جُودة دحمان: أسلاك التربية تدقّ ناقوس الخطر وتحذّر من تصعيد قد يصل إلى مقاطعة الامتحانات    ويتكوف يكشف موعد المرحلة الثانية من اتفاق غزة    تركيا ترسل الصندوق الأسود لطائرة الحداد إلى دولة محايدة    طقس اليوم: ارتفاع في درجات الحرارة    ترامب مهاجما معارضيه في التهنئة: عيد ميلاد سعيد للجميع بما في ذلك حثالة اليسار    رئيس الجمهوريّة يؤكد على ضرورة المرور إلى السرعة القصوى في كافّة المجالات    كوريا الشمالية تندد بدخول غواصة نووية أمريكية إلى كوريا الجنوبية    فوز المرشح المدعوم من ترامب بالانتخابات الرئاسية في هندوراس    تطوير خدمات الطفولة المبكرة محور لقاء وزيرة الأسرة ورئيسة غرفة رياض الأطفال    فاطمة المسدي تنفي توجيه مراسلة لرئيس الجمهورية في شكل وشاية بزميلها أحمد السعيداني    الفنيون يتحدّثون ل «الشروق» عن فوز المنتخب .. بداية واعدة.. الامتياز للمجبري والسّخيري والقادم أصعب    أمل حمام سوسة .. بن عمارة أمام تحدّ كبير    تحت شعار «إهدي تونسي» 50 حرفيّا يؤثّثون أروقة معرض هدايا آخر السنة    قيرواني .. نعم    كأس إفريقيا للأمم – المغرب 2025: المنتخب الإيفواري يفوز على نظيره الموزمبيقي بهدف دون رد    الغاء كافة الرحلات المبرمجة لبقية اليوم بين صفاقس وقرقنة..    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    الإطاحة بشبكة لترويج الأقراص المخدّرة في القصرين..#خبر_عاجل    مناظرة 2019: الستاغ تنشر نتائج أولية وتدعو دفعة جديدة لتكوين الملفات    كأس افريقيا للأمم 2025 : المنتخب الجزائري يفوز على نظيره السوداني    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    من الاستِشْراق إلى الاستِعْراب: الحالة الإيطالية    عاجل : وفاة الفنان والمخرج الفلسطيني محمد بكري    بابا نويل يشدّ في'' المهاجرين غير الشرعيين'' في أمريكا: شنوا الحكاية ؟    تونس 2026: خطوات عملية لتعزيز السيادة الطاقية مع الحفاظ على الأمان الاجتماعي    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    في الدورة الأولى لأيام قرقنة للصناعات التقليدية : الجزيرة تستحضر البحر وتحول الحرف الأصيلة إلى مشاريع تنموية    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    عاجل: بعد فوز البارح تونس تصعد مركزين في تصنيف فيفا    زلزال بقوة 1ر6 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    عدّيت ''كوموند'' و وصلتك فيها غشّة؟: البائع ينجّم يوصل للسجن    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    قفصة: إصدار 3 قرارات هدم لبنانيات آيلة للسقوط بالمدينه العتيقة    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    قائمة سوداء لأدوية "خطيرة" تثير القلق..ما القصة..؟!    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    هام/ المركز الفني للبطاطا و القنارية ينتدب..    عاجل: هذا موعد الليالي البيض في تونس...كل الي يلزمك تعرفه    قابس: أيام قرطاج السينمائية في الجهات ايام 25 و26 و27 ديسمبر الجاري بدارالثقافة غنوش    عركة كبيرة بين فريال يوسف و نادية الجندي ...شنوا الحكاية ؟    درجة الحرارة تهبط...والجسم ينهار: كيفاش تُسعف شخص في الشتاء    هذا هو أحسن وقت للفطور لخفض الكوليسترول    عاجل: تغييرات مرورية على الطريق الجهوية 22 في اتجاه المروج والحمامات..التفاصيل    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    بول بوت: أوغندا افتقدت الروح القتالية أمام تونس في كأس إفريقيا    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    عاجل/ العثور على الصندوق الأسود للطائرة اللّيبيّة المنكوبة..    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    عاجل: اصابة هذا اللّاعب من المنتخب    وزارة التجهيز تنفي خبر انهيار ''قنطرة'' في لاكانيا    عاجل/ قضية وفاة الجيلاني الدبوسي: تطورات جديدة..    كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025: برنامج مباريات اليوم والقنوات الناقلة..#خبر_عاجل    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلفية لبنان.. النشأة والتطور:علي عبدالعال

تمثل الحركة السلفية اللبنانية حالة فريدة بين أخواتها في العالم العربي؛ نظرا لتفرد القطر اللبناني بعدد من الخصائص الجغرافية، إلى جانب ظروفه السياسية وأوضاعه الاجتماعية التي ولدت السلفية متأثرة بها.
بدأت حالة دينية خالصة على يد مؤسسها الأول، وانتهت إلى مدارس واتجاهات وجمعيات تتجاذبها أطراف سياسية ومراكز قوى، وهو تجاذب رأى فيه البعض تفتيتا لوحدتها، في حين أبصر فيه الآخرون دماء تتجدد، ووسائل تتكيف معها السلفية اللبنانية فتبقى عصية على الموت.
الخلفية التاريخية
تأسست الحركة السلفية في لبنان على يد الشيخ سالم الشهال، الذي "بدأ سلفيته على نحو (عصامي) وليس من خلال جامعة أو مؤسسة"، وإنما تعرف على الدعوة السلفية "من خلال مجلة (المنار) التي كان يصدرها محمد رشيد رضا، ثم من خلال كتب قرأها للشيخ ناصر الدين الألباني وابن عثيمين وابن باز"، إلى جانب رحلاته المتعددة إلى المملكة العربية السعودية.
وبعد عودته من زيارة قام بها إلى المدينة المنورة عام 1964 التقى خلالها بعدد من شيوخ وعلماء السعودية، أنشأ الشهال مجموعة في طرابلس أطلق عليها اسم: "شباب محمد"، لم يلبث حتى بايعه أعضاؤها - الشيخ سعيد شعبان أمير حركة التوحيد الإسلامي، والشيخ بدر شندر، والشاعر أكرم خضر، ود.فتحي يكن، ورشيد كرامي رئيس الوزراء الأسبق- بالإمارة، فأطلق عليها "الجماعة مسلمون" وهي مجموعة قامت على تبني نهج السلف في الدعوة إلى الإسلام والالتزام به، متخذة من العمل الخيري وسيلة للدعوة، فأنشأت مؤسسة خيرية تعنى برعاية الأيتام بدعم من "سعوديين وكويتيين".
تميزت هذه المرحلة من ميلاد السلفية اللبنانية بغلبة الجوانب الدعوية والتعليمية والأعمال الخيرية، بعيدة تقريبا عن أي شكل من أشكال الصراع والعمل السياسي، فبرغم من حياته الدعوية الطويلة، والتي امتدت لنحو 50 عاما، فإن السلفية التي حملها الشيخ سالم الشهال (توفي عام 2008) بقيت دعوة سِلمية قائمة على الحوار والموعظة الحسنة، ولم يؤثر عنه خلالها الخوض في أي خلاف أو صراع مع جهة من الجهات اللبنانية.
المرحلة الثانية
أرسل الشيخ سالم الشهال أبناءه الثلاثة: داعي الإسلام، وراضي، وأبو بكر لتعلم العلم الشرعي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، فتخرجوا فيها متأثرين بقوة المنهج السلفي في الجامعات السعودية في تلك الفترة، ومع تقدم الشهال الأب في السن وانصرافه إلى العمل الدعوي آلت زعامة الحركة السلفية إلى نجله "داعي الإسلام" الذي مثل المرحلة الثانية من العمل السلفي، فجمع بين العمل الدعوي والسياسي، وأسس في سبعينيات القرن الماضي "نواة الجيش الإسلامي"، وهو تنظيم مسلح للدفاع عن أهل السنة عقائديا واجتماعيا في وجه بعض المتطاولين ضد المسلمين، سواء كانوا نصارى أو نصيريين من الجيش السوري، أو حتى من الحزب الشيوعي، وذلك في وقت لم يكن "الأحباش" ولا الشيعة يشكلون فيه خطرا حقيقيا.
تم تشكيل الجيش الإسلامي أثناء الحرب الأهلية حين كانت كل الطوائف والقوى اللبنانية تملك ميليشيات، ولم يقتصر دوره على القتال فقط، بل كان جسما عسكريا يتعاطى الشأن الدعوي والتربوي والسياسي.. مارس العمل العسكري في طرابلس إلى أن تم حله بعد حرب عام 1985 من قبل المسئولين عنه بعد انتهاء الحرب الأهلية وظهور ملامح اتفاق أهلي، انتهى بإعلان الطائف.
بدأ دور التيار السلفي يتعاظم في لبنان مع بداية الثمانينيات؛ حيث أخذت رقعة انتشاره تتسع، مستفيدا من انتشار حركة التوحيد الإسلامي التي شكل حضورها العسكري والسياسي -بزعامة أميرها الراحل الشيخ سعيد شعبان- نوعا من الغطاء لتوسع نشاط السلفيين الذين كانوا قريبين من شعبان، خاصة داعي الإسلام الشهال، فقد كانت بينهما علاقات شخصية جيدة، إلا أن كلا منهما بقي يحمل مشروعا مغايرا تماما عن الآخر، بل كانت هناك نزاعات حادة نوعا ما بين الشهال وبين بعض القيادات الثانوية في حركة شعبان.
بعد عام 1985م انتقل داعي الإسلام إلى العاصمة بيروت، وإلى إقليم الخروب، ثم إلى صيدا، لكن ليس باسم "نواة الجيش الإسلامي" وإنما باسم "الجماعة والدعوة السلفية".. ولما أخذت الأوضاع في لبنان تتجه نحو الهدوء، بعد اتفاق الطائف، انصرف الشهال الابن لتأسيس العمل الدعوي عبر المدارس الدينية، والتسجيلات الإسلامية، وكفالة الأيتام، وبناء المساجد، وتأسيس إذاعة القران الكريم، وغيرها من النشاطات، فأنشأ "جمعية الهداية والإحسان" التي شكلت الإطار الرسمي للحركة السلفية في عام 1988، وكان عملها يشمل الجوانب الدعوية والتربوية من جهة، والعمل الاجتماعي من جهة أخرى، بهدف سد حاجات أهل السنة والجماعة في هذين المجالين، وهنا بدأ الصراع الفعلي مع الأحباش حربا باردة بين الطرفين كانت للأفكار مساحة كبيرة فيها.
انتشرت خدمات الجمعية من أقصى شمال لبنان إلى أقصى جنوبه، إلى أن ضاقت بها الحكومة ذرعا فأصدرت قرار حلها عام 1996؛ بسبب ما ادعته "إثارة النعرات الطائفية في بعض الكتب التي تعتمدها الجمعية في معاهدها الشرعية"، وكانت حجتها في ذلك أن أحد الكتب المقررة للتدريس في المعهد ضم فقرة عن فرقة (النصيرية) باعتبارها فرق ضالة خارجة عن الدين بسبب معتقداتها المسيئة للإسلام، وهو قرار سياسي بالدرجة الأولى يتعلق بنفوذ النظام السوري في لبنان.
الرقعة الجغرافية
كانت مدينة طرابلس في الشمال أول من استحضر الفكر السلفي إلى لبنان، ومنها انطلق إلى باقي مناطق هذا القطر، فهي بحق معقل السلفية الأول في البلاد، ويوجد بها ما يقارب عشرين جمعية سلفية، كما تعتبر منطقة البقاع الغربي مركز الثقل الثاني، وتعد بلدتا "القرعون" و"مجدل عنجر" مركز الحركات هناك، بالإضافة إلى بعض القرى مثل "غزة"، و"كامد اللوز"، و"جب جنين"، ومع أواخر الثمانينيات ظهرت السلفية في صيدا من خلال عدد من الأفراد ما لبثوا أن توسعوا مع بداية التسعينيات عبر أعمال خيرية ودعوية.
الملامح والتوجهات
لم يشارك السلفيون في الحياة السياسية اللبنانية؛ إذ كان اهتمامهم منصبا على الدعوة والتعليم والعمل الخيري؛ فأقاموا المدارس، وبنوا المساجد، وأنشئوا الجمعيات.
ونظرا لعلمانية الدولة أحجم السلفيون عن الدخول في مؤسساتها الرسمية، إلا أن الطيف الأكبر من السلفيين لا يعتقد الدخول في أي مواجهة مسلحة مع الدولة المركزية؛ لأن ذلك يؤدي إلى الإضرار بالمجتمع من غير فائدة، لكنهم لا يرون الولاء لهذه الأنظمة، يقول داعي الإسلام الشهال: "لسنا من الذين يرون التعنيف المستمر على الشباب وعلى الجماعات التي تواجه الحكام، لكن بنفس الوقت قد يسيئون وقد يخطئون، وقد يتسببون بأضرار بليغة على الأمة من غير فائدة".
وفي مقابلة مع صفوان الزعبي، ذهب رئيس جمعية وقف التراث الإسلامي إلى القول: إنه من دواعي استقرار الأمن في لبنان احترام رئيس الجمهورية الماروني وجميع أركان الدولة، مشيرا إلى أنهم يسعون إلى درء المفاسد وتقليلها، وجلب المصالح وتكثيرها عبر المشاركة في هذه الجمهورية التي يترأسها ماروني، كما أنهم يتعايشون مع هذا الواقع بناء على الأحكام الشرعية التي تنظم العلاقة بين المسلم والمخالف له ضمن الدائرة الإسلامية وخارجها، وأيضا الأحكام الشرعية التي تنظم العلاقة بين المسلم والحاكم الكافر.
وخروجا عن المألوف من مواقفهم السابقة تجاه الاستحقاقات الانتخابية، سجل السلفيون مشاركتهم في الانتخابات الأخيرة 2009 تصويتا وترشيحا بعد فتوى أصدرتها بهذا الشأن جمعية "وقف التراث الإسلامي" التي يرأسها الزعبي الذي فسر الموقف الجديد بالقول: لم يكن لنا مشاركة قوية في العملية الانتخابية، لكن عندما قررنا إثبات وجودنا على الساحة السياسية استفتينا كبار المشايخ في "الدعوة السلفية" فأصدروا هذه الفتوى، وأقدمنا، معتبرا أنهم يهدفون بذلك إلى حماية المصالح الدعوية وليس طلب المناصب.
عقائديا:
يأتي الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة على رأس أولويات الحركة السلفية في لبنان، خاصة في وجه العداء المستحكم الذي تمثله جمعية (الأحباش) التي لا تكف في أدبياتها عن الهجوم على السلفية ومنهجها وأطروحاتها، أما بالنسبة للأحزاب الشيعية، فيرى السلفيون أن الخلاف العقائدي معهم يتركز حول أصول الدين، إلا أنهم يتحفظون قدر الإمكان تجاه الانجرار نحو الفتن الطائفية والمذهبية، لكن الطرف الجهادي من السلفيين بشكل خاص يرفض وجود أية قواسم مشتركة مع الشيعة وعلى رأسها حزب الله
المدارس السلفية
ازدادت حركة المنتمين إلى التيار السلفي، لكن هذا الانتشار كان سببا فيما بعد في تعدد مرجعياته ومدارسه، ولعل أبرز السمات التي يمكن رصدها في السلفية اللبنانية هي نزوع مشايخها إلى الاستقلال بمدارس وجماعات وهيئات؛ فالسلفيون هناك ليسوا طيفا واحدا، بل أغلبهم يتراوح بين الخيري والدعوي، فضلا عن التيار الجهادي؛ وذلك نظرا لاختلاف المدارس التي تلقوا عنها ووسائلهم في الدعوة والعمل؛ إذ لا يجمعهم إطار تنظيمي واحد ولا منهج واحد يأخذون عنه، وهذه ربما هي المشكلة الرئيسة التي تواجه الحركات السلفية هناك.. وقد تجاذبت السلفيةَ هناك مدرستان هامتان في العالم العربي، هما:
المدرسة السعودية:
وهي التي استقى منها آل الشهال دعوتهم، يقول داعي الإسلام الشهال: "نتفق نحن وإياهم في الأسس العلمية والنظرية، ثم قد نختلف مع بعضهم في بعض المنهج التطبيقي لهذا المنهج السلفي".
والمدرسة الكويتية:
وهي التي يمثلها (آل الزعبي) بقيادة الشيخ صفوان الزعبي أحد أبرز شخصيات "تجمع المعاهد والمؤسسات السلفية"، ورئيس مجلس أمناء جمعية "وقف التراث الإسلامي"، التي تعد امتدادا لجمعية "إحياء التراث السلفية" الكويتية، الجمعية الممولة والداعمة للزعبي، والتي يحسب بسببها على السفارة الكويتية في لبنان، يقول الزعبي: "لنا الفخر والاعتزاز بأن نكون محسوبين على الكويت إذا كان الأمر صحيحا، وهذه ليست تهمة، ولكن الكويت شعبا وحكومة وجمعيات خيرية لا تتدخل في الشئون اللبنانية".
منذ نشأة الحركة السلفية في طرابلس وهي تحت قيادة أسرة الشهال الذين يمثلون الطرف التاريخي للسلفية في لبنان، لكن حصل مؤخرا ظهور جيل سلفي جديد تزعمه الشاب صفوان الزعبي (35 عاما) ممثل جمعية "إحياء التراث"، وهي جمعية كويتية، بذل من خلالها صفوان جهودا كبيرة لحمل السلفيين على العمل الاجتماعي في لبنان، حتى أصبح قطبا كبيرا -بالرغم من صغر سنه- بين أقطاب السلفية هناك، وأصبح بما يحظى به من احترام وقبول يمثل مدرسة مستقلة، وقد ظهر دور صفوان الزعبي قويا خاصة في ظل الخلاف الشخصي بين الشيخ داعي الإسلام الشهال وزوج شقيقته وابن عمه حسن الشهال، خاصة عندما وقّع الأخير منفردا على اتفاقية حوار مع حزب الله.
التنظيمات الجهادية

يجمع المتابعون على أن "السلفية الجهادية" حركة ضعيفة في لبنان؛ إذ لا وجود لتيارات جهادية كبرى فيها، وإن كان ثمة أفراد ومجموعات صغيرة -أغلبها فلسطيني ظهر في المخيمات- تحمل الفكر الجهادي.
"مجموعة أبو عائشة":
وهي أول مجموعة جهادية في تاريخ لبنان تقريبا، لجأ عناصرها إلى جبال (الضنية) في الشمال للتدرب على السلاح، وكان يقودهم بسام كنج الملقب ب"أبو عائشة" وهو من اللبنانيين القلائل الذين شاركوا في "الجهاد الأفغاني"، إلى جانب زميل له في المجموعة، خاضوا مواجهات عنيفة مع الجيش اللبناني عام 2000 قتل بعدها كنج واعتقل زميله.
ثم ظهرت بعد ذلك مجموعات جهادية صغيرة، وجدت في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بيئة مواتية، مستفيدة من عوامل عديدة، سياسية وأمنية واجتماعية، كتنظيم: "جند الشام"، و"فتح الإسلام"، و"عصبة الأنصار".
"عصبة الأنصار":
منظمة فلسطينية مسلحة، أسسها هشام شريدة، الذي قضى نحبه في الصراعات مع حركة فتح، ويتمركز وجودها في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان، ويقال إنها ليست حركة سلفية في أصولها بالمطلق، لكنها تأثرت بمجموعة من الأفكار السلفية.. ارتبط اسمها بعملية اغتيال نزار الحلبي رئيس جمعية الأحباش، وأسهمت في وضع حدّ للاشتباكات التي اندلعت بين الجيش اللبناني و"جند الشام" على خلفية أحداث نهر البارد، ويتلخص هدفها الرئيس في "استعادة الخلافة الإسلامية", وأرض الجهاد عندهم هي الأرض التي تحتل من العدو، "ولبنان يجب أن يكون منطلقا للجهاد في سبيل الله، إن كان باتجاه قتال اليهود، أو باتجاه تقديم الدعم".
"جند الشام":
مجموعة مسلحة صغيرة ظهرت إلى الوجود عام 2004، تمارس العمل المسلح بهدف تغيير كل الأنظمة القائمة، ويجهر أعضاؤها بالعداء للنظام السوري، ويتهمون بقية الفصائل الفلسطينية، خصوصا "حماس" بأنها أداة بيد السوريين، وقد خاضوا عددا من المعارك في المخيمات أمام حركة "فتح".

"فتح الإسلام":
تنظيم مسلح كان يتألف من مجموعة من المقاتلين الذين انتقلوا من سوريا إلى المخيمات الفلسطينية يتزعمهم شاكر العبسي (أردني من أصل فلسطيني)، دخل التنظيم -الذي ضم أشخاصا من جنسيات مختلفة منهم سوريون ولبنانيون وفلسطينيون وسعوديون- في مواجهة دموية مع الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد قتل خلالها أغلب عناصره.. تمثلت أبرز أهداف فتح الإسلام في قتل اليهود ومن يساندهم من "الغربيين المتصهينين"، وغاية عناصره الشهادة في سبيل الله.

أبرز الوجوه والقيادات
داعي الإسلام الشهال:
رئيس جمعية "الهداية والإحسان"، وهو أبرز وجوه السلفية في لبنان، ولديه العديد من المدارس الدينية التي يشرف عليها.. تخرج من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1984م، وطلب العلم عند علماء السعودية كالشيخ أبي بكر الجزائري، والشيخ عبد الله الغنيمان، وتأثر بالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين بعد أن التقاهما غير مرة.

أُخرج قسرا من طرابلس عام 1986م، لكنه عاد إليها بعد خمس سنوات ليؤسس عدة معاهد شرعية على امتداد رقعة الوجود السني، كما أسس إذاعة القرآن الكريم، وشرع في بناء المساجد، واستمر في العمل حتى عام 1996م حين حل مجلس الوزراء الجمعية، وسحب منها الترخيص بناء على طلب من وزير الداخلية ميشال المر.
توالت الأحداث، وتفاقمت الأزمة بين الحكومة اللبنانية التي كانت تحت الوصاية السورية وبين الشيخ داعي؛ إذ اتهم بالتحريض على الفتنة المذهبية، وحُكم عليه بالإعدام، وتم مصادرة أموال الجمعية، وبقي الشيخ داعي الإسلام في تلك الفترة ملاحقا أمنيا من دون أن تطبق بحقه الإجراءات بسبب التوازنات اللبنانية - الطائفية، وقد سجل له حضور بارز في أحداث الضنية (1999 - 2000)، وأخذ دوره كمفاوض مع جماعة (فتح الإسلام) إبان أحداث نهر البارد الأخيرة.
عاد إلى العمل من جديد بعد أن أُسقطت عنه التهم التي أُلحقت به، وأُعيد لجمعية "الهداية والإحسان" الاعتبار من قبل مجلس شورى الدولة ليستأنف العمل على تحصين "أهل السنة والجماعة في لبنان" من خلال الإذاعة، وفتح المعاهد، وأسس مع بعض الشخصيات "اللقاء الإسلامي المستقل" على الرغم من ما سجله من تحفظات عليه.
د.حسن الشهال:
رئيس "جمعية دعوة العدل والإحسان".. ابن عم داعي الإسلام الشهال وزوج شقيقته.. تربطه علاقات بجمعيات وهيئات كويتية يتردد أنها تدعمه ماليا.. سجلت له محاولة لتأسيس إطار لقيادة الحركة السلفية في العام 2004؛ حيث شكل ما سمي ب"المكتب السياسي الإسلامي" الذي ضم مجموعات ورموزا سلفية، وتولى رئاسته، وكان الهدف من هذا التأسيس هو "متابعة الأحوال السياسية التي تمر بها لبنان"، وكانت -تقريبا- المرة الأولى التي يعبر فيها السلفيون عن اهتمامهم بالشأن السياسي.
صفوان الزعبي:
رئيس مجلس أمناء وقف التراث الإسلامي، وصاحب مبادرة الحوار مع حزب الله إلى جانب حسن الشهال.. يعد دوره في الحركة السلفية اللبنانية اجتماعيا أكثر منه سياسيا؛ حيث يدير عددا من المعاهد والمستوصفات، لكن ليس له ولجماعته على الساحة السياسية أو العسكرية وجود.
والزعبي معارض لبعض القوى السلفية على رأسهم مجموعة الشيخ داعي الإسلام الشهال، في حين تربطه علاقات وثيقة بابن عمه حسن الشهال، وهو أيضا معارض شديد لتيار المستقبل بزعامة آل الحرير؛ باعتبارهم الجهة التي تقود الطائفة السنية سياسيا؛ حيث يرفض أن تكون المرجعية السياسية لسنة لبنان بالمطلق لتيار المستقبل.. يتلقى دعمه المالي في معظمه من الهبات الكويتية، وتنتشر مشاريعه الخيرية في عدد من بلدات الشمال.
دائما ما يؤكد الزعبي خلال تصريحاته على تميزه بالوسطية والاعتدال، والرغبة في "إرساء الأمن في المجتمع" اللبناني، يقول الزعبي في تصريح له: "الناس تظن أن السلفيين قادمون من العصر الحجري، وهم وحوش كاسرة تخيف الصديق قبل العدو، فأردنا أن نقول لهم إننا مجموعة بشرية تحاور وتقبل الفكر، وتعترف بالآخر، وأثبتنا أننا الأكثر اعتدالا من كثير من الأطراف السياسية التي توصم بالاعتدال؛ فنحن الاعتدال الحقيقي".
ويضيف: "طموحنا في بناء دولة عادلة تطبق شرع الله، وترعى شئون كل الناس، وسبيلنا لتحقيق ذلك التربية والتعليم، وبناء مجتمع راشد، فإن تعذر ذلك فسنكون شركاء في دولة تحقق بعض طموحنا، ونسعى فيها لجلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.