يبدو أن الإحساس الدائم بالاضمحلال والتلاشي الذي اعترى جبهات وأحزاب اليسار منذ أوسلو وحتى يومنا هذا، إضافةً إلى الضربات الموجعة التي تلقتها تلك الجبهات بعد انحياز الشعب الفلسطيني إلى خندق المقاومة الإسلامية في انتخابات التشريعي 2006م وحصول اليسار وحلفاءه على نسبة ضئيلة جداً، زِد على ذلك إخفاق الجبهة تحديداً في القيام بدور العاشقة لحبيبين في آن ٍمعاً، الأول عشيق القلب وهو عصابة عباس المتصهينة أحبته من أجل المال الأمريكي وهو ميلها وهواها و العشيق الثاني وعشقه مزيف وهو الشعب والمقاومة والذي مالت إليه من أجل ألاّ يُقال أنها خانت القضية الفلسطينية وتخلَّت عن البندقية، لكنها في النهاية لا تلبث أن تأوي لمخدع عشيقها الأول في قصر المقاطعة. إنَّ ما يدعونا لهذا القول هو مجموعة من التساؤلات المشروعة والواقعية التي لم نجد لها تفسيراً ولم تقدِّم لها الجبهة أي جواب منطقي ومعقول عليها سوى تخرُّصات يصل المتسائل في نهايتها إلى نتيجة مفادها (( أن عقل المتسائل ومدركاته الذهنية قد لا ترقى إلى مستوى يتمكن من خلاله فهم واستيعاب التكتيك الجبهاوي ذي المستوى الراقي ))، ولماذا تمتلك الجبهة الشعبية تلك الحساسية الفائقة تجاه المقاومة الإسلامية الفلسطينية في حين تتلاشى تلك الحساسية بل وتتحولإلى بلادة وعمى تجاه الرزايا والموبقات بحق الوطن والشعب والتي يرتكبها طاغية رام الله وعصابته. ففي حين يلتزم الجبهاويون الصمت حيال التعاون الأمني مع العدو الإسرائيلي الذي تمارسه السلطة، فإن ألسنتهم تنطلق نقداً وحقداً بمجرد أن يعثروا على هنَّة هنا أو سهوة هناك تأتي في سياق العمل المقاوم، مستغلين الحيز الضخم من الحريات الذي تتيحه الحكومة الشرعية، دون أن ينتابهم شعور بأنهم ممنوعون من ممارسة أي نشاط سياسي أو مظاهر مسلحة في المناطق الخاضعة لنفوذ الجنرال دايتون، بل إنهم قد تناسوا أن سلطة عرفات الفتحاوية هي التي سلّمت الأمين العام للجبهة احمد سعدات للقوات الإسرائيلية في الوقت الذي تضعه حركة حماس على رأس قائمة تبادل الأسرى في صفقة شاليط. وفي ظل الأزمة المالية التي تعاني منها الجبهة الشعبية وبقية جبهات اليسار، والتي ترافقت مع محاولات العدو الإسرائيلي وربيبته عصابة عباس وفياض لإسقاط المقاومة الإسلامية في قطاع غزة، فإن تلك المحاولات المتكررة رغم فشلها على يد الجيش الإسرائيلي الذي انكسرت هيبته في حرب الفرقان تارة و بمشاركة جواسيس فتح بقيادة دحلان بدعم إسرائيلي – مصري مرة و عبر إثارة الفوضى والتفجيرات مرة أخرى ، وهذا ما يدعونا إلى وصف هؤلاء اليساريين بالدحلانيين الجدد، لأن لهم ذات الأهداف والتوجهات للانقضاض على المقاومة الإسلامية في قطاع غزة. وهكذا يبدو أن الإفلاس المزدوج السياسي والمالي الذي تعانيه جبهات اليسار قد دفعها إلى تقديم مجموعة من عروض الخدمات إلى مكتب الجنرال الأمريكي دايتون اليميني المتصهين بعضها مجاني وأغلبها مدفوع الأجر وخلاصة هذه العروض هو إثارة الفتن والاضطرابات في قطاع غزة مقابل تكفُّل دايتون بدفع مصاريف ورواتب قيادات جبهات اليسار الماركسي، خاصة وأن تلك القيادات اليسارية لن تخسر شيئاً لأن عواقب هذه المغامرات سترتد على البسطاء المتحمسين من أتباع وعناصر تلك الجبهات اليسارية، مع أن الشعب الفلسطيني يتأسف لهذا الحال لأن المأمول أن ينخرط هؤلاء جميعاً في برنامج المقاومة لا أن يقوموا بمحاربتها والتشويش عليها، مستغلين الهامش الكبير من الحرية الذي منحتهم إياه حركة حماس. من خلال استعراض تاريخ اليساريين العرب عامة واليسار الفلسطيني على الخصوص فإننا نتعرف على حقائق مذهلة في وقوفهم بمواجهة حركات المقاومة والجهاد التحررية، ففي الحرب العالمية الثانية التي تقاطعت أحداثها زمنياً مع مسيرة الجهاد الجزائري، فإن الحزب الشيوعي الجزائري عبّر عن أعمال الفدائيين بأنها اعتداءات أي أعمال إجرامية يستحق صاحبها العقاب، ثم تمادوا في البراءة من الثورة حتى جاء التنديد بهم في بيان مؤتمر الصومام، ولا يزالون يعلمون ضد جبهة التحرير أثناء الحرب، وضد ثوابت الأمة بعدها إلى يوم الناس هذا في مجال الصحافة والثقافة والتربية والتعليم. وكذا المصاليون وصفوها بالاعتداءات وأصروا على عدم حمل السلاح ضد فرنسا ثم حملوه ضد إخوانهم المجاهدين،وأما المركزيون فقد وصفوا تلك الأعمال الجهادية بالاعتداءات الإرهابية تزلُّفاً إلى فرنسا؛ فَجَزَتهْم جزاء سنمار وحلت حزبهم في اليوم نفسه الذي تكلموا فيه بهذا الكلام 5نوفمبر 1954. مثال آخر على وضاعة اليسار العراقي نجد الشيوعيين العراقيين وقد أسسوا في حوالي سنة 1934م ما أطلقوا عليه أسم "لجنة مكافحة الإستعمار" لكنهم بعد ذلك يتضامنون مع البريطانيين في الحرب العالمية الثانية بسبب تحالف بريطانيا مع الإتحاد السوفيتي ضد ألمانيا النازية، وتناسوا الإستعمار الذي أسسوا لجنتهم من أجل مكافحته ونذكر فيما يلي نموذجاً لهذا التوجه من التقرير الذي قدمه فهد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي في إجتماع 17 آيار 1943م للجنة المركزية للحزب المذكور ، حيث ورد فيه : (إننا إذا أردنا استعراض موقفنا من الجبهة الديمقراطية يقصد الحلفاء في الحرب العالمية الثانية فيجب أن نبحث في موقفنا من الأنكليز قبل كل شيء ، فنقول أنه لما كانت هذه الحرب وحدة لا تتجزأ ، ولما كان الضرر الذي يصيب أي جزء من أجزاء الجبهة الديمقراطية العالمية الموحدة يضر حتما بالإتحاد السوفياتي فنحن نَعدُّ الجيش البريطاني الذي يحارب النازية جيشاً تحريرياً وبعبارة أخرى إن تأييدنا للجبهة الديمقراطية الموحدة معناه إننا مع الأنكليز وكفاحنا مع الأنكليز ننفذ خطتنا ونخدم القضية التي نناضل في سبيلها ، يجب ان نعمل كل ما من شانه أن يساعد الجيش البريطاني في العراق ونسهل شؤون نقل العتاد في السكك الحديدية ونقف بالمرصاد للمتآمرين الذين يحاولون القيام بأعمال التخريب). على اليسار الفلسطيني أن يحسم أمره ويحدد موقفه دون تذبذب، فلا يجوز مطلقاً أن تنام الجبهات اليسارية على سرير دايتون وعباس ليلاً ثم تتغنى بالمقاومة نهاراً، تتقمص شخصية دحلان في الخفاء ثم تبرز للشعب بلباس المقاومة على واجهة علبة سجائر معفاة من الضرائب في العلن، لأن الشعب الفلسطيني أكثر وعياً وأرقى إدراكاً مما يتصور اليسار بألاعيبه التي أصبحت ممجوجة ومقرفة، ولابد للمقاومة الإسلامية أن تكون أشدَّ صلابة في التعامل مع الدحلانيين الجدد ومغامرات ذلك اليسار البائس.