أشار تقرير داخلي أنجزه مصرف يو بي اس وعرضت نتائجه في ندوة صحفية عقدت بزيورخ يوم الخميس 14 أكتوبر 2010 إلى أن الخسائر الفادحة التي مُني بها المصرف خلال الأزمة المالية الأخيرة كانت "بسبب القصور الذي عانت منه إدارته السابقة" على مستوى التخطيط واستشراف المخاطر في مجال إدارة الأعمال، وبسبب نظام المكافآت والأجور الذي كان معتمدا داخله. ويأتي هذا التقرير المتكوّن من 76 صفحة كرد فعل على التوصيات التي سبق أن وجّهتها مفوّضية لجان التصرف بالبرلمان السويسري في شهر مايو 2010 إلى الحكومة الفدرالية، وطالبتها فيها باتخاذ إجراءات قانونية ضد المسؤولين السابقين على أكبر مصرف في البلاد. كما كشف "تقرير الشفافية" المشار إليه، عن أن نظام الحوافز والمكافآت المعمول به آنذاك كان يهدف إلى تحقيق أكبر ما يمكن من الأرباح من دون الأخذ في الاعتبار المخاطر المحدقة، وأدى تعميمه على جميع وحدات وأقسام المؤسسة إلى مضاعفة تلك الخطورة. وتعليقا عما تضمنه التقرير، قال كاسبار فيليغر، وزير المالية السويسري الأسبق والرئيس الحالي لمجلس إدارة يو بي إس: "ما كان يجب أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه". فقر في القدرات البشرية انصب اهتمام الجزء الأكبر من التقرير على قسم إدارة الثروات، وأشار إلى أن أغلب جهود هذا القسم كانت "مركّزة على تشجيع التهرّب الضريبي في البلدان الأجنبية، كما كان القائمون عليه يفتقرون إلى معرفة واضحة بمدى انسجام أنشطتهم مع القوانين والقواعد المعمول بها في الولاياتالمتحدةالأمريكية على وجه الخصوص"، هذا برغم إقرار الوثيقة بأن "بعض الإجراءات قد اتخذت، لكنها ظلت إجراءات جزئية، وغير حازمة، واستغرق تنفيذها وقتا طويلا". ولم تفلح تلك الإجراءات في إنقاذ المصرف من المتابعة القضائية، ولم يحل دون ذلك سوى قبوله في النهاية بالكشف عن أسماء 4.500 حريفا من حرفائه في االولاياتالمتحدة متهمين من طرف سلطات بلادهم بالتهرّب الضريبي، في انتهاك صارخ لمبدأ سرية الحسابات المصرفية المعمول به في سويسرا. وعلى الرغم من تأكيد فيليغر، في بيان صدر يوم الأربعاء 13 أكتوبر، على عدم سعي المصرف منذ أبريل 2009، تاريخ تسلمه لرئاسة الإدارة خلفا لبيتر كورر، إلى تبرير أخطاء الإدارة السابقة أو إخلائها من المسؤولية عما جرى، فإنه استبعد مع ذلك تقديم أي دعوى قضائية في المستقبل ضدها لأن من شأن ذلك "إضعاف موقف المصرف في حالة أقدمت جهة ما في الولاياتالمتحدة على تقديم دعوى قضائية ضده في المستقبل". وقال فيليغر مدافعا عن موقفه هذا أمام الصحافيين في زيورخ يوم الخميس 14 أكتوبر: "عندما يرفع مصرف ما دعوى ضد مسؤوليه سوف يفهم رجال القانون الأمريكيون ذلك على أنه اعتراف منه بالذنب. هذا الأمر لو حدث سوف يضعف موقفنا في المستقبل". استبعاد المتابعة القانونية يأتي قرار يو بي إس هذا بحسب بيتر فورشتموسير أستاذ القانون بجامعة زيورخ وأحد الخبيريْن اللذيْن أرفق المصرف رأيهما بالتقرير"حفاظا على التوازن بين مصالح المؤسسة ومصالح أصحاب الأسهم"، بل إنه يذهب إلى حد اعتبار قرار عدم المتابعة "شكلا من أشكال الاعتراض عليه". أما طوبياس شتراومان، المؤرخ المختص في الأسواق المالية، والذي طلب المصرف رأيه أيضا فيعتقد أن "إدارة المصرف السابقة كانت تفتقر إلى أشخاص قادرين على اكتشاف الأخطار الخفية قبل وقوعها". وبحسب هذا الأستاذ المحاضر بجامعة زيورخ: "جاء ردّ فعل أكبر المصارف في متأخرا جدا، وبطريقة تفتقر إلى الحنكة والحذر، ولكن في العموم لا يختلف رد فعله في شيء عن تصرّف بقية المصارف". إقرار بالأخطاء ورفض للمحاسبة في سياق متصل، عبّرت الحكومة الفدرالية، وقبل يوم واحد، من صدور تقرير يو بي إس عن "موافقتها الإجمالية" عمّا جاء في تقرير مفوّضية لجان التصرف بالبرلمان السويسري حول قضية اتحاد المصارف السويسرية، الذي صدر في شهر مايو 2010 واستعدادها لإتباع التوصيات 19 المنبثقة عنه، لكنها عبّرت عن تحفّظها في ما يتعلّق بالمتابعة القانونية للإدارة السابقة، وبررت الحكومة ذلك بأن إجراء من هذا القبيل "ينتهك القوانين الجاري العمل بها". ولئن أقرت الحكومة بتفهمها لبعض النداءات المرفوعة من أجل محاسبة المسؤولين عن بعض الأعمال التي ارتكبوها، فإنها ترى أن أي متابعة قانونية لتحديد المسؤوليات سوف تكون "شاقة وطويلة، وغير مضمونة النتائج، فضلا عن تكلفتها الكبيرة". واحتراما منها لتقاليد دولة المؤسسات والقانون، لا ترى الحكومة السويسرية من المفيد أو من الممكن "سن قوانين جديدة من أجل محاسبة مسؤولين عن أعمال ارتكبت قبل صدور القانون ذاته". وفي ضوء ما سبق أكتفت الحكومة الفدرالية بالإشادة مسبقا ب"تقرير الشفافية"، الذي أصدره المصرف، وبالاستشارتين المرفقتيْن به، ورأت في ذلك ما يلبي الحاجة إلى الوضوح والشفافية حول أنشطة المصرف الداخلية. الحكومة ترفض التدخّل هذا الموقف ترافق أيضا مع رفض الحكومة للتوصية الداعية إلى تعديل المادتيْن 164 و165 من قانون العقوبات، وتوسيع دائرتيْهما لتشملا المؤسسات الإقتصادية والمصرفية الكبرى، التي يؤدي إفلاسها، لو حدث، إلى حصول أضرار كبيرة بالاقتصاد السويسري. وتُعد هذان المادتان في الأصل جزء من القوانين المكافحة للجرائم والمخالفات المتعلقة باستخلاص الديون وعمليات الإفلاس، لكن مفوّضية لجان التصرف بالبرلمان السويسري تريدها أن تشمل البنوك والمصارف أيضا. لم تكتف الحكومة باستبعاد ذلك، بل رفضت أيضا دعوة مفوّضية لجان التصرف تكليف سلطة الرقابة على الأسواق المالية (فينما) بالتحقيق حول مدى وعي قادة يو بي إس بخطورة الأخطاء التي ارتكبها المصرف وموظفوه بدعوى أن ذلك الأمر لا يقع ضمن صلاحياتها. في مقابل، أقرّت الحكومة بالحاجة الملحة لتنظيم الأسواق المالية للحد من تبعات وآثار الأزمات المالية الكبرى، كالأحكام المنظمة للأصول المالية، وللسيولة ، وللمكافآت، أو تعديل القواعد المؤطرة لعمل المؤسسات المالية المهمة، التي بانهيارها ينهار إقتصاد البلاد. عبد الحفيظ العبدلي مع الوكالات- swissinfo.ch 14 أكتوبر 2010