بشكل متعمد، ولشيء في نفس يعقوب، تكشف القناة الثانية عن قدرات إسرائيل النووية، ليصير السر الذي ظل دفين المصالح الأمنية، يصير لغة الإعلام الدولية، مع نشر التقرير المصور النادر لأهم المواقع الأمنية حساسية في إسرائيل، بل وتجرى القناة الثانية حواراً مع العاملين في الموقع، وتختتم تقريرها بجملة: والمخفي أعظم! فلماذا سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية لوسائل الإعلام بتصوير الموقع النووي الحساس، ونشر الأخبار عن قدرات إسرائيل النووية، في الوقت الذي تنفي فيه إسرائيل رسمياً امتلاكها السلاح النووي، وترفض التفتيش الدولي لمنشآتها النووية؟ لماذا وقد سبق أن عاقبت الرقابة العسكرية إعلاميين نشروا بعض المعلومات العسكرية عن حرب غزة؟. من الثابت أن الإعلام الإسرائيلي ليس بريئاً وهو ينشر المعلومات عن قدرات إسرائيل النووية، فهو جزء من المعركة، وسبق وأن نشر الإعلام الإسرائيلي قبل أسابيع الأخبار عن الاستنفار النووي الإسرائيلي ضد سوريا العربية ومصر العربية أثناء حرب أكتوبر 1973، وينشر الإعلام الإسرائيلي هذه الأيام الأخبار عن عمليات سرية بعيدة، قام بتنفيذها الكوماندوز البحري الإسراٍئيلي، ولا يمكن نشر تفاصيلها السرية! أجزم أن الهدف النفسي من وراء نشر هذه الأخبار المطمئنة للمجتمع الإسرائيلي أهم بكثير من تخويف العرب والمسلمين من امتلاك إسرائيل للسلاح النووي، ولاسيما أن استطلاعات الرأي داخل المجتمع الإسرائيلي قد أشارت قبل عام، وبأغلبية ساحقة؛ إلى رغبة الإسرائيليين في رزم حقائبهم والرحيل عن هذه البلاد إذا امتلكت إيران سلاحاً نووياً!. وفي هذا المقام لا يمكن تجاهل عاملين أثرا على المزاج الإسرائيلي، وأحدثا فيه الصدمة التي استوجبت شد أزره بالأخبار عن امتلاك إسرائيل لقدرات نووية مطمئنة، وهذان العاملان هما: التهديدات المتواصلة للرئيس الإيراني بزوال إسرائيل، والتحولات الإستراتيجية داخل المجتمع التركي، وعدائه المعلن لدولة الكيان الصهيوني، فإذا أضيف لما سبق قدرات المقاومة العسكرية في الجنوب اللبناني، وفي قطاع غزة، انجلت الصورة عن فزع يطوف شوارع المدن الإسرائيلية، ويدخل المطابخ وغرف النوم لأول مرة في تاريخ إسرائيل. لقد اجتهدت إسرائيل عشرات السنين، وتآمرت مع قوى دولية ومحلية لتدمير قدرات دول الطوق العربي، وإزالة الخطر القريب عن إسرائيل، وعندما حسبت نفسها قد نجحت، واطمأنت إلى ذلك، جاءها الخطر الماحق من بعيدٍ، من قريبٍ ومن بعيدٍ!.