الفقي: الهجرة غير النظامية تتقاطع مع الإرهاب وتهريب المُخدّرات وتجارة الأسلحة وتبييض الأموال    وزير الخارجية يلتقي السفير الامريكي ويبحث معه العلاقات الثنائية وبرامج التعاون    الافريقي يعزّي حمدي المؤدّب    نواب الشعب يدعون الى استغلال الأراضي الفلاحية الدولية المهدورة لتجاوز أزمة الحبوب    ارتفاع نسبة السيّاح البريطانيين الوافدين على المنطقة السياحية سوسة القنطاوي    إصابة زوجة بشار الأسد بسرطان الدم    التوقعات الجوية لهذه الليلة    حجز 100 صفيحة 'زطلة' في منزل بحي التضامن    بنزرت: وفاة طفل غرقا بحفرة بحظيرة بناء الجسر الجديد    يُخفي بضاعة مهربة داخل أكياس نفايات !!    20 مسماراً وأسلاك معدنية في بطن مريض    سيدي بوزيد: برمجة ثرية في الدورة 21 لملتقى عامر بوترعة للشعر العربي الحديث    في مهرجان "كان": كيت بلانشيت تتضامن مع فلسطين بطريقة فريدة    سعاد الشهيبي تستعد لإصدار "امرأة الألوان"    اضطراب توزيع مياه الشرب بهذه المناطق    البريد التونسي ونظيره الموريتاني يُوقّعان اتفاقية تعاون    رئيس منظمة ارشاد المستهلك يدعو إلى التدخل السريع في تسعير اللحوم الحمراء    الاحتفاظ بتونسي وأجنبي يصنعان المشروبات الكحولية ويروّجانها    متعاملون: تونس تطرح مناقصة لشراء 100 ألف طن من قمح الطحين اللين    بطولة العالم لالعاب القوى لذوي الاعاقة : وليد كتيلة يهدي تونس ميدالية ذهبية ثالثة    الرابطة المحترفة الأولى (مرحلة تفادي النزول): حكام الجولة الحادية عشرة    البطولة الانقليزية: نجوم مانشستر سيتي يسيطرون على التشكيلة المثالية لموسم 2023-2024    ارتفاع أسعار الأضاحي بهذه الولاية..    عاجل/ آخر المستجدات في ايران بعد وفاة "رئيسي": انتخاب رئيس مجلس خبراء القيادة..    عاجل : قتلى وجرحى في غرق ''ميكروباص'' بنهر النيل    إحداث خزان وتأهيل أخرين واقتناء 60 قاطرة لنقل الحبوب    وزير الفلاحة : أهمية تعزيز التعاون وتبادل الخبرات حول تداعيات تغيّر المناخ    السّواسي ..تركيز برنامج المدارس الرقميّة بالمدرسة الابتدائية الكساسبة    مدير بالرصد الجوي: الحرارة قد تتجاوز المعدلات العادية وإمكانية نزول أمطار غزيرة خلال الصيف    كوبا أمريكا: ميسي يقود قائمة المدعوين لمنتخب الأرجنتين    وفاة نجم منتخب ألمانيا السابق    موعد تحول وفد الترجي الرياضي الى القاهرة    في الملتقى الجهوي للمدراس الابتدائية لفنون السينما ..فيلم «دون مقابل» يتوج بالمرتية الأولى    معين الشعباني يكشف عن حقيقة إقالته من تدريب نادي نهضة بركان المغربي    إختفاء مرض ألزهايمر من دماغ المريض بدون دواء ماالقصة ؟    اصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب شاحنة خفيفة بمنطقة العوامرية ببرقو    نقابة الصحفيين تحذر من المخاطر التي تهدد العمل الصحفي..    بدأ مراسم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه في تبريز    صلاح يُلمح إلى البقاء في ليفربول الموسم المقبل    ما الجديد في القروض المسندة من قبل صندوق الضمان الاجتماعي ؟    عاجل/ تركيا تكشف معطيات خطيرة تتعلق بمروحية "الرئيس الإيراني"..    عمرو دياب يضرب مهندس صوت في حفل زفاف.. سلوك غاضب يثير الجدل    الدورة 24 للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون تحت شعار "نصرة فلسطين" و289 عملا في المسابقة    وزير الأعمال الإيطالي يزور ليبيا لبحث التعاون في مجالات الصناعة والمواد الخام والطاقة المتجددة    البرلمان يعقد جلستين عامتين اليوم وغدا للنظر في عدد من مشاريع القوانين الاقتصادية    قبلي: تخصيص 7 فرق بيطريّة لإتمام الحملة الجهوية لتلقيح قطعان الماشية    49 هزة أرضية تثير ذعر السكان بجنوب إيطاليا    وزير الدفاع الأميركي: لا دور لواشنطن بحادثة تحطم طائرة رئيسي    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    الشاعر مبروك السياري يتحصل على الجائزة الثانية في مسابقة أدبية بالسعودية    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من وحي زيارتي لتونس : الحبيب أبو وليد المكني

المقدمة : ترددت كثيرا قبل كتابة هذا المقال و لازلت مترددا في أن أطلق لقلمي العنان حتى يخط كل ما يجول بخاطري من أفكار لأن كثيرا من القراء الأعزاء من السهل أن يقعوا في سوء الفهم لأنهم تعودوا على الخطاب الراديكالي الذي يصعب عليه النظر في جميع الألوان فهي عنده إما أسود أو أبيض . و هم موزعون في مسالة العودة بين فريقين :
الأول هائم بالعودة إلى تونس يظن أنه هدف إذا تحقق يكون منعرجا كبيرا في حياته وهو بذلك مستعد للدفاع عن رأيه في ذلك و لو أدى الأمر به إلى مهاجمة إخوانه الذين يخالفونه في الرأي و لازالوا يقدرون أن الظروف لم تنضج بعد لعودة كريمة ليس من السهل تحديد معالمها ...
الثاني : عدو للعودة إلى البلد في هذه الظروف التي تحدد السلطة الطريقة التي تتم بها و الإجراءات التي سيخضع لها العائد بقطع النظر عن شخصيته المدنية أو الاعتبارية و قد يعتبر أن المقدم على مثل هذه الخطوة هو منفصل عن تاريخه خائن لمبادئه بدرجة من الدرجات ... مما أدى إلى أن يصرح بعضهم بأنه سيخاصم كل عائد فلا يجالسه و لا يكلمه و لا يصلي معه ؟؟ ...
و بين هؤلاء و أولائك من لا يبدي رأيا واضحا لكنه أقرب للقبول بالعودة بالكيفية التي تتم بها الآن لكنه ينتظر أن تتوفر له الشروط الخاصة التي ستسمح له باتخاذ القرار المناسب ...
و صاحب هذا المقال لا ينتصر لأحد الفريقين و إنما يعتبر أن ما أقدم عليه شأن شخصي له حرية اتخاذ القرار فيه مثلما كان خروجه من البلاد قبل ذلك قرارا شخصيا و كل ما قيل و ما كتب في هذا الصدد هي أراء شخصية يقدرها حق قدرها و لكن لا يعطيها الحق في أن تحدد له متى يزور والدته العجوز إذا توفرت له الإمكانية لذلك و في الظروف التي يقبلها هو لنفسه ...
1 تونس كما رأيتها
إذا زار الإنسان بلده بعد انقطاع استمر قرابة العشرين سنة فمن الطبيعي أن ينتبه إلى التغيرات الكبيرة و الصغيرة التي حدثت في فترة غيابه الطويلة تلك. فيعايشها بحساسية خاصة تتراوح بين الإعجاب و التقدير وقد تصل حد الانبهار لأن الأمر يتعلق بأحلام طفولته التي يراها قد تحققت على الأرض و لكل منا أحلامه التي كان يرجو تحقيقها في مسقط رأسه و مراتع صباه ..التغيرات تلك أو الإنجازات كما يراها الآخرون قد لا تثير اهتمام من هو متعود على رؤيتها و عايش أطوار البناء و وصلته أخبار نقائصها و عيوبها،ثم أن الفترة الطويلة التي غاب فيها هي بلا شك كافية لتتراكم تلك التطورات و الإنجازات بالحجم التي يجعلها تتحدى الأفكار السلبية التي يكون قد أتى بها من غربته وبالتالي فليس غريبا أن يتحول بعض الذين درجوا على التشكيك المستمر في مثل تلك الإنجازات إلى مداحين جدد صاروا لا يرون أن في الإمكان أحسن مما كان .ثم أن أجواء فرحة الأهل و الأحباب بقدومه ستجعله مهيئا ليرى كل شيء جميل من حوله بالتالي فمن المحتمل أن تكون أحكامه انطباعية و غير موضوعية ، لكنها تبقى مهمة لأنها تمثل أول اتصال للمغترب بوطنه و بالتالي أول احتكاك بالواقع الذي طالما اعتقد أنه مدرك لكل أبعاده و أعطى لنفسه الحق أن يوجه له انتقاده من موقعه المعارض للسلطة في بلده . إلا أن الواقع أقدر على الإقناع من كل المقالات و التصورات التي قد تكون المصادر التي اعتمدها في تشكيل تصوره الخاص و بنى على أساسه موقفه السياسي الذي يدافع عنه ...
و بالنسبة لصاحب المقال ، فإنه يقر بأنه كان يظن أنه لن يفاجأ بتغييرات قد تحمله على تغيير موقفه السياسي في كثير من المسائل لكنه اصطدم في حالات غير قليلة بما يحمله على الإقرار بخطأ تقديره لأن الواقع الذي عايشه بعيون متبصرة لا يترك له أي مجال للمكابرة و الإصرار على مواقفه القديمة التي هي أقرب للمزايدات السياسية منها إلى المواقف السياسية المتينة التي يمكن أن تساعد على صياغة البرامج السياسية القادرة على إقناع المخالفين و المساهمة في صناعة الرأي العام الذي يعول عليه في أي عملية تغيير مرتقب ...
و لأنه يدرك أن القراء الذين يتوجه إليهم بهذا المقال لا يهمهم كثيرا الاسترسال في هذه المساءل النظرية التي قد تتوفر فرص أخرى للخوص فيها فإنه يلخص مقاله في أربعة أمور هي زبدة ما خلص إليه من استنتاجات ليست كلها جديدة بالنسبة لمن يعرفه عن قرب و لكنها زادت رسوخا بناءا على ما شاهده في البلاد ، مما حمله من جديد على الترويج لها و الدعوة لتبنيها لأن ذلك في نظره الطريق السالك ليستعيد رواد الحركة الإسلامية التونسية بالتدريج الدور المؤثر الذي هم أهل للقيام به في بلادهم ..
2 أربعة قضايا أنجزت بالقدر الكافي
هذه القضايا الأربعة شكلت في أواخر السبعينات من القرن الماضي الأهداف المرحلية التي من أجل تحقيقها نشأت الحركة الإسلامية التونسية و عندما نقول أنها قد تحققت بالقدر الكافي لا يعني ذلك بأي وجه من الوجوه أن يتوقف العمل في حقولها بالرعاية و العناية و الإصلاح و إنما يعني ذلك أن تتوقف عن كونها تشكل أهدافا يستمد أي طرف سياسي مشروعيته من العمل لأجل تحقيقها فذلك أقرب للمزايدة التي تضيع وقت أصحابها و وقت الوطن، منه إلى الأهداف السياسية التي يحق أن تبذل من أجلها الأوقات و الأنفس . أما كيف تحققت هذه الأهداف ، فلا بد أن نقر أن معظم الأطراف السياسية في تونس و لو بأقدار متفاوتة بما فيها السلطة الحاكمة أو على الأقل أطراف نافذة فيها قد عملت من أجل تحقيق ذلك ...
أ الهوية العربية الاسلامية .
ما رأيته في البلاد من اعتزاز بالهوية العربية الإسلامية من خلال موجة التدين التي تمس مختلف الطبقات و الشرائح الاجتماعية يحمل على الاعتقاد أن الحديث عن حاجة المجتمع التونسي إلى طرف سياسي يؤسس مشروعيته السياسية على العمل من أجل الدفاع عن هوية البلاد باعتبار أنها مهددة من خلال تدابير تتخذها السلط الحاكمة أو من خلال نشاط مكثف من طرف سياسي من الممكن أن يتولى الحكم فينفذ سياسته المهددة لهوية البلاد , ما رأيته في البلاد يجعل مثل هذا الكلام عار من المصداقية . صحيح أنه منذ ثلاثين سنه كان هناك توجه من السلطة قائما على إهمال السياسات التي تعزز هوية البلاد العربية الإسلامية و في المقابل هناك دعوات مستمرة للتغريب و هناك نخبة مثقفة درجت على الاستهزاء بكل ما هو أصالة و تدينا و ما فتئت تحمُل الإسلام مسؤولية التخلف التي كان يمر بها البلد و تدعو لاستبدال ما تبقى من أحكام الشريعة إلى غير ذلك مما يهدد هوية البلاد و لكن اليوم لم يعد شيء من ذلك...قد يرد بعضهم على هذا الكلام أن هناك في تونس هذه الأيام جمعية تدعو إلى اللائكية صراحة لكن أظن أن الاعتراض ليس في محله لأن العبرة بحجم التهديد الذي كانت تشكله تلك النخب في مجتمع غير مهيأ للدفاع عن هويته كما هو عليه اليوم ...
تونس اليوم متمسكة بدينها وعروبتها و إسلامها ، وهي في حاجة فقط لمن يتعهد هذه الهوية من خلال دعم الإنتاج الثقافي المعزز لها و من يعمل من أجل إشعاع البلاد غربيا و دوليا على هذا الأساس .
الذي يواصل الحديث عن كونه خير مدافع عن هوية البلاد العربية الإسلامية و يرفع ذلك كشعار سياسي يتهم فيه السلطة بمعاداة هذه الهوية يكون فعله في رأيي نوع من المزايدة التي لن يقوم عليها بناء سياسي مفيد للبلاد و أهلها ...
ب قضية القرأن الكريم
أطالع من حين إلى آخر على شبكة الانترنيت مقالات يتصدر أصحابها للدفاع عن المصاحف في تونس التي يلقى بها في المراحيض و يرمى بها في المزابل و يتم انتهاك حرمتها بأشكال مختلفة ... و اعتراضي هنا ليس على التعرض لتلك الانتهاكات المشينة في حق الكتاب المقدس المؤسس لشخصيتنا الدينية و الحضارية و لكنه اعتراض على أن تقدم تلك الأعمال على أنها تشكل سياسة السلطة في تونس تجاه المصحف الشريف و يتجاوز ذلك إلى إعطاء صورة سيئة لدى الأشقاء العرب و المسلمين عن وضع القرآن الكريم في تونس و مدى احترام شعبها له .. و الحقيقة التي أشهد عليها أن ذلك لا يمكن أن يكون سياسة للنظام تجاه المصحف الشريف و لا يترجم على درجة احترام التونسيين لكتابهم المقدس بل هي تصرفات إجرامية مشينة ندعو جميعا لمعاقبة مقترفيها و لكن من الخطأ الجسيم أن تستغل سياسويا فتؤدي إلى الإضرار بسمعة مجتمعنا التونسي بشكل عام
في تونس التي رأيتها في زيارتي الأولى انتشار كبير للكتاتيب التي تسهر على تعليم النشء القرآن الكريم و في ظروف حسنة بعيدة كل البعد عن الأساليب العتيقة التي طالما كانت محل سخرية المجتمع و استخفافه . و العائلات التونسية تقبل بكثافة على إرسال أبنائها لتلك الكتاتيب اعترافا منها بفضلها في تحسن نتائجهم الدراسية و تعلقا منها بالمصحف الشريف .. و الكبار يزداد تمسكهم بالمصحف و ما يحتويه من آيات كريمة إلى درجة أن الأغلبية الساحقة من المساجد في رمضان تقام فيها صلاة التراويح حيث يختم الكتاب العزيز و لم تكن هذه عادة التونسيين من قبل ...
و هناك اليوم إقبال كبير في مختلف أنحاء البلاد على إنشاء دور للقرآن هي أشبه بالجامعات التي ستعلم علوم القرآن و تسهر على تخرج القراء المهرة و حفاظ المصحف الشريف بما يغطي حاجة البلاد و ينشر ثقافة تعظيم الكتاب الكريم و شعائره و هذه الأمور لا يمكن أن تتم بدون موافقة السلطة و بالتالي ليس من الإنصاف أن نقول أن ذلك شأن المجتمع التونسي و ليس للسلطة في ذلك نصيب ... و الله تعالى يقول : " و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، أعدلوا هو أقرب للتقوى و اتقوا الله إن الله خبير بما تعملون "
فالقول اليوم بأن القرآن الكريم يدنس في تونس و أن الأمر يحتاج إلى طرف سياسي للدفاع عنه أو جمعية دولية لنصرته كلام يفتقر إلى الكثير من المصداقية و قد يصل إلى نوع من الإساءة إلى المجتمع التونسي ...
ج قضية المساجد
ما قيل عن القران الكريم يمكن أن يقال شيء قريب منه عند الحديث عن المساجد في تونس و أجد من المجانبة للحقيقة اختزال المسألة كما فعل البعض في أن نظام بورقيبة امتهن المساجد بإذلال القائمين عليها و إهمال الإنفاق عليها حتى خربت و نال منها الزمن ثم جاء خلفه فأطلق العنان للمجتمع حتى يبني منها الكثير لتجميل صورته و سحب البساط من تحت أقدام عدوه ثم أحكم سيطرته عليها و شل حركة تأثيرها في المجتمع
الذي لفت انتباهي أن هذه المساجد تأخذ مكان القلب في كل حي جديد و ما أكثر الأحياء الجديدة في البلاد و خاصة في العاصمة ,و الكثير من أصحاب المشاريع الناجحة ينفقون عليها بسخاء و كذلك بقية أفراد الشعب , وهي اليوم تلعب دورا رئيسيا في انتشار الصحوة الإسلامية بين الناس وعنوانا على إقبالهم على تعظيم شعائر الإسلام و تؤسس لتعزيز روح الدفاع عن هويتهم العربية الإسلامية .. هناك فقط سياسة المراقبة المحكمة عليها حتى لا تستغل كفضاء للجماعات الإسلامية و تلك سياسة معلومة و مفهومة والمطلوب هو بذل جهود كبيرة من أجل التخفيف من هذه المراقبة و تمكينها من القيام بأدوار أكبر في المجتمع ..
و بالتالي فالانطلاق من حادثة تخص مسجد الجامعة مثلا لإعطاء صورة عن وضع المساجد في البلاد هو تصرف يصدق عليه ما قلته عن المصحف الشريف فيما سبق و لا أظن أن ذلك سياسة حكيمة قد تعزز مصداقية المعارضة الإسلامية التونسية لدى مجتمعها الذي ينتظر منها أداء أفضل ..
د قضية المحجبات أو الحجاب
لا يختلف اثنان اليوم على الإقرار بظاهرة انتشار الحجاب بين التونسيات على مختلف المستويات و الأعمار الاختلاف هو حول أن يكون هذا الأمر قد تم رغما عن إرادة السلطة أم هو بتسهيل منها . و من خلال ما رأيته في تونس أقر بأن الإجابة بما يحيط بهذه الإشكالية ليس بديهيا كما يبدو للكثير الذين تستهويهم الإجابات التي تفيد أن هناك نصرا قد تحقق على السلطة و أن المجتمع التونسي بعودته للحجاب يريد أن يعبر عن معارضته لسياسة النظام تجاه الإسلام .. ما أطمئن إليه هو أن الحجاب ما كان له أن ينتشر في البلاد التونسية هذا الانتشار الواسع إلا لأن السلطة فد غضت الطرف عنه وهو اليوم منتشر بكثرة في أوساط تعتبر قاعدة السلطة التي بها تحكم البلاد و أن ما نسمع عنه من إجراءات منتهكة لحرية المرأة في لباس الحجاب لا يمكن أن يفهم على أنه معاداة السلطة للحجاب الإسلامي و لكنه تصرفات شخصية لأشخاص متنفذين في مواقعهم يستغلون وجود المنشور 108 سيئ الذكر لإفراغ شحنات الغضب التي لديهم بسبب فشل مشروعهم المجتمعي الذي بشروا به طويلا و هم يرون اليوم أنه لن يتحقق أبدا , أما لماذا لم تقم السلطة بإلغاء هذا المنشور فيرجح أن الأمر يعود لما تبقى من نفوذ لدى هؤلاء على صاحب القرار أو لحرص السلطة على بقاءه سيفا مسلطا على نساء تونس في محاولة منها لتجنب انتشار النقاب كما صرح بذلك أحد الناطقين باسمها ..
خلاصة القول أن الحجاب الإسلامي لم يعد قضية في تونس يمكن لطرف سياسي أن يدعي أنه يستمد جانبا من مشروعيته من الدفاع عنه ...
3 ماذا بقي إذن للحركة الإسلامية في تونس ؟
سؤال وجيه حاولت الإجابة عنه في مقال قديم لي ، لكن الإجابة عندئد لم تلقى العناية الكافية و لعل السياق المغاير لهذا المقال سيجعل تلك الإجابة تحظى باهتمام أكبر .
القول بأن تلك القضايا الأربع قد حسمت في الاتجاه الذي من المفترض أن ترضى عنه الحركة الإسلامية التونسية لا يعني على الإطلاق أن تلك الحركة قد فقدت مبرر وجودها ... بل أن ذلك يدعوها فقط إلى التخلي عن اعتبار أن تلك القضايا الأساسية و لا شك لا تزال أهداف سياسية يرجى تحقيقها و مواصلة ما يقوم به بعض حملة الأقلام المحسوبين عليها في نهج ما لا أجد له اسما إلا المزايدة السياسوية التي لا تسقي حرثا و تعلف غنما .. فليس هناك قضية مساجد في تونس اليوم و إنما هناك سياسة تنتهج تجاه المساجد يمكن أن يكون لهم فيها رأي و هناك ضرورة لصياغة سياسة تجاه المساجد في دولة يحكمها حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية ,,
هناك إعادة تأسيس للحركة الإسلامية التونسية على أساس الفصل بين الدعوي و السياسي بما يجعل العاملين يتفرغون للإبداع في صياغة سياسات تجاه المشاكل التي تواجه المجتمع و استلهام ذلك من المرجعيات الإسلامية ليكون بذلك مبررا مقنعا للقول بحاجة المجتمع إليهم و ليس الانكباب على قضايا قديمة يصر البعض على أنها دائما جديدة و متجددة لبناء مشروعية موهومة
هذا عن السياسي أما الدعوي فلا بد أن القارئ قد أدرك أن المجتمع التونسي يقوم عليه بما يكفي . ما ينقصه فقط شبكة من الجمعيات العاملة في مجال الدعوة إلى الله بما لا يدخلها في مجال الصراع على الحكم ...و قدر إضافي من العلماء الأفاضل الذين لا يخافون في الله لومة لائم ..

طبعا تونس التي رأيتها لا يمكن اختزالها في ما طرأ على هذه القضايا الأربع ، هي بلد فيه من الصلاح على قدر ما فيه من الفساد ، فيها من التنوع على قدر ما فيها من المكاسب و الإنجازات . فيها من الرضا و المساندة على قدر ما فيها من الغضب و المعارضة...
و ليسمح لي القارئ الكريم بالتوقف عند هذا القدر تجنبا لمزيد الإطالة ....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.