في كتابين عن : «ساركوزي في الشرق الأوسط»و«العملية العسكرية "الإسرائيلية" الأخيرة على غزّة: رصاص مصبوب». باريس – أنطوان جوكي أطلق الكاتب فاروق مردم بك، مدير سلسلة «سندباد» لدى دار «أكت سود» الباريسية، بالتعاون مع «معهد الدراسات الفلسطينية» (بيروت)، سلسلة جديدة من الكتب، لدى الدار نفسها، تحمل عنوان «دراسات فلسطينية» وتهدف إلى نشر أبحاث علمية تشكّل المسألة الفلسطينية محوراً أساسياً ولكن غير حصري فيها. باكورة هذه السلسلة كتابان مثيران، الأول بعنوان «ساركوزي في الشرق الأوسط»، والثاني بعنوان «العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على غزّة: رصاص مصبوب». الكتاب الأول يقترح تفسير مداخل التوجّه الجديد للسياسية الفرنسية في العالم العربي ومخارجها، منذ وصول نيكولا ساركوزي إلى رئاسة الجمهورية، عبر مجموعة مقالات لباحثين وصحافيين فرنسيين لا يخفون قناعتهم بأن هذا التحوّل في سياسة فرنسا، القائم على إعادة نسج علاقات مميّزة مع إسرائيل، لم يأتِ (ولن) بنتيجة أخرى سوى الأذى والضرر في وقت يسعى المسؤولون الإسرائيليون في شكل يومي إلى هدم القواعد التي قد يركن إليها أي حل عادل للمسألة الفلسطينية وللصراع العربي - الإسرائيلي. وفي مقدّمه لهذا العمل الجماعي، يتوقف مردم بك عند أسباب هذا التحوّل مبيّناً أن خلف رغبة ساركوزي في التمايز عن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، رغبّةً أخرى واضحة في وضع حدّ لما يُعرف ب «الاستثناء الفرنسي» في السياسة الخارجية (منذ ديغول)، خصوصاً في الشرق الأوسط، رغبة تنبثق من تناغُم أيديولوجي مع إسرائيل عبّر ساركوزي عنه مراراً خلال تصريحاته في الولاياتالمتحدة وإسرائيل، قبل وبعد انتخابه، ويدفعه إلى تحديد موقفه وفقاً لرؤية مثالية لإسرائيل، وبالتالي لتصوّر ضال وخاطئ لأمنها. تكشف المقالات في هذا الكتاب ومن دون أن تدّعي الشمولية، طبيعة هذا التناغم ونتائجه الخطيرة على وضع المنطقة برمّته، متوقّفةً عند قضايا خمس رئيسة هي: سياسة ساركوزي في العالم العربي ككل، مشروع «الاتحاد من أجل المتوسّط» الذي أطلقه في بداية عهده، التعاون الاستراتيجي والاقتصادي الجديد بين فرنسا وإسرائيل، ضلال بعض الوجوه الفكرية الإعلامية الفرنسية التي التحقت بساركوزي بعد انتخابه، والميول الانتحارية لإسرائيل. في الفصل الأول يقوم الجامعي آلان شونال بجردة حساب لسياسة ساركوزي الخارجية يتجلى فيها فشله في منطقة حوض المتوسط وفي العالم العربي والإسلامي، كما يتجلى فيها تقليصه الحقل الديبلوماسي إلى مجرّد عمل اتصالي قصير الأمد، وانعدام أي ثقافة أو رؤية تاريخية لديه. وفي هذا السياق، يبيّن شونال أن قطيعة ساركوزي مع أسس السياسة الخارجية الفرنسية التقليدية لم تأت نتيجة نظرة إلى عالم معقّد أكثر فأكثر، بل نتيجة تبنّيه بلا مواربة رؤية المحافظين الجدد في أميركا التي تقسم العالم في شكل ساذج وخطير إلى غرب مسيحي ديموقراطي مهدَّد وشرق إسلامي أصولي مُهدِّد. وهذا ما يفسّر، في نظره، عودة فرنسا إلى داخل القيادة الموحّدة للحلف الأطلسي بلا أي مقابل، بل بتكلفة مالية باهظة، والتصلّب غير المعهود في إدارتها للملفين الفلسطيني والإيراني. ولا يتوقّف شونال عند هذا الحد بل يكشف أيضاً تدهور العلاقات الفرنسية مع دول المغرب العربي وتركيا بسبب أخطاء ساركوزي التاريخية وقصر نظره وتطرّف خطابه اليميني. في الفصل الثاني الذي خطّه المؤرّخ إيمانويل إسبانيول والنائبة الأوروبية السابقة بياتريس باتري، تتجلى أهداف ساركوزي الحقيقية من مشروع «الاتحاد من أجل المتوسّط»، ما وراء تصريحاته الجميلة عام 2007، وأسباب فشله في بلوغ هذه الأهداف التي ستدفعه إلى التخلّي عن آليات تنفيذ هذا المشروع للاتحاد الأوروبي. لكن المهم في هذه المقالة خصوصاً هو تفكيكها أسطورة تنامي الشعور الديني والتطرّف في أوروبا والعالم العربي وإظهارها بالأرقام والأدلة أن معظم المتديّنين على جميع شواطئ المتوسّط يمارسون دينهم بانفتاح واعتدال، وأن تأثير الأديان على المجتمعات والقرارات السياسية يتراجع في شكل تدريجي ثابت، وأن الأقليات الأصولية، إسلامية كانت أم مسيحية، خسرت معركتها للسيطرة الشاملة على مجتمعاتها. في الفصل الثالث، تكشف الصحافية إيزابيل أفران الصداقة الحميمة التي تربط ساركوزي بإسرائيل على ضوء خطابات المدح والإطراء الغزيرة التي تبادلها الطرفان، ولكن أيضاً على ضوء أفعال الرئيس الفرنسي ومواقفه منذ عام 2007 وحتى اليوم. وفي الفصل الرابع، يبيّن المؤرّخ برنار رافنِل ومدير «مرصد التسلّح» باتريس بوفري تطوّر التعاون الاستراتيجي بين فرنسا وإسرائيل على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي منذ وصول ساركوزي إلى سدة الحكم، ودعم السلطات الفرنسية سياسة المواجهة التي تعتمدها إسرائيل مع الفلسطينيين وإيران، خصوصاً خلال عملية «الرصاص المصبوب» على غزة العام الماضي. وفي الفصل الخامس، يحلل مدير تحرير مجلة «بوليتيس» الأسبوعية، دوني سيفِّر، الأسباب الثقافية والأخلاقية التي دفعت بعض المفكّرين اليساريين الفرنسيين إلى الالتحاق بساركوزي، كاشفاً انتماءهم إلى شبكات المال والسلطة التي كانت مخفية حتى ذلك الحين وميل معظمهم لمنطق القوة والأمن في معالجة المسائل الاجتماعية والدولية وافتتانهم بالصهيونية كأيديولوجيا مبنية على تمجيد القوة وكرههم للإسلام. ومن بين هؤلاء: مستشار جميع «الأمراء»، آلان مينك، العالم السياسي نيكولا بافيريس، المفكّر جاك أتالي، «الفيلسوفان» برنار هنري ليفي ولوك فيري، الناشطان في أقصى اليسار سابقاً أندريه غلوكسمان وباسكال بروكنر... وفي الفصل السادس والأخير من الكتاب، يقارب المؤرّخ والصحافي دومينيك فيدال ميول إسرائيل المرضية والانتحارية لكون معظم الناس والمسؤولين فيها ما زالوا يعيشون في خوف استيهامي من زوالهم على يد جيرانهم العرب أو الفُرس، كتكرار لمحرقة اليهود، في حين أن الحقيقة التي يعرفها العالم أجمع هي عكس ذلك تماماً. فأي رجل عاقل اليوم يمكنه أن يصدّق أن دولة مثل إيران لم تتمكّن بعد من صنع قنبلة نووية واحدة، قادرة على تهديد أمن إسرائيل التي تملك نحو 300 رأس نووي؟ العالم تغيّر، في نظر فيدال، وإسرائيل 111506b.jpg بدأت تتحوّل من حليف ثمين إلى عبء على الغرب عموماً، وعلى الولاياتالمتحدة وإدارة أوباما خصوصاً، كما يتجلى ذلك في تصريحات رئيس الموساد، مائير داغان، وسفير إسرائيل في واشنطن مايكل أورن. ويرى فيدال أن هذا الخوف يشغل إسرائيل عن تحدّيات داخلية (اجتماعية واقتصادية) خطيرة هي التي تهدّد وجودها في حال عدم مواجهتها. أما كتاب «رصاص مصبوب» فيمنحنا معلومات كاملة وموثّقة حول العملية الإسرائيلية على غزة التي حملت هذا الاسم، بتضمّنه الملف الذي وضعه «معهد الدراسات الفلسطينية» في واشنطن حول هذه العملية. ويُعتبر بفضل دقّته وغزارة مصادره مرجعاً أساسياً. ويضم ثلاثة فصول من تقرير لجنة غولدستون المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان في الأممالمتحدة، نتعرّف فيها إلى الأهداف السياسية لهذه العملية وإلى الاستراتيجية العسكرية التي وضعها الإسرائيليون لبلوغ هذه الأهداف. الحياة