الإهداء إلى روح شهيد المنفى الد. محمد المنصف سعودي بسم الله حبيب المبعدين و الشهداء بسم الله المنتقم من آل السابع الظلمة إن الشهداء أعظم منا جميعا تلك مقولة قدسية طالما رددتها حناجر خطباء الحركة الطلابية التونسية في التجمعات العامة و الإعتصامات و المسيرات الحاشدة داخل الجامعة و البلاد يومها كانت الجموع تودع الأحبة شهيدا وراء شهيد و كانت الأمانة و الراية تنتقل من جيل إلى جيل فمن المهندس الشهيد عثمان بن محمود إلى التلميذ الطيب الخماسي شهيد مسجد الجامعة ( رحمهم الله جميعا ) ولدت ملحمة ورفعت شعارات ونمت أحلام و تجذر مشروعا حضاريا رساليا إحتظنه شعبنا تلمذيا و طلابيا و شعبيا. ولن يسقط بإذنه تعالى أبدا حتى تتطهر البلاد من ثمار شجرة الزقوم النوفمبرية الخبيثة و تعود البلاد كما أرادها سادتنا العبادلة السبع منارة للعلم و للحضارة و محظنا للعدل و للحرية . نستحظر هذا الإرث النضالي المشرق و نتوقف عند تخوم تلك الحقبة المضيئة من تاريخ شعبنا اليوم حفرا في الذاكرة وإنعاشا لها حتى تقاوم عوامل الخرف والتلف و التثاقل إلى الأرض بعد أن أضحى السقوط عند البعض عنوانا للوسطية و تأشيرة دخول للوطن الجريح فلا الأمانة أمانة بقيت و لا الشرف شرفا بقي و لا العهد عهدا و لا الصدق صدقا و لا الولاء ولاءا و تلك الأيام نداولها بين الناس . و لكن يأبى الله سبحانه و تعالى و هو المنظم لسنن التاريخ و لحركة الجماهيرإلا أن يصطفي منا شهداء في داخل الوطن الجريح أو في المنافي المختلفة حتى تتجدد فينا قيم و معاني إسلامنا العظيم فنتمثلها واقعا يومياو نهجا مقاوما و خطا سياسيا صداميا مع الباطل و أعوانه لا مكان فيه لمربعات سوداء و لا بيضاء و لا يتفوق فيه الإسمنت المسلح على دماء الشهداء و لامجال فيه للتطبيع مع رموز الجريمة النوفمبرية على حساب كرامة الشعب و أمانة الشهداء الغالية. اليوم يأذن الله سبحانه وتعالى لشهيد المنفى السوداني الأخ الدكتور محمد المنصف سعودي بأن يترجل شاهدا على عنف و توحش دولة البوليس في تونس التى ضيقت مساحة الوطن فلم تعطي منها لأبنائه الأحرار إلا مساحة صغيرة لاتصلح إلا لحفر قبر يواري جثة شهيد فارق الدنيا بعيدا عن الأهل و الوطن و الأحباب فتعسا لسلطة فاسدة تحكم وطنا لا تقبل بعودة مواطنيه إلا إذا كانوا أمواتا أو إذلاءا مستسلمين لإرادة الأجهزة السرية و مافيا القصر . بالأمس القريب ودع المنفى الألماني أحد أبطاله الأشاوس إبن حمام الأنف الشهيد محسن بومعيزة عليه من الله الرضوان و اليوم ينتقل عرس الشهادة من شمال الكرة إلى جنوبها حيث حط ركبه المبارك في سودان الكرامة و الإيثار ليزف إلى السماء روح الشهيد الدكتور محمد المنصف سعودى حيث العدل المطلق و الحق المطلق و الخير المطلق حيث عرش الرحمان حيث لا ظلم ولاألم و لا غربة بعد اليوم هناك هناك حيث عمار و أبو ذر وحمزة و الحسين و الفاروق عمر ( عليهم جميعا من الله الرضوان) . إنها بالفعل مربعات سوداء قاتم لونها لا يرى فيها بياض فأن يكون فيها البياض و لون الحزن الأسود يطوق خارطة الوطن و رائحة الموت تفوح من أكثر من بيت و عيون أمهات الشهداء إبيضت من الدموع و رؤوس الآباء إبيضت من الشيب اليوم تنضاف جريمة جديدة إلى سجل النظام الحافل بالجرائم فعريسنا اليوم فارس الحرية الشهيد الدكتور محمد المنصف سعودي أبعد عن تراب الوطن الغالي و فرض عليه العيش خارج حدوده لأكثر من عشرين سنة حتى آتاه اليقين و لم يتمتع بحقه الدستوري في جواز سفر و لم يكن نصيبه من سفارة الدكتاتور بن على في الخرطوم إلا رخصة عبور كتبت على عجل بعد أن تيقن الملأ من آل 7/11 بأنه دخل في غيبوبة و بأنه مفارق للحياة لا محالة . اليوم يشهد إخوانك و أبناء جيلك من رواد الحركة التلمذية و الطلابية المجيدة و يشهد الناس أجمعين و كذا كل الباحثين عن الحقيقة بأن وفاتك في المنفى و عودتك إلى أرض الوطن الغالى بدون جواز سفر ستبقى و إلى الأبد شهادة إدانة ضد كل المتسللين والحارقين من أوروبا إلى الوطن عبر بوابة التنسيق الأمني و شهادات الزور و عرائض الخزي والعار سيبقى موتك يا محمد خارج الوطن و إلى الأبد وصمة عار في جبين كل المطبعين مع الظلمة الذين مازالوا يلهثون وراء الجواز بأى ثمن بعدما باعوا ما تبقى لهم من كرامة و رجولة و دين أمام عتبات مكاتب رجال مخابرات الطاغية بن على في العواصم المختلفة . ها أنت يا أيها البطل تودعنا اليوم و ترحل عنا بدون جواز إلا جوازك إلى جنة عرضها السموات و الأرض أعدها ربنا إلى أمثالك من الذين صبروا و صدقوا ما عاهدوا الله عليه . ها أنت يا عريس الشهادة ترحل عنا اليوم بدون جواز إلا جواز حسناتك التى ستقودك بإذنه تعالى إلى مغفرة منه و رضوان ها أنت يا سيدى يا شهيد المنفى لم تتنكر لقضيتك حتى قابلت ربك مقبلا غير مدبر و لسان حالك يقول هيهات منا الذلة هيهات منا الذلة. ها أنت يا أخى يا جرحنا النازف يا شاهدا و يا شهيد خرجت من الدنيا فقيرا لم تترك ورائك لا درهما ولا دينارا تأسيا برسولنا الأكرم محمد عليه الصلاةو والسلام خرجت منها متخففا من أثقالها و متعها الزائفة و الزائلة لم تترك ورائك كما فعل الواهمون تجار الهزيمة مخابز و لاسيارات تاكسى و لا عقارات ولا عملات صعبة كما هو حال الحارقين من أوروبا إلى الوطن الجريح . ها أنت يا أيها الشهيد ترحل عنا اليوم لتعود إلى تربة الوطن الغالي لتعانق حبات الرمل و ملح الأرض التى أحببتها و أحبتك هي في إنتظارك يا محمد هي حتما في شوق لإحتظانك لضمك لصدرها الحنون كأمك و كأمهات أبناء شعبنا الطيب . ها أنت يا شبل من أشبال كلية منوبةالتونسية تغادرنا اليوم إلى عالم الخلود حيث الحق و العدل و الحرية بعد أن نال المرض الخبيث من كل جزء من جسدك النحيف لكنه عجز بفضل الله عن النيل من إرادتك الحرة حيث أسلمت الروح و أنت و فيا للمشروع الإسلامي العظيم منافحا عن ثوابته مواليا لرجاله و معاديا لأعدائه من آل السابع الظلمة . ها أنت يا شرف المنفى و المنفيين ترحل عنا اليوم و أنت تكبر الله مستبشرا ببيعك الذى بايعت فرحا بلقاء الأحبة محمدا و صحبه ضاحكا وساخرا من الأشقياء الذين أبعدوك عن وطنك و عن أهلك وأحبابك . ها أنت يا وجعنا و يا ألمنا يا أيها المفرد في صيغة الجمع يا إسما حركيا إختزل في داخله ثقافة جيل و حافظ بين أضلاعه النحيفة على إرث النبوة وآيات الذكر أن لا نركن إلى الذين ظلموا فتمسنا النار . نعم أخي محمد رحلت و لن تعود بعد اليوم إلى عالم الشقاء و الألم رحلت و لن ترى بعد اليوم وجوه السابع من نوفمبر الكالحة رحلت ولن تشتاق بعد اليوم إلى ريح الجنه لأنك بإذنه تعالى ستسكنها مع إخوانك الذين سبقوك من قبل مع عثمان بن محمود و حمدة بن هنية و مصطفى الحجلاوي و الطيب الخماسي و محرز بودقة و محمد الهادي النيغاوى و شهداء جانفي المجيد و الرديف و غيرهم من أبناء شعبنا الكريم . شرفك يا أيها البطل بأن الله شرفك بموتة شبيهة بتلك التى ماتها قبلك الصحابي الجليل أبوذر الغفاري فكلاكما مات فقيرا غريبا بعيدا عن الأهل و الأحباب و كلاكما عاش مقاوما للفساد و للظلمة و للمترفين . إلى جنة الخلد يا محمد المجد و الخلود في دار الخلود لك و لبقية الشهداء الصبر و السلوان للعائلة الكريمة في تونس و لكل أحبابك و إخوانك الخزي و العار للذين أبعدوك من شرذمة السابع ولتستمر معركة الهوية و الحرية و العاقبة للمتقين .