يتفجر من الغيظ كل عربي، أكان مسلماً أم مسيحياً، حين يقرأ بيان الجمعية القبطية الأمريكية، ودعوتها للمسيحيين المصريين للاكتتاب في بنك "أوف أمريكا" لصالح وزير الخارجية الإسرائيلي "ليبرمان" بمبلغ 3 مليون دولار، بهدف دعم هذا "الرجل الشجاع" لتحقيق حلم يهود العالم في دولة إسرائيل اليهودية. انفجار العرب من الغيظ تتساقط شظاياه حقداً على رأس كل قائد أو مسئول توهم بإمكانية صنع السلام مع إسرائيل، وتفقأ عين كل من زعم أن التخلي عن أرض فلسطين لليهود سيعفي باقي بلاد العرب من العدوان، ويريح شعوبهم من الحروب، ويفتح أمام بلادهم أفاق التطور والنمو الاقتصادي. بل ذهب بعض قادة العرب إلى نفض يدهم من القضية الفلسطينية على اعتبار أنها تخص الفلسطينيين وحدهم، وعمدوا إلى تعميق الشعور بالقطرية، وعزلوا الشرق العربي عن غربه، واستعدوا جنوبه على شماله، وتناسوا أن فكرة قيام دولة إسرائيل ما كانت لتلد دون تفتيت أمة العرب والمسلمين. لقد توقف بعض قادة العرب عن التدخل في الشأن الفلسطيني، واعتبروا الصراع المركزي نزاعاً على الحدود، ومع ذلك لم تتوقف إسرائيل عن التدخل في أدق تفاصيل الشأن العربي، فهي تعرف أن بقاءها مرهون بدوام التخلف والخلاف العربي. ومنذ البداية كان لا بد من تمزيق العرب إلى عدة دول كي تصير لإسرائيل دولة بينهم، وكان لا بد من إيجاد الشرق الأوسط الكبير المترابط اقتصادياً كما حلم بذلك "شمعون بيرس". كي تصير إسرائيل جزءاً من هذا الشرق الأوسط، وأخيراً، ولكي تصير إسرائيل دولة يهودية معترف فيها، فلا بد أن يصير في العراق دولة للأكراد، وفي جنوب السودان دولة تعزف على مزامير اليهود، ولا بد أن تكون في مصر العربية دولة قبطية، تجمع التبرعات لصالح المتطرف "ليبرمان". يقول المحامي "موريس صادق" رئيس الجمعية القبطية الأمريكية: لقد احتل الغزاة البدو العرب أرض إسرائيل التي ولد عليها السيد المسيح، وطبقاً لنبوءة الكتاب المقدس، عاد اليهود إلى أرض إسرائيل" ويشابه "موريس" بين اليهود وبين الأقباط حين يقول: "إن اضطهاد الأقباط في مصر استمر على يد المحتلين المسلمين، وعملائهم من الأقباط الخونة". إن هذا الذي يجري على أرض مصر من شق الصف الواحد، ومن تحريض طائفي، ومن ارتفاع أسعار، ومن سعار الخلاف، ما هو إلا ثمرة حنظل من ثمار السلام الوهمي الذي طعن قلب العرب، وحنّط أكبر دولهم في اتفاقيات أخرجتهم من دائرة الصراع مع إسرائيل، ليتصارعوا مع أنفسهم، وينشغلون في البحث عن لقمة الخبز للبقاء على قيد الحياة.