كان هذا هو السؤال الأخير الذي سألتة الشهيدة مروة الشربيني وهي تتلقي سيل الطعنات. لمدة ثماني دقائق كاملة. دون أن تتحرك الشرطة الألمانية. المزودة بأحدث التقنيات، والمدربة علي كل فنون مكافحة الإرهاب الإسلامي!! ولما تحركت لم تر سوي زوج (مروة) لتطلق النار عليه!! لماذا يقتلوننا؟؟ هو ذلك السؤال الذي يردده كل من عايش محنة المسلمين في هذا العصر. وقد أصبح عدد قتلاهم يفوق طاقات الإحصاء والحصر: فقتلي العدوان الغربي علي العراق والذي استمر منذ عام 1991 حتي يومنا هذا فوق الحصر، وإن كانت الأممالمتحدة قد رصدت وحدها موت أكثر من مليون طفل عراقي بسبب الحصار. ورصد العالم كله تسبب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م في مقتل مليون ونصف عراقي 33. لماذا يقتلوننا؟؟ هو ذات السؤال الذي يسأله الشعب الأفغاني المسلم. وهو يتلقي قصف الطائرات الأمريكية لكل حفل عرس أو وليمة تجمع الأحبة. فتتحول إلي بركه دماء وساحة حزن.... هو ذات السؤال الذي تطلب القبائل الباكستانية إجابة عنه. وهي تتلقي صواريخ الطائرات الأمريكية، التي لا تميز بين رجل أو امرأة، ولا بين طفل أو شاب. لماذا يقتلوننا؟؟ هو ذات السؤال الذي طرحه أطفال غزة ونساؤها وهم يتعرضون لعملية «الرصاص المسكوب»!! الإسرائيلية، بدعم غربي واضح، وأسلحة غربية حديثة. لماذا يقتلوننا؟؟ هو ذات السؤال الذي ينضح به تأييد الغرب الواضح لكل عمليات القتل والإبادة التي يتعرض لها المسلمون في الشيشان وكشمير والفلبين والصين.. كما ينضح به تدخل الغرب السافر في شئون العديد من بلادنا، وتسببه في الكثير من الاضطرابات التي يسقط فيها القتلي دون ثمن في الصومال والسودان والبلقان وغيرها من بلاد العالم الإسلامي الواقعة تحت نيران الفوضي الخلاَّقة أو المرشحة للدخول تحتها. هكذا أصبحت دماء المسلمين هي أرخص الدماء.. وهكذا تعولمت حرب الغرب علي كل المسلمين في كل مكان.. وهكذا - فقط - يمكن أن نجيب عن سؤال الشهيدة «مروة الشربيني». ونعرف كذلك حقيقة هذا الهجوم الوحشي عليها، ونعرف - أيضا - لماذا ترفض رئيسة الوزراء الألمانية مجرد الاعتذار عن هذه الجريمة البشعة؟ كما يمكن أن نتصور لماذا يتصاعد الاضطهاد ضد المسلمين في الغرب، دون أن نعلقه علي شماعة 11 سبتمبر البالية....؟ إن الحقيقة التي تجيب عن هذه الأسئلة تكمن في تلك التعبئة الغربية المتواصلة ضد كل ما هو إسلامي. والعمل الدءوب علي تشويه صورة المسلمين: أعداء الحضارة وخصوم الحياة!! إضافة إلي عامل آخر ليس هذا موضوعه، إذ هو يتعلق بشعور الغرب بتميزه علي كل الشعوب الملونة، وعدائه لكل الشعوب غير البيضاء. ومن ثم العمل علي استرقاقهم أو استعمارهم أو إبادتهم!! وهو ما يعرفه كل مطلع علي التاريخ. لهذا فإن الحقيقة التي يجب أن نقولها للشهيدة «مروة»: إن العدوان عليك بهذه البشاعة. وقع في لحظة فارقة، تجمع فيها كل ميراث الكراهية للإسلام والحقد علي المسلمين. الذي يجري ضخه في عروق الغربيين منذ قرون: إنه ميراث الكراهية التي أسست للحروب الصليبية علي العالم الإسلامي، والتي قال مفجرها «أوريان الثاني» وهو يدفع جنوده لهذه الحروب «اذهبوا واغسلوا أيديكم بدماء أولئك المسلمين الكفار». إنه ميراث الكراهية التي عبرت عنها ملحمة «رولاند» (عام 1100م) التي يقول فيها الإمبراطور لجنوده محرضا إياهم علي ذبح المسلمين: «انظروا إلي هذا الشعب الملعون، إنه شعب ملحد؛ لا علاقة له بالله، سوف يمحي اسمه من فوق الأرض الزاخرة بالحياة «إنه ميراث الكراهية الذي جعل أوروبا تخرج من بلادها لتحاصر العالم الإسلامي بكشوف جغرافية هي امتداد حقيقي للحروب الصليبية، التي ظل هاجسها جاثما علي أذهان أوروبا طوال القرون، فكان كل بابا أو ملك جديد يؤكد شرعيته بإعلان الدعوة للإعداد لحروب صليبية جديدة. حتي عندما أخرج «فرديناندوا» و«إيزابيلا» المسلمين من إسبانيا كانت أسطورة الحروب الصليبية لا تزال مسيطرة علي الأذهان. إنه ميراث الكراهية الذي عبأه المستشرقون في كل جنبات القارة العجوز. والذي ملأوه تزييفا لأحكام الإسلام. وتزويرا لمفاهيمه الأساسية وتشويها لتاريخ المسلمين، إنه ميراث الكراهية الذي عبر عنه ساسة أوروبا بكل تلقائية؛ حين قال القائد الإنجليزي «جالوب»: إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط إنما يعود إلي القرن السابع الميلادي.. أي منذ ظهور الإسلام. إنه ميراث الكراهية الذي حرض أوروبا علي القيام بحملاتها الاستعمارية علي العالم الإسلامي، لتمزيقه والتهام ثرواته، والعمل علي استمرار تبعيته الثقافية والاقتصادية والسياسية. إنه ميراث الكراهية الذي جعل «نابليون» (الكاثوليكي) عندما غزا مصر، يدعو اليهود في المنطقة لمساعدتة، في مقابل تمكينهم من فلسطين وانتزاعها من المسلمين. إنه ميراث الكراهية الذي جعل «بلفور» (البروتستانتي) يعطي اليهود وعده بتمكينهم من فلسطين، ثم تعمل أوروبا كلها علي توطين اليهود في فلسطين. من خلال الهجرات الاستيطانية المتسارعة. إنه ميراث الكراهية ضد كل البشر الملونين، الذين كانوا يصطادونهم كالحيوانات من أفريقيا ليستخرجوا الفحم والذهب من أمريكا، أو ليتم وضعهم في أقفاص حديدية في ألمانيا فيما يشبه حديقة الحيوانات!! إنه ميراث الكراهية الذي جعل بابا الفاتيكان لم ير أن محمدًا - صلي الله عليه وسلم - لم يقدم للبشرية غير العنف والأمور الشيطانية!! إنه ميراث الكراهية الذي يجري تلقينه للأطفال والتلاميذ في مدارس أوروبا وأمريكا حتي هذه اللحظة. والذي جعل استطلاعات الرأي تؤكد أنها السبب في تعمق قيم العداء للإسلام والمسلمين في الغرب: فالإسلام دين زائف يعوق التفكير ويسبب التخلف!! والمسلمون مخدوعون؛ ويحبون الحرب بطبيعتهم وإن تميزت مناهج التعليم الألماني عن كل مناهج التعليم الغربي، بروح صليبية متأججة تجاه المسلمين؛ إنه ميراث الكراهية التي تبثها وسائل الإعلام الغربية في مادة متكررة تسخر من رسول الإسلام، وتتهكم علي القرآن، وتحتقر الشخصية المسلمة وتصفها بأحط الصفات!! لكن - أختنا مروة: - هل تستطيع كل هذه الكراهية أن تقضي علي المسلمين أو أن تتمكن من خنق الإسلام..؟ كلاَّ وألف كلاَّ.. فدين الله باق مابقيت السماوات والأرض. وأمة الإسلام منتصرة ولو بعد حين، فالقرآن أخبرنا وخبره الصدق. إن دين الله منتصر رغم كراهية أعدائه وأن نور الله سيتم ويظهر رغم تربصهم به (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون) التوبة 32- جريدة الدستور الجمعة- العدد 825- الإصدار الثانى - 25 ذي القعدة 1430 - 13 نوفمبر 2009