحطّ، حين كانوا مرتبطين، بشكل لا فكاك منه، بالعولمة. ولكن في كلتا الحالتين، لم توجد أي تجربة للحرية. ولهذا السبب فإن التفجيرات، في أرض الإسلام، تقتل الرجال ولا تهدد المدينة”.
أي مستقبل تراه الكاتبة للإسلام، في ظل العولمة؟
“بالفعل فإن الاسلام الجديد يتجذر في عولمة قديمة. إن الإسلام، من بداية ولادته ورغم الانحطاط السريع للخلافة، كان انتصاراً على جمود وتصلب الإدارات البيزنطية والصينية، وعلى الحواجز الاجتماعية التي فرضتها طبقات الهندوسيين وعلى الأحقاد القبلية.. إن الإسلام، ومن خلال كونيته، دينٌ أُعِدَّ من أجل العولمة والعولمة تسمح بأن نحلم بوحدة الإسلام”. وتضيف: “إن الغرب من خلال تخليه عن الدولة الأمّة كمرجعية سياسية، اختار أن يتشكل من جديد على مستوى الفرد والقبيلة والسوق الكوكبية. وأما الإسلام، الضعيف عن مواجهة الدولة، فهو في المقابل قادرٌ، بشكل كامل، على مقابلة تنظيماته الثلاثة مع هذه المستويات الثلاثة: المسلم الجديد، مجموعات التضامن وجماعة المؤمنين”، إن أصالة القرن الواحد والعشرين موجودة هنا: للمرة الأولى يَتَوَاجَه الغربُ والإسلام من أجل الهيمنة على المحلي والكوني على أنقاض الدولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.