بقلم : فؤاد ثامر: صحفي يمني مقيم بتونس ربما أصبح اليمن محط عدسات الكثير من القنوات الفضائية العريية منها والعالمية ووسائل الاعلام المختلفة أكثر من أي وقت مضى، نظرا لما يحدث على الساحة اليمنية من مستجدات جعلت منه مادة دسمة تكتسح أولويات نشرات الأخبار وصفحات المواقع والصحف المختلفة. وقد عملت بعض وسائل الاعلام هذه على نقل الصورة الحقيقية لما يحدث في اليمن ومنها من بالغ في الامر حتى صارت اليمن أشبه بأفغانستان أو عراق آخر، والصواب فيما نقل ان اليمن كغيره من البلدان العربية والاسلامية يتعرض لمحنة مؤامرة اقليمية سرعان ما تتكشف خيوطها وتفشل خطوطها ولو بعد حين نظرا لما عرف به اليمنيون من حكمة في حل مشاكلهم الداخلية وفي جسارتهم ضد أي تدخل خارجي في شؤونهم الداخلية. يتساءل المواطن العربي عموما عن ماذا يجري في اليمن بالضبط؟ فيعتقد البعض ان النظام اليمني قد تعدى حقوق مواطنيه وحرياتهم، وانه يمارس انتهاكات جمة لحقوق شعبه ضد ما يسمى بالحوثيين، ويستخدم السلاح والعتاد ضدهم بتوجيهات من أمريكا!! (في إطار حربها ضد الارهاب)، لكن الحقيقة أن هؤلاء الحوثيين ما هم الا أناس خارجون عن القانون اتخذوا من الدين وسيلة لبث سمومهم في فكر الشباب المغرر بهم ممن يقاتلون معهم من خلال المراكز الدينية والمعاهد العلمية التي انشأوها منذ منتصف التسعينات في محافظة صعده التي كان يدرس فيها المذاهب الشيعية الايرانية مستغلين غياب سلطة الدولة، وتدني مستوى التنمية والبنى التحتية، وانتشار الفقر، وارتفاع نسب الامية في المنطقة، الامر الذي تم استغلاله لتغيير الفكر، وتشويه الدين، وقلب الحقائق، وزرع الفتنة، والذي انتهى أخيرا بإعلان الجهاد ضد أمريكا واسرائيل بدءا بالحرب ضد الجيش والامن اليمني لأنهم عملاء وخونة مع أمريكا واسرائيل حسب زعمهم فمنهم هؤلاء الحوثيين؟ الحوثيون هم في الأصل أسرة هامشية تقطن قرية تسمى قرية الحوثي في جبال مران التابعة لمحافظة صعده (موطن المعارك) وبدرالدين الحوثي الذي يقود أولاده التمرد هو أحد أبرز المراجع العلمية للمذهب الزيدي (أقرب مذاهب الشيعة للسنّة) لكنه ينتمي الى فرقة تسمى الجارودية وهي فرقة مغالية في المذهب الزيدي، وله خلاف مع علماء الزيدية والمناهضين لخط الإمامية الإثني عشرية، عارض باجتهاداته العلمية بشدة فتوى علماء الزيدية في كثير من المسائل مما سبب له متاعب جمة أدت الى مغادرته الى ايران وظل فيها سنوات ثم عاد الى صعده ليمارس بث سمومه الفكرية المغالية والمتعصبة تجاه مجتمع الاعتدال والوسطية التي يتمتع بها المجتمع اليمني قاطبة، وهو ما أكدته مئات السنين من التعايش والانسجام بين المذهبين الزيدي والشافعي المذهبان الرئيسيان في اليمن اللذان عاشا في وئام وسؤدد طيلة أكثر من ألف عام. وقد أدى التفاف الشباب المغرر بهم خلف هذه الأسرة الى تسميتهم بالحوثيين، التي غرست فيهم حب القتل، وسفك الدماء في سبيل الجهاد في سبيل الله!! من خلال تغيير أفكارهم بأفكار التعصب الأعمى لآل البيت، وغرس الحقد المذهبي بين صفوفهم، والتشكيك في ايمان الآخرين ووطنيتهم، كل هذا جعلهم يبدأون بالخروج عن النظام الجمهوري ايمانا منهم بأنها البداية لمحاربة اسرائيل وأمريكا وتحرير فلسطين وأن التغيير لا بد أن يبدأ من الداخل، وقد رفعوا شعار «الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل» كي يستعطفوا بها قلوب الناس ويكسبوا تأييدهم في حربهم ضد الحكومة والجيش اليمني. وقد حاولت الحكومة اليمنية منذ عام 2004 وحتى اليوم استخدام لغة الحوار مع الحوثيين حقنا للدماء والأرواح وحفاظا على أموال الشعب لما تترتب عليه هذه الحرب من خسائر باهظة تكون بطبيعة الحال على حساب اقتصاد البلاد وسير التنمية فيها، حيث حاولت الحكومة اليمنية طيلة خمسة حروب مع الحوثيين ان يتوصلوا الى حل سلمي يتم فيه استخدام لغة الحوار ونبذ العنف لحل كافة الاشكالات وتلبية كافة المطالب المشروعة، لكنهم آثروا لغة الرصاص وسفك الدماء، وإباحة الأعراض وسلب الممتلكات التي كانت الرد الأخير في كل جولة من جولات الحرب الأولى. لم يأت قرارهم هذا من فراغ وإنما وفقا لما أثبتته الأيام من وجود دعم ايراني سخي لهذه المجموعة لاستغلالهم كورقة ضغط اقليمية وفقا للمصالح الايرانية البحتة كي تكون قريبة من المصالح الأمريكية في المنطقة لتعزيز مواجهتها مع الغرب في صراعها الحاد معهم ضاربة بمصالحها مع اليمن عرض الحائط في محاولتها لاستنساخ حزب الله في شمال اليمن، لكن الأمر هنا مختلف كونه لا توجد اسرائيل أخرى في دول الجوار اليمني، وربما كان نوعا من رد المعروف لليمن، فاليمن طالما دفعت ثمنا باهظا لمواقفها العربية والاسلامية، فقد وقفت مع البرنامج النووي الايراني الذي رأت فيه مكسبا لإيران فقط وانما للأمة الاسلامية جمعاء، وظلت داعمة لموقف إيران في اكتساب حقها الشرعي في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية رغم معارضة عددا من دول الخليج وهي الدول المساندة اليوم لليمن والداعمة بصورة رئيسية لاقتصاده لهذا المشروع سببته تطلعات ايران الخارجية تجاه دول المنطقة، وما يحدث في العراق ليس ببعيد، رغم ان دعم ايران لليمن لا يذكر سوى ببعض المشاريع المتواضعة مقارنة بحجم الدعم الهائل الذي يتلقاه الحوثيون منهم، والذي كان الأجدى ان يصب في مشاريع تنموية تخدم الانسان اليمني، لا أن تقتله وتدمر اقتصاده. وبدخول الحوثيين الى السعودية حاولوا ان يضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد، فهم حاولوا ان تصبح قضيتهم اقليمية بحيث يكون هناك احتمال أكبر لتدخل دولي في القضية ولإعطاء ايران الفرصة لمد يد العون بصورة مباشرة لممارسة الضغوط على النظام اليمني للكف عن مقاتلته لهم، وأيضا محاولة لتشجيع الشيعة في السعودية للمساندة وتقديم الدعم المادي والمعنوي، ومن جانب آخر لفك الضغط الحاصل ضدهم بعد ان ضيق الجيش الخناق عليهم، وجر السعودية الى الشأن اليمني محاولة لكسب تأييد الشعب لما يعرف عند اليمنيين بإثارة الحمية تجاه اخوانهم كونهم يقتلون من قبل دولة مجاورة تنتهك حدود وسيادة اليمن، لكنهم وقعوا في فخ مكيدتهم. فالسعودية وجهت لهم ضربة قاضية لتعديهم على سيادتها والجيش اليمني بات على وشك القضاء عليهم حيث أصبح يسيطر على المنطقة بأكملها ولم يظل سوى 10 كيلومترات حسب بعض التصريحات الرسمية نظرا لكونها منطقة جبلية وعرة تستخدم فيها حرب العصابات لوعورة التضاريس فيها وصعوبة الطرق. وبحول الله تنتهي قضية الحوثية في اليمن في القريب العاجل، ويعود الاستقرار فيه والأمن والأمان، لأن حكمة اليمنيين أكبر من كل التحديات، وقد صدق الرسول الأكرم حين قال: «الإيمان يمان والحكمة يمانية» فهو لا ينطق عن الهوى، وسيظل الشعب اليمني برمته خلف قيادته السياسية وخلف قواته المسلحة ضد كل من تسول له نفسه ضرب استقرار اليمن ووحدته.