عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل - اليوم آخر أجل لدفع معلوم الجولان لهذه السيارات    ربط أكثر من 3500 مؤسسة تربوية بشبكة الألياف البصرية ذات التدفق العالي بالأنترنات    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    عاجل/ في نشرة متابعة: تقلبات جوية وامطار رعدية بعد الظهر بهذه الولايات..    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    عاجل/ منخفض جوي شبيه بمنخفض جانفي وفيفري..هكذا سيكون الطقس خلال الأيام القادمة..    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    حكم قضائي في حق اجنبي متهم في قضية ذات شبهة ارهابية    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    فرص واعدة للمؤسسات التونسية في FITA2025: تونس تستقبل القمة الإفريقية يومي 6 و7 ماي 2025    عامر بحبة: أسبوع من التقلبات الجوية والأمطار الغزيرة في تونس    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق وإصابة مرافقه    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    من الثلاثاء إلى الخميس: انقطاع مياه الشرب في هذه المناطق بالضاحية الجنوبية للعاصمة    حصيلة المشاركة التونسية في البطولة العربية لألعاب القوى بالجزائر: 19 ميدالية....    ترتيب لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع..    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    باكستان تصعد حظرها التجاري ضد الهند    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    وزارة العدل توضّح    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    بوشبكة.. حجز أجهزة إتصال متطورة لدى اجنبي اجتاز الحدود بطريقة غير قانونية    الليلة: أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 25 و29 درجة    دخل فرعا بنكيا لتحويلها.. حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرنسا تدفع ثمن الغطرسة والحماقة : د. أكرم حجازي
نشر في الفجر نيوز يوم 30 - 10 - 2010

مشكلة الغرب أنه عنصري حتى النخاع، ولا أخلاقي في تعامله مع الشعوب المستضعفة حتى وهو يمارس أبشع عمليات القتل، بل أن مشاعر النشوة بالانتصار والاستعلاء لا تبلغ ذروتها عنده إلا حين يٌسقِط كل ما لديه من القيم الوحشية على الضحية سواء كانت فردا أو جماعة أو دولة أو حتى أمة. وبطبيعة الحال ما من نشوة تعادل نشوته حين يتعلق الأمر بأمة كسيرة ومهيضة الجناح كأمة الإسلام والمسلمين خاصة وقد غدت مستهدفة في وجودها وهويتها وحتى في عقيدتها. وبالتالي فليس مقبولا ولا معقولا أن يخرج من يلحق الأذى بالغرب أو بمواطنيه ناهيك عن أن تتعرض دوله ل « ابتزاز» من أمة يسودها الانحطاط. هذه هي الثقافة التي تتصاعد وتيرتها في الغرب بين الناس!

لذا؛ رسميا، وفي خضم كواليس الخداع والكذب على الشعوب، قد تتحمل حكومات الدول الغربية، التي تحتل بعض بلاد المسلمين احتلالا مباشرا، مقتل بعض جنودها، وقد تقتلهم بطائراتها كي تجنبهم الوقوع في الأسر، وتقدم التبريرات التي تراها مناسبة لأهاليهم؛ وقد تنجح في التورية إلى حين دون أن يفتح أحد ما كشف الحساب معها خاصة وأنها في ساحات المواجهة العسكرية. لكن هذا الأمر يُفتضح ما أن يتعرض بعض مواطنيها للخطف ويصبحوا رهائن. ولا شك أنها نهاية أشد وقعا من القتل على الرأي العام المحلي. لأنه سيعني، بالنسبة للحكومة، الاستعداد لتحمل تداعيات الموقف شعبيا، والاستعداد لاستنزاف في هيبة الدولة وربما الانقلاب على الحكومة إذا ما تلاعبت في مصير مواطنيها دون احترام لحياتهم ومشاعر أهاليهم والعامة. هكذا فلا الناس يمكن لهم أن يبتلعوا مثل هذه الحوادث ولا الدولة بمنآى من التقريع إذا ما وقعت في مثل هذه الأشراك والفخاخ. فهل هذا ما سعت إليه القاعدة حقا في ضوء رسالة الشيخ أسامة بن لادن للفرنسيين؟ لنرى.

حين كانت القاعدة توجه رسائل التهديد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عبر المعادلة الأمنية الشهيرة، كان ثمة رسائل أخرى تتجه نحو الحكومات والشعوب الأوروبية تحاول حثها على الابتعاد عن الموقفين الأمريكي والبريطاني، وعدم الانزلاق في حروب ليسوا بحاجة لها. لكن بطبيعة الحال لا يمكن لأوروبا الحليفة للولايات المتحدة أن تصغي كثيرا لمثل هذه النصائح. لكن إسبانيا بالذات، خاصة بعد تلقيها ضربة موجعة في 11/3/2005 ، مثلت نوعا من الشذوذ الغربي، المبكر، في تعاملها مع القاعدة انتهى ب (1) إزاحة خوسيه ماريا أزنار عن الحكم و (2) سحب جنودها من العراق و (3) تحرير رهائنها المختطفين لدى قاعدة المغرب الإسلامي.

لكن فرنسا، وبعد انسحاب دام أكثر من أربعين سنة من حلف شمال الأطلسي عادت إلى حظيرة الحلف عودة أيديولوجية شديدة العداء للإسلام خاصة في ظل حكومة الرئيس الحالي نيكولاي ساركوزي. وجاءت عودتها في وقت يبدو فيه الحلف في أضعف حالاته تاريخيا؛ وفي وقت ضعفت فيه الولايات المتحدة وبريطانيا وفشلتا عسكريا في كافة ساحات المواجهة الساخنة؛ وفي ذروة الأزمة الاقتصادية وتداعياتها المستمرة والتي تنذر بخطر شديد يهدد النظام الرأسمالي برمته؛ وفي وقت شعرت فيه فرنسا أنها في عافية مقارنة بغيرها، والأقل تضررا من الأزمات التي عصفت بالعالم في العشرية الأخيرة من القرن الحالي. ولا شك أن مثل هذه الظروف والأسباب أغرت فرنسا ودفعت بها إلى التقدم خطوة باتجاه « لهط » ما تبقى من ثروات مستعمراتها السابقة في شمال أفريقيا، لاسيما وأن الولايات المتحدة حرمتها من عقد واحد في العراق عقابا لها على موقفها عشية غزوه.

ولا شك أيضا أن فرنسا، وهي الدولة غير المرحب بها عسكريا بسبب وحشية تاريخها الاستعماري، تعلم بأنها تغامر في العودة إلى منطقة الصحراء الكبرى التي تعادل مساحتها أكثر من نصف مساحة أوروبا، وتنتشر فيها القاعدة دون أن تنال منها القوى الإقليمية والدولية، بل ودون أن تنال أية قوة من توسعها باتجاه نيجيريا والساحل، ودون أن تحاصر تضخمها التنظيمي عبر توظيف قوى التمرد في المنطقة أو إخضاعها، فضلا عن قدرتها في توظيف الصراعات السياسية والعرقية التاريخية لتصب في صالحها. فالجماعة السلفية للدعوة والقتال لم تبايع القاعدة - المركز أو تسمي نفسها ب « قاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي» لتظل حبيسة جبال الأورواس وورقلة وبرج بوعريريج والمدية وتيزي ووزو وغيرها من السلاسل الجبلية في الجزائر. فما من أحد من المحللين أو المراقبين يستطيع أن يتنبأ بسهولة أو بصعوبة بنوايا القاعدة وخططها، أو يقرأ بعض مظاهرها إلا بعد مضي بعض الوقت حيث تتجلى بعض الملامح التي تسمح بالمراقبة.

هكذا إذن؛ فإنْ كان لا بد من عودة فرنسا إلى مستعمراتها في منطقة باتت شديدة الخطورة فلا بد أيضا من توقع خسائر باهظة أحيانا. لكن ما لم تتوقعه فرنسا أن تأتي الطعنة من إسبانيا قبل غيرها. ولعل فرنسا كانت غافلة حين استدرجتها القاعدة، فعلا، إلى فخها ونجحت في التفاوض مع إسبانيا على تحرير بعض الرهائن الإسبان والأوروبيين مقابل فدية مالية، وهو ما تكرهه فرنسا علنا وتستبيحه سرا.

وبما أن السياسة الغربية عموما وخصوصا من المفترض أنها لا تتفاوض مع من تعتبرهم « إرهابيين» لاسيما إنْ كانوا من علامة القاعدة المسجلة دوليا في كل محفل وزاوية، فقد أصيبت فرنسا ب « هستيريا» جراء السلوك الإسباني مما دفعها للرد ولو ضمنيا عبر أعلى سلطة سياسية في البلاد! إذ قال الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي: « إن الاستراتيجية الوحيدة ضد الاختطاف لا يمكن أن تعتمد على دفع فدى وتحرير سجناء مقابل رهائن أبرياء». عبارة ال « لا يمكن» هذه لم تعجب إسبانيا التي أوكلت لكاتبة الدولة للتعاون الدولي سورايا رودريجيث الدفاع عن سياسة بلادها بالقول ب: « أن التدابير الدبلوماسية والإستخباراتية هي التي سمحت بالإفراج عن ستة مواطنين أوروبيين من أصل سبعة كانت القاعدة في المغرب الإسلامي تختطفهم». وأوضحت بأن حكومتها تصرفت: « منذ اللحظة الأولى من خلال كل أشكال الجهود الدبلوماسية والاستخباراتية مع حكومات المنطقة والحكومات الأوروبية من أجل القيام بما يجب أن تقوم به أي حكومة حين تكون حياة وسلامة رعاياها موضع خطر، ألا هو العمل على ضمان أمنهم والتمكن من إعادتهم إلى بلادهم بأسرع وقت ممكن»، بل أن كاتبة الدولة ردت بقسوة أكبر على الموقف الفرنسي حين كشفت بصريح العبارة عن: « إن حكومتها تصرفت من أجل سلامة رعاياها وعودتهم إلى ديارهم، كما تصرفت حكومات أوروبية أخرى متجنبة التعليق على موضوع دفع الفدية»!

فإذا لم تكن إسبانيا، فضلا عمن سبقها، تتمتع إلا بقليل من شرف لم يشفع لها إزاء استباحة القاعدة لحرماتها، فلأن فرنسا لم تكن أصلا تتمتع ولو بالقليل من الطهارة التي تؤهلها لانتقاد شقيقتها. فقد سبق لها وفاوضت على تحرير الرهينة بيير كامات Pierre Camatte وإطلاقه بسلام، وهي التي كانت تجري مفاوضات سرية مع القاعدة بهدف تحرير ميشيل جيرمانو فإذا بها تتصرف « بلا شرف» لما دفعت بوحداتها الخاصة والاستخبارية إلى قلب المفاوضات لتمارس « غدرتها » التي تسبب بمقتل الرهينة جيرمانو (24/7/2010). ويبقى الأسوأ في الموقف الفرنسي هو الحماقة. إذ أن الفشل كشف حقيقة النوايا الفرنسية الجديدة في المنطقة. فهي مارست غدرا صريحا أكرته ثم اعترفت به، وتدخلت بقوات عسكرية وأمنية، وكانت على استعداد مسبق للتضحية برعاياها، وأن انتقادات الرئيس ساركوزي لإسبانيا لم تكن لتعبر عن مبادئ بقدر ما كانت تخفي نوايا مبيتة، ونسجت تحالفا خاصا مع الحكومة الموريتانية التي صرح أحد أقطاب الحكم فيها عن استعداد موريتانيا للتحالف مع الشيطان لمحاربة القاعدة. وهكذا؛ فإذا كانت القاعدة قد استعملت إسبانيا وغيرها للإيقاع بفرنسا فقد سهلت هذه الأخيرة المهمة!

وعليه فقد كانت عملية تحرير الرهينة جيرمانو مهينة لدولة حركت بعض فرقها، وخاضت حربا لتعود بالنهاية محملة بفضيحة مدوية وخيبة مريرة، فلا هي أنقذت الرهينة، ولا هي تجنبت ما يعرضه للخطر، ولا حافظت على حياته، ولا حظيت حتى بجثته، فضلا عما أشيع من مقتل قرابة العشرة من وحداتها المهاجمة. والأهم من هذا وذاك أن سلوكها « الغادر» استفز القاعدة التي اضطرت لإعدام الرهينة (22/7/2010) بهدف قطع الطريق على جدوى استمرار الهجوم الفرنسي وإنقاذ مقاتليها بعد أن فقدت منهم ستة، ودفعتها لإطلاق تهديدات بمعاقبة فرنسا على سلوكها هذا، إذ بحسب البيان الصوتي لأمير قاعدة المغرب فقد: « عجزَ سركوزي أن يحرِّر مواطنه بهذه العملية الفاشلة, لكنه بكل تأكيد فتح بها على نفسه وعلى شعبه وبلده بابًا من أبواب الجحيم – 31/7/2010». فهل يمكن لفرنسا أن تزعم بعد أنها من جماعة ال « لا يمكن»؟

لم يطل الوقت حتى تلقت فرنسا صفعة مدوية حين نفذت قاعدة المغرب الإسلامي تهديداتها ليلة 16/9/2010، ونجحت باختطاف سبعة رهائن بينهم خمسة فرنسيين قرب بلدة « أرليت » شمالي النيجر حيث تقع إحدى أكبر منشئات استخراج اليورانيوم في العالم. أما الرهائن، بحسب المصادر الفرنسية، فيعمل خمسة منهم في منجم لليورانيوم تابع لشركة « فينتشي» للبناء، واثنين آخرين يعملون لدى شركة « أريفا» للتكنولوجيا النووية المملوكة للدولة، والتي توظف ألفي عامل بينهم خمسين فرنسيا.

وبحسب بيان « قاعدة المغرب الإسلامي – 21/9» فقد جاءت عملية الاختطاف: « في سياق الرد الذي توعد به أميرنا الشيخ (أبو مصعب عبد الودود حفظه الله) فرنسا»، وأوضح البيان أن العملية نفذت: « رغم الإجراءات العسكرية المشددة بالمنطقة والأطواق الأمنية المتعددة»، كاشفا عن أن من بين المختطفين: « خمسة خبراء نوويين فرنسيين تابعين لشركة آريفا». ومن جهتها أشارت مصادر إعلامية إلى أن القاعدة التي اخترقت المنشأة قامت بجمع العاملين فيها وانتقاء أهدافها من الرهائن بدقة، الأمر الذي خلّف انطباعا بأن المنشأة كانت ضحية اختراقات أمنية واستخبارية سهلت وصول القاعدة إليها وتنفيذ عمليتها دون مخاطر تذكر! وسواء صحت رواية وسائل الإعلام هذه أو لا فمن الواضح أن القاعدة لم تكن تستهدف قتل أحد من العاملين ناهيك عن امتناعها مثلا عن تدمير المنشأة، ربما لخشيتها من التسبب بأضرار بيئية وسكانية مدمرة في المنطقة.

لكن الفقرة التالية كانت أعجب ما في بيان القاعدة: « ونحن إذ نعلن تبنينا لهذه العملية المباركة فإننا نبلغ الحكومة الفرنسية بأن المجاهدين سيبلغونها مطالبهم المشروعة لاحقا، كما نحذر من مغبة ارتكاب أي حماقة ثانية لأن مآلها الفشل بكل تأكيد ولأن مصيرها سيكون باهظا بلا شك». فمن المألوف أن كل عملية احتجاز لرهائن سيتبعها، بالضرورة، الإعلان عن حزمة من المطالب. وهو الأمر الذي أخرج فرنسا من جماعة ال « لا يمكن» حين أعلنت عن استعدادها للتعامل مع الموقف حفاظا على حياة مواطنيها خلافا للمرات السابقة. لكن القاعدة التي بثت شريطا مصورا عن الرهائن السبعة في 29/9/2010 خيبت ظن فرنسا بامتناعها عن الإعلان عن أية مطالب.

هذا الموقف أثار شهية أنصار تيار الجهاد العالمي الذين شعروا وكأنهم مدعوون لإبداء آرائهم، ورأوا أن الفرصة سانحة للتعبير عن اقتراحاتهم. فطالب بعضهم « قاعدة المغرب» بإدراج اسم كارلوس على قائمة المطالب، وبعض آخر اقترح أسماء شهيرة كساجدة الريشاوي وعافية صديقي والشيخ عمر عبد الرحمن والخديم ولد السمان، وبعض ثالث اقترح المطالبة بالإفراج عن السجينات الفلسطينيات لدى إسرائيل بهدف الاقتراب فعليا من القضية الفلسطينية ... ومن جهتها نقلت وسائل الإعلام عن وسيط بين القاعدة وفرنسا زعم بأن القاعدة تطالب بمليون يورو ووقف حظر النقاب والإفراج عن بعض السجناء مقابل الإفراج عن الرهائن. ومع ذلك ظلت « قاعدة المغرب» صامتة. فما الذي حصل فعلا؟

لا ريب أن القاعدة تعاني من ضعف في التمويل بسبب المراقبة الشديدة لحركة انسياب الأموال دوليا. وهو ما عبرت عنه على لسان رموزها أكثر من مرة. ولا شك أيضا أن مثل هذا الأمر دفع بعض المحللين إلى الاعتقاد بأن « قاعدة المغرب» تكفلت، على نحو ما، بسد ثغرة التمويل عبر عمليات الاختطاف للرعايا الأوروبيين في منطقة شاسعة يصعب السيطرة عليها. لكن مع اختطاف السبعة؛ والامتناع عن التصريح بأية مطالب فوجئ المراقبون بأن « قاعدة المغرب» أحالت ملف المختطفين برمته إلى القاعدة - المركز، وهو الأمر الذي وضع فرنسا في موقف مثير لا تحسد عليه ولم تكن تتمناه.

ففي 27/10/2010 بثت وسائل الإعلام رسالة صوتية قصيرة جدا للشيخ أسامة بن لادن تَبيّّن فيها أن القاعدة - المركز غيرت، في المغرب الإسلامي، كل قواعد الاشتباك مع فرنسا خاصة. صحيح أن فرنسا تواجه مشكلة في المغرب لكنها باتت مضطرة إلى التوجه لأفغانستان لا لتفاوض فقط بل ولكي تفهم ما يجري! بمعنى آخر لم تعد فرنسا تواجه مشكلة محصورة بتحرير رهائن خطفتهم القاعدة، ولا بتطمين الرأي العام على حياة هؤلاء، ولا بمبادئ تدافع عنها، ولا بخسائر مالية قد تتكبدها، ولا باختراقات أمنية لمنشئات حيوية ذات سيادة قومية كما تقول، ولا بانسحابها فقط من أفغانستان ... بل بمطالب أمنية وسياسية مع المركز ذاته غالبا ما كانت القاعدة توجهها بشكل خاص إلى الولايات المتحدة وبريطانيا.

فالرسالة التي قد لا تتعدى دقيقتين لم تطالب بفدى مالية رغم أن الهدف ثمين جدا! لكنها وضعت فرنسا، ومن موقع الشعور بالقوة، تحت سيف المعادلة الأمنية التاريخية المرعبة التي تقول: « إن كنت قد تعسفتم ورأيتم أن من حقكم منع النساء الحرائر من وضع الحجاب؛ أليس من حقنا أن نخرج رجالكم الغزاة بضرب الرقاب؟ بلى». لذا: « فالمعادلة يسيرة واضحة: كما تقتلون تُقتلون وكما تأسرون تؤسرون وكما تهدرون أمننا نهدر أمنكم والبادي أظلم».

كما وضعتها تحت سيف المعادلة السياسية التي لا تتقبل أي شكل من أشكال الظلم أو التدخل أو الاستعمار خاصة في ضوء الاندفاع الفرنسي باتجاه المنطقة. فبحسب الرسالة ثمة تساؤلات تنكر على فرنسا معادلاتها مثل:

· « كيف يستقيم أن تشاركوا في احتلال بلادنا وتناصروا الأمريكيين في قتل أطفالنا ونسائنا ثم تريدون العيش بأمن وسلام؟
· وكيف يستقيم أن تتدخلوا في شؤون المسلمين في شمال وغرب أفريقيا خاصة وتناصروا وكلائكم علينا وتأخذوا كثيرا من ثرواتنا بصفقات مشبوهة بينما أهلنا هناك يقاسون ألوانا من البؤس والفقر؟ ».

تهديدات القاعدة هذه لا يمكن تجاوزها بالمنطق الفرنسي الهجومي، سواء على المنطقة المغربية أو على الإسلام، فحتى « السلام على من اتبع الهدى» ليست على إطلاقها بقدر ما تبدو مشروطة، بحسب القاعدة، باعتراف فرنسا وإقرارها بأن:

· « السبيل لحفظ أمنكم هو برفع جميع مظالمكم وأثارها عن أمتنا ومن أهمها انسحابكم من حرب بوش المشؤومة في أفغانستان»؛
· وبأنه: « آن لما يسمى بالاستعمار المباشر وغير المباشر أن ينتهي»؛
· مع التذكير، خاصة، بأن الدخول في مواجهة مباشرة مع الإسلام بصيغة الجهاد العالمي والقاعدة باتت مواجهة خاسرة، ومن مخلفات الماضي: « ولكم أن تتدبروا فيما آل إليه حال أمريكا نتيجة هذه الحرب الظالمة حتى شارفت على الإفلاس في جميع المحاور المهمة، وغدا سترجع إلى ما وراء الأطلسي بإذن الله».

أخيرا

المؤكد الأول أن « قاعدة المغرب» وضعت فرنسا في مواجهة مباشرة مع القاعدة - المركز، وأجبرتها على دفع ثمن غطرستها وحماقتها. والمؤكد الثاني أن رسالة بن لادن واضحة بنفس القدر الذي تبدو فيه، من جوانب أخرى، شديدة الغموض! فالتحليل أعلاه لا ينفي البتة أن للقاعدة مطالب لا بد من الإعلان عنها لحل أزمة المختطفين السبعة التي لا يمكن أن تبقى معلقة إلى الأبد، وهو ما لم يتضح حتى الآن. لكن تدخل القاعدة – المركز في المسألة هو الذي عقّد الوضع، وسدّ الأبواب على فرنسا، وأحرجها، وطعن في هيبتها وقدرتها على السيطرة، وأربك السياسيين مثلما فتح شهية المحللين. والمؤكد الثالث أيضا أن مطالب القاعدة للإفراج عن المختطفين لن تكون بأقل من مطالب الرسالة ذاتها ومضمونها والأهم هيبة صاحبها. فما الذي سيحصل؟ وكيف ستتصرف فرنسا؟ هذا ما نضعه تحت الرصد والمراقبة في قادم الأيام.
30/10/2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.