اللقاء النقابي الديمقراطي المناضل :بين خطاب الأهداف العظيمة وخلفيات أصحاب المبادرة ووسائلهم الضئيلة عبدالسلام حيدوري :عضو النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بسيدي بوزيد إن جوهر التراجيديا، كما كتب تروتسكى ذات مرة، هو التفاوت بين الأهداف العظيمة والوسائل الضئيلة و مهما يمكن القول عن هذا التعميم فإنه بالتأكيد يلخص محنة المعارضات النقابية التي كانت تجد جذورها في عزلتها بما هي مجموعات متناثرة عن الحركة الحقيقية للطبقة العاملة والجماهير الكادحة وتأثير المناخ البرجوازي الصغير الذي تنحدر منه وهي غير قادرة على التأثير في مجرى الأحداث، حتى بشكل هامشي . إن معرفة أسباب محنة المعارضة النقابية داخل منظمة الشغيلة يستوجب بالضرورة معرفة أولا الأسباب العميقة لأزمة النظام الخادم للأعراف وللرأسمال ومن ثمة تشخيص ثانيا أزمة منظمة الشغيلة وخيانتها لبدائل الطبقة الكادحة للمراهنة ثالثا على معارضة نقابية مناضلة وجذرية أرضية وبرنامجا وفعلا ثوريا وجماهيريا وتستجيب للمطالب التاريخية للطبقة العاملة. ومعرفة بهذه المستويات هووحده الكفيل بالحكم على ما إذا كان اللقاء النقابي الديمقراطي المناضل هو البديل المطروح اليوم أم ان البديل المبحوث عنه لابد أن يمر بالضرورة عبر مواجهة خيارات السلطة وتثوير منظمة الشغيلة برؤية عمالية ثورية تقطع مع إنحرافات الماضي وتنخرط في الحراك الجماهيري الذي لا يمكن أن يتقدم نحو تحرير الطبقات الكادحة إلا بوحدة القوى التقدمية والثورية المتبنية لبرنامج عمل الحركة العمالية . 1- أزمة البورجوازية التابعة وعميلتها السلطة وإفلاس النظام : يسعى النظام إلى إعادة هيكلة الاقتصاد والطبقات السائدة والمتنفذة لكي تتأقلم مع العولمة الرأسمالية، وذلك على حساب الطبقات الشعبية، وفي مقدمتها الطبقات الكادحة متبعة سياسيا نهج تكميم الأفواه وضرب الحريات السياسية واقتصاديا نهج التفويت في القطاع العام لصالح الخواص وتنصل الدولة في الإنفاق على القطاع العام ( الصحة ، التعليم و النقل ) والانخراط في اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي والخضوع للوصفات المالية لصناديق النقد الدولي والشركات المتعددة الجنسيات بما يعنيه ذلك من تكريس لواقع التبعية للرأسمالية العالمية والتطبيع مع الامبريالية والصهيونية و من إخضاع لأقتصادنا الوطني لمقتضيات العولمة وحمل مؤسساتنا المحلية على الدخول في منافسة غير متكافئة الشيء الذي أدى اجتماعيا إلى ازدياد الفوارق الطبقية وارتفاع نسبة البطالة وخاصة بطالة المعطلين عن العمل إلى جانب التسريح الجماعي والتعسفي للعمال واعتماد أشكال هشة للتشغيل ( المناولة..التعاقد...) وثقافيا سيادة نزعة تبضيع القيم وسلعنة البشر وضرب كل حركة تحررية تقدمية. إزاء هكذا وضع مأزوم وجدت الشغيلة والجماهير الشعبية نفسها مكبلة وعاجزة عن مواجهة هذه الخيارات اللاشعبية واللاديمقراطية للنظام وإزدادت حدة الأزمة بغياب منظمة عمالية مستقلة ومناضلة وديمقراطية ومدافعة عن الحركة العمالية وهو ما أدى إلى أزمة عميقة وتاريخية داخل الإتحاد العام التونسي للشغل وخاصة في المرحلة الراهنة .
2- واقع منظمة الشغيلة وأزمة العمل النقابي :
لابد في هذا السياق من التذكير بالتمفصل التاريخي والحاد بين الحركة النقابية والحركة العمالية ودور اليسار النقابي في ضوء هذه العلاقات المتشابكة من جهة ودور السلطة في ضرب هذا التمفصل بالقمع والملاحقة والسجن . وهو ما يعني تاريخيا تراوح العلاقة إتحاد /سلطة بين المواجهة ( السبعينات وبداية الثمانينات ) والتحالف مع السلطة (أواخر الثمانينات إلى اليوم) وهو ما آل اليوم إلى أزمة داخل الإتحاد العام التونسي للشغل وبالتالي أزمة منظمة وأزمة عمل نقابي ساهم اليسار النقابي بمختلف أطيافه داخل الإتحاد من بعيد أو من قريب في تغذيتها ، رغم دوره الريادي في محطات نضالية كثيرة عرفتها الحركة العمالية وعاشتها منظمة الشغيلة وهو ما فسح المجال لهيمنة النهج البيروقراطي على الإتحاد الذي أحدث حالة من الفراغ استمالت بعض الأطراف اليمينية للتكتل داخل الإتحاد من أجل المواقع بإنحرافاتها المرجعية وعدائها للطبقة الكادحة ولمشروعها العمالي الثوري وإنعكس هذا الوضع سلبا على دور الإتحاد وعمق أزمته أولا : في مستوى خيانته للمطالب التاريخية للشغيلة ودعوته إلى التكيف مع الوضع العالمي وتحوله إلى نقابة مساهمة بدل أن تدافع عن مصالح الشغالين تتحول إلى لسان ناطق للسلطة وللأعراف وما نهج المفاوضات الذي تتبعه المنظمة إلا حجة في تبنيها لمصلحة الأعراف وخيانتها لمطالب الشغالين ومسايرتها المطلقة لإتفاقية الشراكة والخوصصة والتزام الصمت إزاء ما يحاك ضد الشغيلة من مؤامرات بل مشاركة السلطة في خياراتها دون معارضة وهو ما يعني السكوت عن إستغلال الأعراف للشغالين وضربهم لحقهم في العمل النقابي .ثانيا : تحول الإتحاد من منظمة مدافعة عن الشغيلة إلى منظمة مساهمة يعكس أزمة في هيكله الداخلي أقل ما يقال فيها إنها أزمة خيانة للكادحين وتمثل في تحكم القيادة البيروقراطية في المنظمة وتمسكها بمواقعها حتى وإن كلفها ذلك ضرب الثوابت التاريخية التي تأسست عليها : الديمقراطية والحرية والإستقلالية ، قيادة مستعدة اليوم إلى الإعتداء من داخل الاتحاد على الديمقراطية النقابية حفاظا على مصالحها وعلاقاتها بالسلطة لذلك فإنها تدعو اليوم إلى مراجعة الفصل العاشر قصد التوريث والتمديد وتصادر الديمقراطية النقابية وتمنع الهياكل والقواعد النقابية من التحرك بلغة النظام الداخلي الذي تحول إلى أداة لقمع المعارضين وتصفيتهم بشتى الوسائل . 3- أصحاب مبادرة اللقاء النقابي بين النزوع إلى نسيان تجربة الماضي وطموح نحو إنطلاقة جديدة مشبوهة: الإحراج الذي يواجه أصحاب مبادرة اللقاء النقابي الديمقراطي اليوم هو : هل كانت مبادرتهم نابعة عن وعي حاد بأزمة النظام في الوضع الراهن وتأزم منظمة الشغيلة وتراجع دور الاتحاد في الدفاع عن الجماهير الكادحة والمفقرة أم أن مبادرتهم بتأسيس لقاء نقابي ديمقراطي مناضل يعكس رهانات ذاتية همها العودة إلى المواقع التي فقدتها والتي كانت سببا في تأزم العمل النقابي ؟ هل أن دعوة أصحاب اللقاء النقابي نابعة عن وعي بمدى مسؤولية القوى اليسارية عن أزمة الإتحاد وبما آلت إليه هذه القوى من تشتت وبالتالي المراهنة على وحدتهم في الحركة النقابية أم أنها دعوة لقوى إنتهازية إختلط فيها اليمين باليسار همها العودة إلى المواقع والتحالف مع أصدقاء الأمس من البيروقراطية وأعداء الشغيلة ؟ على القوى اليسارية الداعية للمعارضة النقابية أن تتذكر بأن ماركسيتهم هي النقد النظري والعملي للرأسمالية ولكل أشكال الاستغلال والاستلاب والتعسف التي تلازمها وللإيديولوجيات التي تنتجها، ذلك النقد الذي ينطلق من موقع الكادحين ومصالحهم الآنية والاستراتيجية.هذا النقد هو وحده الذي يمكنهم من تأسيس بديل عمالي ثوري إلا أن القوى اليسارية التي إختلطت بأطياف يمينية في مبادرة اللقاء النقابي الديمقراطي تنسى أو تناست أنها من يجب أن يتحمل المسؤولية في أزمة الحركة العمالية لأنها هي دون غيرها التي صنعت الحدث النقابي وانخرطت في العمل النقابي المناضل وسجلت حضورها المتقدم في المواقع والنضالات ودفعت بالجماهير نحو النضال وإفتكاك مطالبها لكنها اليوم تسعى وراء إنطلاقة جديدة مشبوهة تريد إعادة إنتاج التشتت والتناحر بين مختلف مكونات اليسار النقابي والذي يقف مرة أخرى حاجزا أمام الرهان القديم المتجدد : وحدة اليسار هي شرط تجذير العمل النقابي والدفاع عن منظمة الشغيلة حرة ومناضلة ومستقلة وديمقراطية وحاملة لبرنامج مشروع عمالي ثوري يتقاطع فيه النقابي المطلبي مع السياسي التقدمي . 4- رهان تأسيس معارضة نقابية في الراهن : إن شرط تشكل معارضة نقابية اليوم من داخل الإتحاد يستوجب النضال ضد البيروقراطية أي النضال ضد إحدى ركائز النظام في منظمة الشغيلة وهو ما يقتضي نقابيا الالتزام بالدفاع عن مصالح الشغالين ومطالبهم وعن الديمقراطية النقابية والحق النقابي وعن إخراج الاتحاد من دور النقابة المساهمة إلى تحمّل دور النقابة المناضلة الممثلة ديمقراطيا والحرة والمستقلة وما ورد في مناقشة الرفيق بشير الحامدي لمبادرة اللقاء النقابي 13-10-2010 إلا محاولة جادة للدعوة إلى تجذير المعارضة النقابية داخل الاتحاد لنحافظ علية مستقلا وحرا ومناضلا وديمقراطيا وذلك بالتصدي لنهج النقابة المساهمة التي تنتهجها البيروقراطية وبالنضال ضد الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للنظام وفي مقدمتها الانخراط الكلي في العولمة النيوليبيرالية وخوصصة الاقتصاد وتدمير القوى المنتجة الوطنية ودفع الاتحاد إلى تحمل دوره في النضال الديمقراطي والوطني والوقوف إلى جانب القضايا التقدمية القومية والأممية. وقد طرحت مناقشة الرفيق بشير الحامدي للمبادرة نقاطا أساسية مثلت أرضية لقاء وعمل نقابي مناضل ومدافع عن الشغيلة .